حديث الجمعة الديني : التكافل الاجتماعي والعائلات الحاضنة
23 سبتمبر، 2016عن الصحابي الجليل سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي المدني أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: بينما نحن في سفر مع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إذ رجل على راحلةٍ له ، قال : فجعل يصرِفُ بصَره يميناً وشمالاً فقال له رسول الله : ” مَن كانَ معهُ فضلُ ظَهر فَليعُد به على من لا ظَهرَ له ومن كان له فضلٌ من زادٍ فَليَعُد به على من لا زادَ لَهُ ” ، قال: فذكر من أصنافِ المال ما ذكر حتى رأينا أنهُ لا حقَّ لأحدٍ منا في فضل ” رواه مسلم .
يبين هذا الحديث أهمية التكافل الإجتماعي في الإسلام وأن المجتمع الإسلامي كالجسد الواحد يتآلف أبناؤه ويتعاونون على البر والتقوى ، فلا بد أن يساعد الغني الفقير ويقف القوي بجانب الضعيف .
ويوضح حالة رجل دخل على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم – وعليه آثار الحاجة والعوز فأخذ الرجل يتلفت يميناً ويساراً طلباً للعون فحث رسول الله -صلى الله عليه وسلم – من كان معه من أصحابه على مساعدته وحضهم على إغاثة المحتاجين بما يزيد من مال أو طعام أو دواب للركوب .
وقد بادر رسول الله إلى تشجيع المسلمين على البذل والنفقة قبل أن يطلب الرجل الذي جاءهم المساعدة ولم يُلجِئه إلى السؤال حرصاً على حفظ كرامته ، ولكثرة حضه عليه الصلاة والسلام على البذل والعطاء رأى الصحابة -رضي الله عنهم- أنه ليس لهم حق فيما زاد عن حاجتهم مما يملكون إذا كان هناك من يحتاج إليه .
ويؤكد نبينا الأكرم على ضرورة إهتمام الأمير والحاكم برعيته وشعبه ومن هم تحت سلطانه ويتوجب عليه أن يتفقدهم ويعتني بمصالحهم ويقضي حاجاتهم ، قال – صلى الله عليه وسلم-: “ما مِن إِمامٍ يُغلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوي الحاجَةِ والخُلّةِ والمَسكَنةِ إلا أَغلَقَ اللهُ أَبوابَ السَّماءِ دُونَ خَلَّتهِ وحَاجَتِهِ ومَسكَنَتِه ” رواه الترمذي .
مقومات وصور التكافل الإجتماعي
1. التعاون على فعل الخير والبر في سائر المجالات ، قال الله تعالى : ” وَتعاونُوا على البِّرِ والتَّقوى”- سورة المائدة / الآية 2
2. التراحم والتعاطف والتآزر مع أفراد المجتمع ، قال عليه الصلاة والسلام : ” الرَّاحِمون يَرحمَهُمُ الرَّحمنُ إرحمَوُا أَهلَ الأَرضِ يَرحَمُكُم أَهلُ السماء ” -أخرجه أبو داوود .
3. إستخلاف الإنسان للمال وعليه إنفاقه وتنميته والتصرف به وفق أوامر الشرع الإسلامي قال الله سبحانه وتعالى : ” وأَنفِقوا ممَّا جَعلَكُم مُستخلفيِنَ فِيه ” – سورة الحديد / الآية 7
4. دفع الزكاة ، وهي عبادة مالية تعوِّد النفس على البذل والنفقة والعطاء وتحفظ حق الفقير والمسكين والمحتاج في مال الغني ولا يجوز للغني أن يَمُنَّ به على الفقير في جميع الأحوال ، قال تعالى : ” والذينَ في أَموالِهم حقٌ مَعلومٌ ، للسائِلِ والمَحرومِ ” سورة المعارج / الآيتين 24و25
5. أحكام تحقق التكافل الإجتماعي مثل: الصدقات والكفَّارات والديِّات والميراث والوقف والوصية ، قال الله عزوجل : ” الذين يُنفقونَ أَموالَهُم بالليلِ والنهارِ سِرّاً وعَلانِيَةً فَلَهُم أَجرُهُم عِندَ ربهم ولا خوفٌ عَليِهم ولا هُم يَحزنون ” -سورة البقرة / الآية 274
6. النفقة على الأقارب وصلة الأرحام كالأخت والإبنة والجدة والعمة والخالة وغيرهن ، قال صلى الله عليه وسلم : ” من سَرهُ أَن يبسُطَ لَهُ في رِزقِهِ أَو يَنسَأ لَهُ في أَثرِهِ فَليصِل رَحِمَه”-رواه البخاري ، وقال عليه الصلاة والسلام : ” الرَّحِمُ مُعَلَقَةٌ بالعَرشِ تَقولُ مَن وَصَلَنِي وَصَلَهُ الله ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ الله “- أخرجه مسلم .
