حديث الجمعة الديني : الإسلام ويوم التلفاز العالمي
23 سبتمبر، 2016لقد سبق للجمعية العامة للأمم المتحدة أن أعلنت في قرارها 51/ 205 بتاريخ 17/12/1996م أن يكون الحادي والعشرون من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 21/11 من كل عام يوماً عالمياً للتلفاز، وذلك إقراراً منها بقوة التأثير المتزايد للتلفزيون وأهميته في توجيه الجماهير، وفي صنع القرارات السياسية، وكذلك قدرته على لفت انتباه الرأي العام العالمي إلى القضايا العامة المهمة، سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الدينية، أو غيرها.
تطور وسائل الإعلام
إننا نعيش في عصر تطورت فيه وسائل الإعلام بشكل سريع ومذهل، بدءاً من التلفزيون، إلى أن وصلنا إلى استخدام الإنترنت الذي من خلاله نطلع على المواقع الإعلامية والإخبارية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي (على سبيل المثال: الفيس بوك facebook وتويتر Twitter ولنكدإن Linkedin وغيرها) وإن الاختراعات في هذا المجال غير متوقفة، ففي كل فترة نسمع باختراع جديد، ومع ذلك لا غنى عن وجود التلفاز في كل بيت، مع الإشارة إلى أن التلفاز وغيره عبارة عن آلة متطورة يمكن أن تستخدم في الخير وفي البناء، ويمكن أن تستخدم في الشر وفي الهدم، وذلك على ضوء المواد والبرامج التي تعرض على شاشة التلفاز، أو من خلال الإنترنت أو الفيديو وغيرها.
ناشئة الليل
يقول الله -سبحانه وتعالى- : ” إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا. إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ” سورة المزمل – الآيتان 5 و6، إن الخطاب الرباني في الآية الأولى موجه للرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-، أي سننزل عليك قرآناً عظيماً جليلاً، له هيبته وروعته، لأنه كلام رب العزة والجبروت.
والسؤال: ما علاقة الأولى بالثانية ؟ والجواب: إن العبادة في الليل أصفى للخاطر وأعدل وأبين وأوضح، حيث تهدأ الأصوات في الليل وتنقطع الحركات، فتكون النفس أصفى منها في النهار، والقلب أوعى، ويحصل التأمل والتدبر لمعاني كلام الله
-العلي القدير-، ويقول الله -تبارك وتعالى-: ” وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ” سورة الاسراء- الآية79.
من هنا تظهر الحكمة في أن القراءة في صلوات المغرب والعشاء والفجر تكون جهراً، فلا بد من استثمار الليل للعبادة وتلاوة القرآن الكريم، وللنشاط الفكري، فإن العقل يتقبل ما يطرح من أفكار، ويكون الكلام مؤثراً في العقل والنفس أكثر منه في النهار، لذا نرى بأن الاجتماعات والمحاضرات والندوات المسائية منتجة أكثر منها في النهار.فيقول الله -عزّوجل-: ” إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا “سورة المزمل- الآية7، أي أن النهار هو وقت انتشار الناس لأشغالهم والسعي للعمل والمعاش، من هنا تظهر الحكمة في أن القراءة في صلاتي الظهر والعصر تكون سرية، حيث لا مجال للتأمل والتدبر بكلام الله -عزّوجل-.
مخالفة سنة الله
كيف يخالف الإنسان سنة الله رب العالمين في خلقه، كيف يقتل وقته ليلاً في المعاصي، وفي مشاهدة المسلسلات الهابطة والأفلام الجنسية الإباحية ؟! هذه المسلسلات والأفلام كانت تستورد من الغرب، ثم لبست الثوب العربي !! إن طاقة الإنسان واستطاعته النفسية تذهب هدراً، حيث تمتصها الأجهزة التي فرضت برامجها الهدامة على الأمة، في حين حرص ديننا الإسلامي العظيم على تربية ابنائه التربية القويمة، وتوجيههم الوجهة السليمة وذلك بالاستفادة من أوقاتهم وطاقاتهم بما هو مفيد ونافع، مع اختيار الوقت المناسب، وهو وقت الليل، فلا يجوز أن تضيع الأوقات في الليالي الحمراء والمسلسلات الخرقاء !! فكيف يا ترى نستطيع من خلال ذاك الخضم الصاخب أن نربي الجيل الصاعد من الابناء والبنات على الفضيلة وعلى القيم الرفيعة، وأن نوجهه للإستفادة من الوقت وبخاصة ساعات الليل، والمعلوم أن الوقت أمانة.
