حديث الجمعة الديني : “الخمار” و”الجلباب”
22 سبتمبر، 2016بادئ ذي بدء: لماذا تناولت هذا الموضوع في هذه الأيام؟ والجواب: لقد أثير هذا الموضوع للنقاش معي من قبل عدد من المتعلمين والمثقفين، ولمست أن كثيراً من الحقائق تغيب عنهم!! فأحببت التوضيح لهم ولغيرهم فأقول:
إن لفظ كل من “الخمار” و”الجلباب” قد وردا نصاً في القرآن الكريم، ويتعلق بالمرأة المسلمة.
1. قال الله سبحانه وتعالى: “.. وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ..” سورة النور الآية 31. والخمار خاص بالمرأة وهو ما تغطي به المرأة رأسها وجمعه (أخمرة)، و(خُمْر) “بتسكين حرف الميم”، (وخُمُر) “بضم حرف الميم”، وعليه فإنه يطلق على غطاء الرأس للمرأة: خمار. ويقابله لفظ (عمامة) للرجل.
2. يقول الله عزّوجل “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا” سورة الأحزاب-الآية 59. والجلباب خاص بالمرأة، ويراد به :الثوب الذي يستوعب الجسم باستثناء الوجه والكفين، ويكون الثوب فضفاضاً غير ضيق، ولا يجسم العورة، وأن يكون الثوب أيضاً صفيقاً (سميكاً) بحيث لا يشف ما تحته. والجمع: جلابيب.
الوجه والكفين
إن الشريعة الإسلامية تقرر بأن الوجه والكفين للمرأة ليسا بعورة، أي أنه يجوز الكشف عنهما، والله سبحانه وتعالى يقول:”… وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا …”سورة النور الآية 31. وجاءت السنة النبوية المطهرة موضحة وشارحة للقرآن الكريم بقوله عزّوجل: ” إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ”
1. لقد روت أم المؤمنين الصديقة عائشة -رضي الله عنها- أن أسماء بنت أبي بكر الصديق –رضي الله عنهما- دخلت على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وقال لها: “يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصح أن يرى منها إلا هذا وهذا. وأشار إلى وجهه وكفيه” أخرجه أبو داود في سننه.
2. وفي حديث نبوي شريف آخر: بأن الصحابي جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- قد شاهد امرأة سفعاء الخدين قد سألت الرسول –صلى الله عليه وسلم- في يوم عيد أموراً فقهية- أخرجه مسلم وأحمد والنسائي والدارمي والبيهقي وابن خزيمة من حديث مطول. و(سفعاء الخدين) أي في الخدين ضعف وسواد، والقصد من الاستدلال بهذا الحديث النبوي الشريف هو أن وجه المرأة ليس بعورة فلو كان الوجه عورة لما كشفت المرأة عنه. وهذا هو مذهب جمهور الصحابة ورأي أئمة كبار الحنابلة. لذا فإن النقاب (اخفاء الوجه) أمر مباح وعلى التخيير، وليس واجباً، ويلاحظ أن النقاب كان ذائعاً عند العرب قبل الإسلام وبخاصة في المدينة المنورة وفي بلاد اليمن، واستمر بعد الاسلام، مع الإشارة إلى أن (النقاب) بهذا اللفظ لم يرد به نص في القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة، ومع ذلك فقد قال به عدد من العلماء من خلال التأويل لشرح النصوص الشرعية وتحميلها أكثر مما تحتمل.
الحجاب خاص بأمهات المؤمنين
هناك أحكام خاصة تتعلق بأمهات المؤمنين (زوجات النبي –صلى الله عليه وسلم-) منها:
1. أنهن أمهات للمؤمنين أي أنهن محرمات على المسلمين فلا يجوز التزوج منهن بعد الطلاق منه أو بعد انتقال الرسول –صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى، والله تعالى يقول:” النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ “سورة الأحزاب- الآية 6. ويقول عزّوجل أيضاً:” وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ” سورة الأحزاب الآية 53.
2. إن الكلام مع أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- يكون من وراء حجاب (أي ستارة) لقوله سبحانه وتعالى: ” وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ” سورة الأحزاب الآية 53. وعليه لا علاقة للنساء المسلمات بأحكام الحجاب بهذا اللفظ.
ومن الخطأ الشائع هو الخلط بين ارتداء الجلباب، وبين الحجاب، فإن الجلباب يتعلق بالنساء بشكل عام، أما موضوع الحجاب بالمصطلح الشرعي فهو يتعلق بأمهات المؤمنين (أي بنساء الرسول محمد) –صلى الله عليه وسلم- فقط، أما ما تعارف عليه الناس فإنهم يعدون المرأة التي تضع الخمار وترتدي الجلباب بأنها قد تحجبت.
