حديث الجمعة الديني : التجديد والتحديث في الاسلام – الحلقة الاولى
2 أكتوبر، 2016مما لا يخفى ان ديننا الاسلامي العظيم لا يزال يواجه في هذه الايام تحديات كبيرة كبر المؤامرات
التي تحاك ضده من قبل الشرق والغرب، ومع ذلك فهو يزداد انتشاراً في العالم رغم الحملات المسعورة
والعقبات المفتعلة.
ومن هذه التحديات:
١- التشكيك في صلاحية الاسلام لكل زمان ومكان.
٢ – التشكيك في قدرة الاسلام على مواكبة التقدم الحضاري والتقني.
٣ – توجيه التهم الباطلة والظالمة بأن الاسلام دين متخلف، دين متشدد، دين ارهاب، وغير ذلك
من التهم التي تحاول تشويه صورة الاسلام.
وسنجيب على هذه التحديات من خلال تناولنا لموضوعين مهمين هما: التجديد، والتحديث.
مفهوم كل من التجديد والتحديث
١ – التجديد: هو اعادة فهم ادلة الاسلام من جديد:
وامكانية عرض الاسلام للجماهير وللعالم عرضاً مشرقاً يتناسب مع عقولهم، ومداركهم وظروفهم
باللغات الذائعة والمنتشرة في العالم، وكذلك ازالة الشوائب والتحريفات التي يمكن ان تعلق في أذهان
الناس وعاداتهم وتقاليدهم، هذا ولا بد من التنويه الى ان اعادة النظر في فهم الاسلام لا يعني تغيير
الاحكام الشرعية الاساسية.
٢ – التحديث: هو تناول الامور المستحدثة او الطارئة في حياتنا العملية، لبيان حكم الاسلام
فيها، فاذا وافقت هذه الامور القواعد الاسلامية التشريعية فإنها تكون مشروعة، وما لم توافق فإنها
تكون غير مشروعة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «من احدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو
رد ». متفق عليه عن الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، وفي رواية لمسلم «من عمل عملاً
ليس عليه امرنا فهو رد ». اي ان كل امر مستحدث وليس له سند شرعي من القرآن الكريم او السنة
النبوية المطهرة فإنه يكون مردوداً ويُعد مرفوضاً.
فإذا اردنا ايجاد حلول للمسائل المستجدة في المجتمع فينبغي على أهل الاختصاص الرجوع الي
الأصول الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله لاستنباط الاحكام الشرعية منها، فالشريعة الاسلامية
قادرة على معالجة المسائل المستجدة من خلال الاجتهاد الذي يُضفي على الشريعة الاسلامية بالحيوية
المستمرة ويعطي الحلول المناسبة بالاعتماد على المصدرين )الكتاب والسنة(.
لذا يلاحظ ان المدلولين: التجديد والتحديث يكمل احدهما الآخر في الشريعة الاسلامية، فلا
تضارب ولا تناقض بينهما.
مشروعية التجديد والتحديث
١ – مشروعية التجديد: لقد خاض عدد وافر من العلماء والباحثين والاكاديميين في موضوع
«التجديد » في الاسلام وهو أمر مشروع ومرغوب في الاسلام، وذلك لأن مرور الزمان قد يؤدي الى
الانحرف في الفهم السليم كما ان كثرة المسلمين من مختلف الاقطار والقوميات والاعراق واللغات قد
توجد فيهم من يتصور الاسلام تصوراً خاطئاً وبخاصة ان عدد المسلمين في هذه الايام قد تجاوز ملياراً
ونصف المليار مسلم، ومن الممكن ايضاً ان ينقطع عدد من أنصاف المتعلمين فيصدرون فتاوى عقيمة
او غير صحيحة فتؤدي الى تشويش لدى العامة من الناس، بالاضافة الى ان اعداء الاسلام يتعمدون
تشويه صورة الاسلام، والطعن والغمز فيه، لذا كله لا بد من رفع لواء التجديد فيقول رسولنا الاكرم
محمد صلي الله عليه وسلم «ان الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها .»