7. وجوب دفع الأغنياء من فضول أموالهم زيادة على الزكاة ما يكفي لسد الحاجة في حالات الكوارث البيئية والمجاعات والحروب ، قال سبحانه وتعالى : ” خُذ مِن أَموالهِم صَدَقةً تُطَهِّرُهُم وتُزَكِّيهِم بِها ” سورة التوبة / الآية 103
آثار التكافل الإجتماعي
1. تعويد النفس على البذل والعطاء وتخليصها من الشح والبخل ، قال عليه الصلاة والسلام : ” ما مِن يومٍ يُصبِحُ العِبادُ فيهِ إِلا مَلَكانِ فَيَقُولُ أَحدُهُما اللهُمَّ أَعطِ مُنفِقاً خَلَفاً ويقُولُ الآخَرُ اللهُمَّ أَعطِ مُمسِكاً تَلَفاً ” -أخرجه البخاري .
2. بث روح المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع ، قال صلى الله عليه وسلم : ” كُونوا عِبادَ اللهِ إخواناً المسلِمُ أُخو المسلِمِ لا يَظلِمُهُ ولا يَخذِلهُ ولا يحقرُهُ بِحَسبِ إمرئٍ من الشَّرِّ أَن يحقِرَ أَخاهُ المسلِم ” -أخرجه مسلم .
3. القضاء على الحقد والحسد والكراهية في النفوس ، عن عقبة بن عامر قال لقيت رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال لي : ” يا عُقبة صِل مَن قَطَعَك وأَعطِ مَن حَرمَك واُعفُ عَمَّن ظَلَمَك “- أخرجه الإمام أحمد .
4. إنقاذ المجتمع الإسلامي من الفوارق الطبقية بين الفقراء والأغنياء وتوزيع الثروة حتى لا تتركز في يد فئة قليلة بينما يعاني الآخرون من الفقر والحرمان ، قال الله تعالى : ” كَي لا يَكُونَ دُولةً بَينَ الأغنياءِ مِنكُم ” -سورة الحشر / الآية 7
العائلات الحاضنة
يعتبر مشروع العائلات الحاضنة من النماذج المعاصرة للتكافل الإجتماعي الذي يقوم على أساس إحتضان أسرة معينة لأطفال عائلات أخرى تعاني من الفقر والبطالة أو تواجه ظروفا إجتماعية ونفسية صعبة وتكون غير قادرة على رعاية وتربية أبنائها وذلك خلال فترة زمنية تتراوح بين سنة وعشر سنوات بحيث يستمر الإتصال بين العائلة الحاضنة وذوي المكفولين كالأب والأم
وهنا يبرز التكافل برعاية الأطفال في جو عائلي سليم ويربون بعيداً عن مشكلات أسرهم ويتحسن مستواهم التعليمي والتربوي وتتطور قدراتهم وتنمو مواهبهم بدون أية تأثيرات سلبية في حياتهم ، ويرافق العائلة الحاضنة عدداً من المرشدين الإجتماعيين والأخصائيين النفسيين لتعزيزهم وتقديم التوجيهات والإستشارات اللازمة لهم .
نصائح إلى الأسر الحاضنة
1. يجب ترسيخ التربية الدينية والثقافة والعادات والتقاليد والقيم والأخلاق الحميدة لدى الأطفال المحضونين .
2. ضرورة المساوة في التعامل بين أبناء الأسرة الحاضنة والمكفولين ودمجهم مع أفراد العائلة الحاضنة دون تمييز أو محاباة .
3. العمل على إشغال أوقات فراغ المحضونين بما هو مفيد في كافة نواحي الحياة .
الخاتمة
يتضح مما سبق أن التكافل الإجتماعي من الأمور الأساسية التي أمرنا الله تعالى ورسوله بها وأنه لا يقتصر على تقديم المساعدات النقدية أو العينية للفقراء والمساكين بل يشمل التعاون على فعل الخير وتقوية أواصر المحبة والتعاطف بين أفراد المجتمع المسلم ونبذ الحسد والكراهية وتوفير الدعم الإجتماعي والنفسي لكل محتاج ، قال عليه الصلاة والسلام : ” مَن كانَ في حاجةِ أَخيهِ كانَ الله في حاجَتِه ومن فَرَّج عن مُسلمٍ كُربَةً فرَّج الله عنه كُربةً مِن كُرباتِ يوم القيامةِ ومَن سَتَرَ مُسلِماً سَتَرَهُ الله يَومَ القِيامَة ” -أخرجه البخاري .
اللهم فقهنا في الدين، وعلمنا التأويل، وارزقنا اليقين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.