حديث الجمعة الديني : الإسلام ويوم المهاجرين العالمي
22 سبتمبر، 2016يصادف الثامن عشر من شهر كانون الأول ” ديسمبر ” من كل عام اليوم العالمي للمهاجرين، فقد سبق أن أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن هذا اليوم بتاريخ 4/ 12 / 2000 ميلادية، وذلك في ظل تزايد أعداد المهاجرين في العالم، فلا بد من عقد الندوات وتنظيم الفعاليات وإعداد البرامج التي من شأنها المحافظة على كرامة الإنسان، وعلى حقوقه الأساسية، وتوفير الحريات لجميع المهاجرين، ورصد الميزانيات والصناديق الكافية لتوفير المأكل والمشرب والملبس والمأوى لهم، وتعزيز حصولهم على الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، وكذلك العمل على إعادة المهاجرين إلى بيوتهم وإلى ديارهم.
إحصائية مذهلة
أصدرت منظمة الهجرة العالمية، التي تأسست عام 1951م، في مدينة جنيف بسويسرا، تقريراً خلال العام الماضي، يشير إلى أن ما يزيد عن مائة مليون شخص في أرجاء المعمورة يهاجرون سنوياً بشكل قسري دون إرادتهم من مواطنهم لأسباب متعددة.
أسباب الهجرات
هناك أسباب متعددة ومتنوعة للهجرات في العالم، أشير إلى أبرزها:
1. الحرب بين دولة وأخرى.
2. الصراع الدموي الداخلي في القطر الواحد.
3. الفقر والجوع والمجاعة.
4. انتشار الأوبئة والأمراض السارية والمعدية.
5. الكوارث الطبيعية، مثل: الزلازل، والبراكين، والفيضانات، والجفاف والتصحر.
6. الهجرة الداخلية من الريف والقرى إلى العواصم وإلى المدن الكبيرة.
7. هجرة العقول والكفاءات إلى أقطار متقدمة علمياً وتقنياً، فتصاب الدول النامية بخسارة فادحة.
8. الاستبداد السياسي والدكتاتورية وكم الأفواه من قبل الأنظمة الحاكمة.
9. الاستعمار والاحتلال للبلاد والدول المستضعفة والمقهورة.
هذا، وتكون الهجرة من قطر إلى قطر آخر، كما تكون الهجرة داخل القطر الواحد ( أي من مكان إلى مكان آخر).
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء
لقد هاجر رسولنا الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة بعد أن تصلب موقف قريش، في حين استجاب أهل المدينة المنورة للإسلام، فكان -عليه الصلاة والسلام- متألماً حين هاجر من مكة، فقال مخاطبا لها: ” ما أطيبك وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك ” رواه الترمذي، عن الصحابي الجليل عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما- وفي حديث نبوي شريف آخر، قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا إني أُخرجت منك ما خرجت ” رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح، عن الصحابي الجليل عبدالله بن عدي ابن الحمراء -رضي الله عنه-، وهذا دليل على أن الهجرة كانت قسرية وليست اختيارية وسبق لمعظم الأنبياء – عليهم السلام – أن هاجروا بسبب عداوة أقوامهم لهم ولرسالاتهم، نذكر منهم: نوح وإبراهيم ولوط وموسى وعيسى – عليهم السلام -.
لا هجرة بعد فتح مكة
بعد أن تم الفتح الأعظم (فتح مكة في سنة 8 هجرية) أعلن رسولنا الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- بأنه لا هجرة بعد فتح مكة، أي لا هجرة اختيارية بعد فتح مكة، حيث قال: ” لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية وإذا إستنفرتم فانفروا ” متفق عليه، عن الصحابي الجليل عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما-، وفي حديث نبوي شريف آخر، روى الصحابي الجليل مجاشع بن مسعود الأشجعي -رضي الله عنه- قال: ” جئت بأخي معبد إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بعد الفتح فقلت: يا رسول الله، بايعه على الهجرة فقال -عليه الصلاة والسلام-: قد مضت الهجرة بأهلها، قال مجاشع: فبأي شي تبايعه ؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: ” على الإسلام والجهاد والخير ” رواه مسلم.وعليه، لا مجال للهجرة إلا في حالات استثنائية اضطرارية، لذا قال الفقهاء: لا تجوز مفارقة الأوطان إلا إذا كانت الهجرة من أجل الجهاد في سبيل الله، أو بنية خالصة لله -عزّوجل-كطلب العلم، أو السعي للرزق، أو الفرار بالدين، وبقصد العودة. (كتاب عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري، للإمام العيني ج: 14 / ص:80.
الإبعاد السياسي ظاهرة سلبية
إن ديننا الإسلامي العظيم لا يقر الإبعاد السياسي، فهو ظاهرة سلبية غير حضارية، تدل على إفلاس الأنظمة والحكومات التي تتبع هذا الأسلوب غير الإنساني، وإن الله -العلي القدير- قد قرن الإخراج من الديار بقتل النفس، فيقول الله -سبحانه وتعالى- : ” وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ” سورة النساء- الآية66، بل إن ديننا الإسلامي العظيم قد أقر التعددية، كما أقر مبدأ المعارضة.