وفي رواية «من يجدد لها أمر دينها » رواه البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما
اخرجه ابو داود عن ابو هريرة، فهذا الحديث النبوي الشريف يعطينا الأمل والتفاؤل بأن المسلمين
اذا انتابتهم نكسات او مرت بهم محن ومصائب وشدائد فلا بد وأن يظهر فيهم علماء ومجددون
يأخذون بيد أمتهم الى جادة الصواب والى شاطئ السلامة، وان هذا الحديث النبوي الشريف يلزم
المسلمين باعادة النظر في قدراتهم وفي فهمهم لحقيقة الاسلام، كما يشير هذا الحديث الشريف
الى ان الأمة الاسلامية معرضة للانحراف عن جادة الصواب، فهي بحاجة الى التجديد والتصويب
للالتزام بالكتاب والسنة بوعي وادراك.
فليس المقصود بالتجديد تغيير الاحكام الشرعية كما يتوهم البعض، وانما لاعادة النظر في فهمنا
للاسلام وابراز هذا الدين العظيم بصورة واضحة مبلورة لدى الجماهير الاسلامية ولدى العالم كله.
٢- مشروعية التحديث: روى الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم لما بعثه الى اليمن قاضيا قال له: كيف تصنع اذا عرض عليك قضاء؟ قال: أقضي
بما في كتاب الله. قال: فان لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. قال:
فان لم يكن في سنة رسوله قال: اجتهد برأيي ولا آلو .. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
صدري ثم قال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسول الله لما يرضي رسول الله » متفق عليه. ومعنى )لا آلو(
لا اقصر في بذل الجهد. لذا عرف الفقهاء الاجتهاد : انه بذل الجهد في استنباط الاحكام الشرعية
من ادلتها التفصيلية. )كتاب المدخل الى علم اصول الفقه للدكتور معروف الدواليبي ص ٣٦ وكتاب
تاريخ الفقه الاسلامي للشيخ محمد علي السايس ص ٣١ والوجيز في اصول الفقه للدكتور عبد
الكريم زيدان ص ٣٥٧ .
هذا ويمكن القول: ان التحديث هو صورة من صور الاجتهاد. كما شجع )عليه الصلاة والسلام(
اصحابه رضي الله عنهم على الاجتهاد في كثير من الوقائع.
مميزات التشريع الاسلامي
١-يمتاز التشريع الاسلامي بالتوازن بين الثبات والمرونة. وهذه الميزة قد انفرد بها الاسلام عن
سائر الشرائع السماوية، والقوانين والانظمة الوضعية. فالاسلام الذي ختم به الرسالات السماوية
قد اودع فيه عنصر الثبات والخلود من جهة، وعنصر المرونة والتطور من جهة اخرى. ويمكن القول:
ان هذه الميزة من روائع الاعجاز التشريعي في هذا الدين العظيم.
فلو افترضنا ان الاسلام قد اتصف بالثبات فقط لادى الى الجمود والعجز عن حل مشاكل الناس
المستجدة والمستحدثة عبر الاجيال والقرون، ولأدى ايضا الى الوقوف في وجه الحركات العلمية
والاكتشافات الجديدة والمخترعات المتطورة، كما حصل في اوروبا في القرون الوسطى.
ولو افترضنا ان الاس�لام قد اتصف بالمرونة فقط لوقع في التغيير الدائم للقوانين ولأدى الى
الفوضى والانفلات والمزاجية وعدم الانضباطية في المجتمع. وعليه فان الاسلام يتصف بالثبات
والمرونة معا: ان الثابت في الاصول والكليات وثابت ايضا على الاهداف والغايات. اما المرونة فتتمثل
في الاجتهاد في الفروع والجزئيات، وفي الشؤون الدنيوية وفي الامور العملية وفي الظنيات وليس
بالقطعيات )كتاب تاريخ الفقه الاسلامي ص ٣٠ وص ٣١ والخصائص العامة للاسلام للدكتور يوسف
القرضاوي ص ٢٠ ٥ وكتاب الخلاف الفقهي – دراسة في المفهوم والاسباب والاداب للدكتور احمد بن
محمد البوشيخي ص ٤٣ (.
٢-يمتاز بالعمومية: اي ان الاسلام لم يخاطب العرب وحدهم بل لجميع شعوب العالم بمختلف
القوميات والاجناس والاعراف واللغات.
٣-الشمولية: اي ان الاسلام لا يتناول جانبا واحدا من حياة الانسان فحسب بل يتناول جميع
الجوانب الحياتية المجتمعية فهو تشريع متكامل.
٤-الاستمرارية: اي ان الاسلام صالح لكل زمان ومكان، وليس لفترة زمنية محددة او لوقت محدد،
وانما هو باق قائم الى ان يرث الله الارض ومن عليها.
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل وارزقنا اليقين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.