حديث الجمعة الديني : الإسلام واليوم العالمي لحقوق الإنسان
23 سبتمبر، 2016قال الله -العلي القدير-: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” سورة الحجرات- الآية13.
تتعالى – في الآونة الاخيرة – الأصوات التي تنادي بالمحافظة على حقوق الإنسان، وكانت قد أقيمت مئات المؤسسات التي تحمل شعار (حقوق الإنسان) بدعم من هيئة الأمم أو من الاتحاد الأوروبي أو من منظمات دولية، وتنفق على هذه المؤسسات مئات الملايين من الدولارات سنوياً لتحقيق أهداف مشبوهة، متسترة وراء هذا الشعار البراق الخادع، وكأن الغرب هو الذي يحترم الإنسانية ويحافظ على كرامة الإنسان، وكأنه الحريص على حقوقه، ويتغنى الغرب بما يسمى (لائحة حقوق الإنسان)، التي أقرتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ10/12/1948م، هذه اللائحة التي لا تزال حبراً على ورق، رغم ما تتضمنه من إيجابيات تتعلق بالإنسان، إلا أن الضعيف لا ينال منها شيئاً !! بل يضطهد ويظلم من قبل الإنسان القوي، الذي يعتدي عليه ويأكل حقوقه، ليس هذا فحسب، بل إن الذين يتبججون بإحترام حقوق الإنسان ما زالوا يمارسون التمييز العنصري ضد غيرهم حتى يومنا الحاضر.
النداء الرباني بتكريم الإنسان
إن العالم الغربي يجهل أو يتجاهل النداء الرباني الذي يكرم الإنسان بقول الله -عزّوجل-: ” ولقد كرمنا بني آدم ” سورة الإسراء- الآية70 ، ويقول علماء التفسير معقبين على هذه الآية الكريمة إن التكريم قد جاء بلفظ عام لا يحيط به نطاق الحصر، وكما هو معلوم، فإن ديننا الإسلامي العظيم قد رفع من مكانة الإنسان، وحماه من الامتهان والإذلال والاستعباد والاسترقاق والاستعمار والاحتلال، منذ خمسة عشر قرناً، وجرى تطبيق القيم الإسلامية بحق الإنسان على أرض الواقع بغض النظر عن الديانة أو اللون أو الجنس أو الأصل أو العرق، حتى إن الإسلام قد كرم الإنسان بعد وفاته، فلا يجوز الاعتداء على جثمانه ولا التمثيل به، ولا يجوز شرعاً كسر عظامه أو نبش قبره، ولا يجوز ترك الجثمان في العراء، فإن كرامة الميت تكون بدفنه، كما لا يجوز المشي على القبور ولا الجلوس عليها، وإن الأحاديث النبوية الشريفة في هذا المجال كثيرة، وكثيرة منها:
1. قال الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع ” متفق عليه، عن الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، وقال رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في حديث شريف آخر: ” كسر عظم الميت ككسره حيا ” رواه أحمد ومالك وأبو داود وابن ماجه وابن حبان، وصححه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وفي حديث نبوي شريف ثالث قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ” لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر ” رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه- وكان الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- يحث على الصدقة، وينهى عن المثله. رواه البخاري، أي ينهى عن تشويه جثة الميت.
أوجه التكريم للإنسان
لقد كرم الله -سبحانه وتعالى- الإنسان بالعقل للتفكير والقدرة على التصرف، وميزه عن سائر المخلوقات، وقد وردت مئات الآيات الكريمة التي تصرّح بذلك، فيقول الله -عزّوجل-: ” أفلا يعقلون ” و ” يا أولي الألباب “، وكما هو معلوم بداهة أن (العقل) من أعظم وأجلّ النعم التي منحها الله رب العالمين للإنسان، وهذا ما حدا بعدد من علماء التفسير إلى حصر التكريم بالعقل وحده، وأقول: لا أنكر عظم وأهمية العقل، إلا أن النص القرآني في التكريم جاء عاماً مطلقاً، وعليه لابد أن تكون هناك أوجه أخرى للتكريم، بالإضافة إلى نعمة العقل، أذكر بعضاً منها:
1- لقد كرم الله -العلي القدير- الإنسان بأن منحه حرية الكلمة وشجعه على قول الحق والصدق، لقول رسولنا الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” إن الناس اذا رأوا المنكر فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه ” أخرجه أحمد وابن ماجه والحميدي بإسناد صحيح، عن الصحابي الجليل قيس بن أبي حازم -رضي الله عنه- فالله رب العالمين يتوعد الذي لا يغير المنكر بالعقاب الشديد.