الاستهانة من المخاطر
قد يستهين البعض بالأخطار الناجمة عن عرض الأفلام أو الأشرطة الهابطة عبر شاشات التلفاز، ويعدونها أموراً فرعية شكلية، ويزعمون بأن هذه الأفلام وغيرها ليست لها آثار سلبية على الشباب المراهقين والشابات المراهقات… ولكن في الحقيقة والواقع أن خطرها جسيم وهي تترك انطباعات لا شعورية على نفسية المشاهد، فيتأثر بما يراه، سواء كان خيراً وبناءً أو شراً وهداماً، والمعلوم أن التأثير يكون متفاوتاً حسب ثقافة المشاهد وعمره…، فإذا رأى المشاهدون صور العراة في عريهم أو الشاذين في شذوذهم فإنهم يرغبون في التقليد، فيكون هناك الخطر الداهم على نفسية المشاهدين وسلوكهم وتصرفاتهم، وقد حصلت نتيجة ذلك حوادث لا أخلاقية في الأسرة الواحدة وخارج الأسرة أيضاً.
لذا لا بد من التنبه على محاولة الغرب في تحقيق أهدافه الهدامة من تفكيك الأسرة وتمزيق نسيج المجتمع، وصرف الشباب عن الجدّ والعمل النافع لمجتمعهم وشعبهم وأمتهم، زد على ذلك ارتكاب المحاذير الشرعية التي تواكب إعداد وتصوير الأفلام والمسلسلات منذ بدايتها وحتى نهايتها، فالشخص الذي يتولى التصوير ويلتقط المناظر الساقطة والهابطة هو آثم في عمله، وكذلك المخرج الذي يعدّ الحوار في الأفلام والسلسلات هو آثم أيضاً، حيث إن أعمالهم غير مشروعة وما يترتب على ذلك يكون غير مشروع أيضاً، كما أن الذين يسوّقون لهذه الأفلام ويبيعون الأشرطة آثمون، والذين يشاهدونها أيضاً آثمون شرعاً.
إهمال تربية الابناء
كفانا ما نحن فيه من ضياع سياسي وعسكري واقتصادي، كفانا ما نحن فيه من فراغ رهيب ويأس قاتل، حتى إن الناس لم يعودوا يفكرون في التغيير إلى الأفضل، حتى ولا إلى إزالة المنكر، فهل كل هذا يبرر إهمال الآباء لتربية ابنائهم ؟! وهل هذا يعني أن يطلق العنان للابناء يسهرون الليالي دون مراقبة ولا حساب ؟ وهل هذا يبرر للآباء أن يتركوا البيوت دون قوامة ودون إشراف على استخدام جهاز التلفاز ؟! وهل هذا مبرر لعدم وجود تنسيق بين البيت والمدرسة ؟ في حين يقول رسولنا الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته…” متفق عليه عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- فالمسؤولية تقع على الآباء والأمهات أكثر وأشد من قبل، لأن الأخطار تزداد يوماً بعد يوم.
مراقبة جهاز التلفاز
من منطلق رعاية الأب للبيت فمن حقه، بل من واجبه الإشراف على استعمال جهاز التلفاز من حيث القنوات الفضائية التي تستحق أن تشاهد برامجها البناءة والمفيدة، والقنوات التي يحظر مشاهدة برامجها ومسلسلاتها، فيمكن للأب أن يمسح أو يعطّل أو يحجب (يشفّر) القنوات الهدامة والمنحرفة، ويُبقي على القنوات السليمة والموضوعية، وذلك بعد أن يقوم الأب بإقناع أولاده أضرار القنوات المنحرفة، في الوقت نفسه ينبغي أن يكون الأب والأم القدوة الصالحة للأولاد، فلا يعقل أن يمنع الأب أولاده من مشاهدة قناة فضائية محددة، ثم يقوم الأب بمشاهدتها !! كما لا يعقل أن يشاهد الأب والأم التلفاز ليلاً، وفي الوقت نفسه يلزم الابن بتحضير دروسه في بيت واحد، أو في غرفة مجاورة !!. لذا يتوجب على الأب والأم أن يضحيا من أجل أولادهما بمعنى تهيئة الأجواء المناسبة في البيت حتى يتمكن الأولاد من تحضير دروسهم.
وعليه، لا ننكر أن جهاز التلفاز وغيره من أجهزة الاتصال الحديثة والمتطورة قد غزت البيوت، ولا مندوحة لمقتنيها إلا أن يتصرف الآباء بالحكمة وبالموضوعية تجاه الأولاد: (ذكوراً وإناثاً). قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” إذا رأى الناس المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ” رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأبو يعلى، عن الصحابي الجليل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وقال الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه.. حفظ أم ضيّع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ” رواه ابن حبان عن الصحابي الجليل الحسين بن علي – رضي الله عنهما-.
اللهم فقهنا في الدين، وعلمنا التأويل، وارزقنا اليقين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.