كشف النساء للرأس أو للجسم
لقد حذّر رسول الله محمد –صلى الله عليه وسلم- من صنفين في المجتمع هما من أهل النار رغم أنه لم يرهما في عهده، وإنما سيحدثان في المستقبل، وقد حصل ذلك فعلاً فيقول :”صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات، مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وان ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا” رواه مسلم وأحمد والبيهقي والطبراني عن الصحابي الجليل أبي هريرة –رضي الله عنه- وللحديث الشريف عدة روايات مع اختلاف بسيط في الألفاظ والمعنى واحد.
ومعنى: (صنفان) أي نوعان، فريقان، شريحتان في المجتمع. (لم أرهما) أي لم يكونا في زمان الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأنهما سيحدثان فيما بعد. (سياط) جمع سوط وهو ما يضرب به من الجلد.. ويكون أشد ألماً من الضرب بالعصا. سواء كان السوط مضفوراً أو غير مضفور. ويجمع السوط على أسواط أيضاً. (كاسيات عاريات) المراد أن النساء كاسيات في الصورة عاريات في الحقيقة؛ لأنهن يلبسن ملابس شفافة ورقيقة وقصيرة لا تستر الجسم ولا تخفي العورة. (مائلات) أي يتصنعن في مشيتهن بقصد الفتنة والاثارة والاغراء ، وبقصد لفت النظر اليهن. (مميلات) أي يقصدن استمالة قلوب الرجال واثارتهم. (كأسنمة البخت المائلة) الأسنمة جمع سنام وهو الشيء المرتفع. والبخت: الإبل ذات الأعناق الطويلة (المائلة) المتحركة والمراد هنا: النساء حين يصففن شعورهن فوق رؤوسهن حتى تصبح مثل سنام الجمل. و(كذا وكذا) كناية عن بعد المسافة.
المعنى العام للحديث الشريف
يُعد هذا الحديث النبوي الشريف من دلائل النبوة حيث يخبرنا (عليه الصلاة والسلام) بأن سيظهر صنفان من أمتي في المجتمع هما من أهل النار، ولم يرهما: أي لم يظهرا في عهده، وانما سيقعان في المستقبل، وقد حصل ذلك فعلاً ، وهذان الصنفان هما:
1. الحكام الظالمون الذين يعتدون على الناس بالضرب والإهانة والتعذيب والتنكيل، وقد ورد في هذا الحديث النبوي الشريف لفظ (السياط) التي تشبه أذناب البقر يضربون بها الناس، وذلك كنموذج من أساليب التعذيب!! فهؤلاء الحكام المستبدون لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها، فهم من أهل النار.
2. النساء المتبرجات: الصنف الثاني من أهل النار هو : النساء المتبرجات اللواتي يلبسن ملابس شفافة رقيقة وقصيرة تظهر عوراتهن من خلال هذه الملابس فهن كاسيات من الناحية الشكلية عاريات في الحقيقة. وزيادة على ذلك فإن النساء يتصنعن في مشيتهن وحركاتهن بقصد فتنة الرجال والتأثير عليهم واستمالة قلوبهم، وإنهن يصففن شعورهن كأسنمة البخت المتحركة. لذا فإنهن بهذا التصرف غير الأخلاقي لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها من مسافات بعيدة. وإن وجه الاستدلال بهذا الحديث النبوي الشريف لبيان حرمة كشف الرأس أو الجسد بالنسبة للنساء.
الخاتمة
إن ديننا الإسلامي العظيم حريص على المرأة وعلى عفتها واحترامها وحشمتها وعدم تبرجها، ونرفض ما يقوم به الغرب من اعتبار جسد المرأة سلعة تجارية وإعلامية وإعلانية، كما نرفض ما هو شائع لدى الغرب باتخاذ خليلات للرجال.
هذا وقد عدّ ديننا الإسلامي العظيم المرأة بأنها شقيقة الرجل في الحقوق والواجبات وأن الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة حافلة بذلك، مع الإشارة إلى أن ارتداء المرأة للخمار والجلباب لا يعيقها من عملها وعن اداء واجباتها، والمعلوم أن الصحابيات –رضي الله عنهن- قد خضن الحياة العملية بما في ذلك الاحداث السياسية وحمل الدعوة الإسلامية والمشاركة في المعارك وفي ميادين الجهاد وغيرها ونحن إذ نستبشر خيراً في انتشار الخمار والجلباب لدى الفتيات المسلمات في مجتمعاتنا في هذه الأيام.
اللهمّ فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وأرزقنا اليقين
” والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ” سورة الأحزاب- الآية4
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.