2- لقد كرم الله -عزّوجل-الإنسان باستخلافه في الأرض بقوله -تعالى- :” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ” سورة البقرة- الآية30، والإستخلاف عبارة عن وظيفة كريمة، وضعت الإنسان في مركز المسؤولية لعمارة الأرض واستثمارها والاستفادة منها وإدارة شؤونها، وما من شك في أن إسناد المسؤولية للإنسان يعني أن الله -تبارك وتعالى-قد منحه الصفات والخصائص والمميزات التي تؤهله لحمل المسؤولية والقيام بها، لذا ينبغي على الإنسان أن يحمل المسؤولية بجدارة وكفاءة، كما أرادها الله له، وأن يؤدي الأمانة الملقاة على عاتقه تجاه نفسه، وتجاه البشرية جمعاء.
3- لقد كرم الله رب العالمين الإنسان بتسخير المخلوقات له، فإن ما في السموات وما في الأرض من المخلوقات والنعم هي وسائل مهيأة لراحة الإنسان، وقد مكن الله العلي القدير الإنسان من الإستفادة منها، فهي في الواقع مخلوقة من أجل الإنسان لقوله -سبحانه وتعالى- : ” أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ” سورة لقمان- الآية20، وهناك خمسة عشر موضعاً في القرآن الكريم تصرح بذلك.
4- حرية العبادة: لقد قرر الله رب العالمين حرية العبادة للناس جميعاً بقوله -تعالى-: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ” سورة البقرة- الآية256، وقوله -عزّوجل-: ” أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ” سورة يونس- الآية99، وقول الله -العلي القدير-: “لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ” سورة الكافرون “- الآية6، وأي تكريم أسمى وأرفع من أن يؤدي الإنسان عبادته بحرية وإطمئنان ؟
5- لقد كرم الله -تبارك وتعالى-الإنسان بالتعلم والقراءة والكتابة والبحث، ولبيان مدى اهتمام الإسلام لذلك كانت أول الآيات نزولاً في القرآن الكريم قول الله – عزّ وجل:” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” سورة العلق – الآيات 1-5، وهناك مئات الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على طلب العلم وترغب فيه، وتبين منزلة العلماء وأهميتهم، فالتعليم لا غنى عنه، فهو بمثابة الماء والهواء للإنسان.
الخاتمة
إنه لحري بالإنسان أن يحافظ على أوجه التكريم التي وهبها الله -عزّوجل-له، فلا يجوز له أن يهين نفسه، ولا أن يتذلل لغيره، ولا أن يتزلف وينافق ويداري ويهادن ويتسلق من أجل حكام الدنيا الفانية، فالواجب على الإنسان أن يحافظ على كرامته وعلى إنسانيته، وأن يحفظ ماء وجهه، كما ينبغي على الإنسان أن يتصل بالله -العلي القدير-، الذي خلقه، اتصالاً مباشراً، وأن يعبد الله -تعالى- على علم ومعرفة ويقين، وأن يشكره على النعم التي لا تحصى.قال الله -تبارك وتعالى-: ” وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ” سورة إبراهيم- الآية34 وسورة النحل- الآية 18، وينبغي على الإنسان أيضاً أن يخلص لله -عزّوجل-الطاعة في الضراء والسراء، وفي الشدة والرخاء، والله رب العالمين أعلم بالخفاء.