مبدأ التعددية
لقد أقر الإسلام المواطنة لأتباع الديانات والطوائف الأخرى، ووضع الأسس لتنظيم العلاقات معهم منذ خمسة عشر قرناً، فالإسلام كما هو معلوم آخر الديانات السماوية، وإن الرسول محمداً -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، لذا يقر الإسلام مبدأ التعددية في المجتمع، وقد تعامل مع هذا المبدأ منذ ظهور الإسلام، الذي أوضح حقوق غير المسلمين، كما فعل الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث أبرم اتفاقية مع اليهود، وضمن لهم حقوقهم، وعرفت تلك الاتفاقية بوثيقة المدينة المنورة، فليس الأمر غريباً ولا مستهجناً بأن يتعايش المسلمون مع غير المسلمين، لأن المسلمين مهيؤون أصلاً لذلك، وأن صورة التعامل معهم واضحة وجلية وصريحة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، والله -سبحانه وتعالى- يقول: ” لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ” سورة البقرة- الآية256، ويقول الله -عزّوجل-: ” أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ” سورة يونس- الآية99. ويقول الله -تبارك وتعالى-: ” لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ” سورة الكافرون – الآية 6.
كما أوجب الإسلام أن تكون المناقشة والحوار والمجادلة مع أصحاب الديانات الأخرى بأسلوب حسن، وبالحكمة، فيقول الله -سبحانه وتعالى- : ” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ” سورة آل عمران- الآية64، ويقول الله -عزّوجل-في آية أخرى: ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ” سورة النحل- الآية125، ويقول الله -تعالى- في آية ثالثة: ” وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ” سورة العنكبوت- الآية46.
وعليه، فإن ديننا الإسلامي العظيم يمنح جميع المواطنين – من مسلمين وغير المسلمين – حرية العبادة، وحرية الكلمة، لذا، لا مجال للاعتقال السياسي، ولا للإبعاد السياسي، فلا يوجد في الإسلام تهجير سياسي.
مبدأ المعارضة
لقد أقر الإسلام مبدأ المعارضة في المجتمع الإسلامي، ونستطيع القول: إن المسلمين هم الوحيدون الذين يوفرون الاحترام والتقدير للمعارضة، وهم الذين اعترفوا بوجود المعارضة عملياً وتعاملوا معها على اعتبار أنها أمر واقع، فهذا الخليفة الأول أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- قد خطب الناس قائلاً: ” أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ” رواه الصحابي أنس بن مالك -رضي الله عنه-، وقال ابن كثير: إسناده حسن. (موسوعة آثار الصحابة لأحمد الكروي ج: 1 / ص:35)، ويطلب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من المواطنين أن يقوموا اعوجاجه بقوله: ” من رأى فيّ اعوجاجاً فليقوّمه ” فوقف أعرابي وقال له: والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد سيوفنا ” فقال عمر: ” الحمد لله الذي وجد في أمة محمد من يقوم اعوجاج عمر ” (كتاب عبقرية عمر للأديب عباس محمود العقاد ص:104)، وحين قال أحد المواطنين لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ” إتق الله، قال عمر: قولوها، لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها “، وإن موقف الصحابي الجليل بلال بن رباح -رضي الله عنه- معروف في موضوع أراضي العراق، حيث كان معارضاً بادئ الأمر لرأي أمير المؤمنين عمر فإن بلال بن رباح كان يقول: بتقسيم أراضي العراق على الجند، في حين كان عمر بن الخطاب يرى أن تبقى الأراضي بيد أصحابها وأن يدفعوا عنها ” الخراج “، وبعد مناقشات وتحليل للآيات الكريمة في سورة الحشر حصل إجماع الصحابة على عدم توزيع أراضي العراق على الجنود، وإنما تبقى بيد أصحابها الأصليين ويدفعون عنها ” الخراج ” الذي هو بمثابة ضريبة الأرض. (كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف ص:38، وكتاب عبقرية عمر للأديب عباس محمود العقاد ص:75).
من هنا يفهم بأن الإسلام يشجع على المعارضة ما دامت هذه المعارضة تصب في الصالح العام، لذا لا مجال للتهجير السياسي، ولا مجال لكم الأفواه، أما الذي لا يقر بوجود المعارضة فإنه يحكم البلاد بالاستبداد وبالدكتاتورية وبالتسلط وكم الأفواه واستعمال البطش والحديد والنار بحق كل من يقف في وجه السلطان، ومن هنا يضطر المعارضون إلى الهجرة فراراً من الظلم السياسي.
الخاتمة
إننا نستثمر مناسبة يوم المهاجرين العالمي، لنذكر المجتمع الدولي ونذكر الدول المتنفذةفي العالم أن تتحرى العدل والعدالة، وأن تعمل جاهدة للحد من التهجير، وأن تسعى لمعالجة موضوع المهاجرين والوقوف إلى جانبهم لأي سبب من الأسباب، وذلك حتى تعيش شعوب العالم بأمن وأمان، وطمأنينة وسلام.
وأختم مقالتي بالاستدلال بآيتين كريمتين، ونصهما:
قال الله -سبحانه وتعالى- : ” لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” سورة الممتحنة – الآيتان 8 و 9.
ويبدو واضحاً أن ” العداوة ” تأتي نتيجة ” المحاربة والعدوان ” ولم تأت من مجرد ” الكفر ” فمن قلب القدس، من أرض الإسراء والمعراج، نعلنها صريحة مجلجلة: إن اعتداءات المحتلين والمستعمرين على الشعوب الضعيفة والمسحوقة لن تكسبهم حقاً، ولن تطيل أعمارهم، فلا بد من عودة الحقوق لأصحابها، ولا بد أيضاً من معالجة ظاهرة التهجير في العالم بعامة، وفلسطين بخاصة.
اللهمّ فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وأرزقنا اليقين
” والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ” سورة الأحزاب- الآية4
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.