عِكرمة صبري

التمهيد
تعريفات: يحسن أن نعرف بعض الالفاظ والتعابير التي ترد في هذا البحث، وهي:
1- التذكية: هي الذبح بالطريقة الشرعية.
2- الذبيحة: ختمت بالهاء لغلبة الاسم عليها على وزن (فعيلة) بمعنى مفعولة أي (مذبوحة)، والذبيحة هي كل ما يذبح من المواشي والدواجن والطيور، وجمعها ذبائح
3- الودجان: عرقان في صفحتي العنق، وهما مجرى الدم ، ويتصل بهما أكثر عروق الجسم، كما يتصلان بالدماغ مباشرة فهما من المقاتل.
4- الحلقوم: هو مجرى الطعام والشراب ومرتبط بالمعدة.
5- المريء: هو مجرى الطعام والشراب ومرتبط بالمعدة.
6- النخاع: بضم أوله أو بالفتح أو بالكسر ويعرف بالنخاع الشوكي أو الحبل الشوكي وهو الخيط الأبيض (عرق أبيض) داخل عظم الرقبة ويتصل بالدماغ مباشرة، ويقال ذبحه فنخعه أي جاوز منتهى الذبح حتى النخاع، ونخعت الشاة نخعاً، أي جاوزتُ بالسكين منتهى الذبح إلى النخاع.
7- فَرَس: بتحريك الفاء والراء بالفتح بمعنى كسر (من باب ضرب) ، وفرس الذابح ذبيحة: كسر عنقها قبل موتها، وقد نهي عنه
“الذكاة” حسب الشريعة الإسلامية
الأصل في الذبح الشرعي أن تتم “الذكاة” لأي ذبيحة تذبح لقول الله سبحانه وتعالى: “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ” -سورة المائدة الآية 3. فإن موضع الشاهد في هذه الآية الكريمة هو “إلا ما ذكيتم” ومعنى “ذكيتم” ذبحتم بالطريقة الإسلامية، مع الإشارة إلى أن التذكية معناها اللغوي هو التطييب، وأن الذكاة للذبيحة هو تطهيرها. وتتمثل الذكاة بقطع الحلقوم والمريء والودجين ، والتي يطلق عليها “الأوداج الأربعة” وذلك لنهر الدم “أي لفقد الدم من الذبيحة” للحديث النبوي الشريف: “كل ما أفرى الأوداج سناً أو ظفراً “- مجمع الزوائد للهيثمي، وعزاه للطبراني في الكبير، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن الصحابي الجليل رافع بن خديج رضي الله عنه.. ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث نبوي شريف آخر: “وما أنهر الدم وذكر بسم الله عليه ليس السن والظفر: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة”- أخرجه البخاري وأحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن الصحابي الجليل رافع بن خديج -رضي الله عنه-. ولا بد من ذكر اسم الله عليه لقوله تعالى: ” وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ “- سورة الأنعام الآية 121.

قطع الأوداج
أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية الغراء على أن الذبيحة يكتمل ذبحها بقطع الأوداج الأربعة وهي: الحلقوم والمريء والودجان، فقد روى الصحابي الجليل رافع بن خديج –رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله –صلى الله علسه وسلم- عن الذبح بالليطة فقال: “كل ما أفرى الأوداج إلا سناً أو ظفراً”- رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن الصحابي الجليل رافع بن خديج –رضي الله عنه- (نصب الراية ص: 186). وذكره الهيثمي في كتابه (مجمع الزوائد) ج4 ص:34. وعزاه للطبراني في الكبير. والليطة هي قشرة القصب والجمع ليط بوزن ليف- مختار الصحاح ص:611. وروى الإمام مالك في كتابه “الموطأ” عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما- قوله (ما فرى الأوداج فكلوه)- الموطأ ج2 ص: 489 رقم 1043.. وأن كتب الفقه جميعها نصت على ذلك.

ولكن السؤال: ما الحد الأدنى للذبح، وما الذي يجزئ في الذبح؟
الجواب: لقد اختلفت المذاهب الفقهية على النحو الآتي:
1- الحنفية: يجزئ من الذبح قطع ثلاثة من أربعة، على اعتبار أن الثلاثة تمثل الأكثرية وهذا هو الرأي المفتى به، أي أن الأكثر يقوم مقام الكل.
2- المالكية: يشترطون قطع الودجين والحلقوم كحد أدنى حتى يصبح الذبح مشروعاً- أي أنهم لا يشترطون المرئ في القطع.
3- الشافعية:يشترطون قطع المريء والبلعوم فقط أما قطع الودجان فهما للاستحباب.
4- الحنابلة: هناك روايتان- أ. يشترطون قطع المريء البلعوم، أما قطع الودجين فهما للاستحباب، وهذا الرأي مطابق لرأي الشافعية ب. يشترطون قطع الأوداج الأربعة، وإن نقص شيء من الأربعة لم يجزيء ولم تحل الذبيحة

الذبح من العنق أم من الرقبة
لا خلاف بين الفقهاء بل أجمعوا على أن الذبح يكون من العنق لقطع الحلقوم والمريء والودجين، لكن السؤال: لو أن الذبح كان من الرقبة أي من الخلف فهل الذبح جائز شرعاً؟
الجواب: لقد اختلف الفقهاء على الحل أو الحرمة على رأيين هما:
1- الرأي الأول: هو رأي الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة) أن الذبيحة تحل إذا كان الذبح من جهة الرقبة شريطة أن يذبح موضع الذبح وهما الودجان والحلقوم والمريء قبل أن تهلك الذبيحة وأن يكون فيها حياة مستقرة ويعتبر ذلك بالحركة القوية، وإلا لا تحل. وللحنابلة رواية أخرى فيما إذا كان الذبح من قبيل الخطأ كأن تلتوي الذبيحة على الذابح فتأتي السكين على القفا فلا بأس بأكل الذبيحة شريطة أن تأتي السكين على موضع الذبيحة أما إذا كان الذبح من الرقبة تعمداً واختياراً فإن الذبيحة لا تؤكل وأطلق عليها إبراهيم النخعي ب (القفينة) نسبة إلى القفا.
2- الرأي الآخر هو رأي المالكية فإنهم يرون أنها لا تحل مطلقاً حتى ولو ألحقت الذبيحة بقطع الودجين والحلقوم، وحجتهم في ذلك أن القفا هو مقتل من المقاتل النافذة إلى الموت بشكل مباشر، وهو ما يعرف بالنخاع (الحبل الشوكي).
وأرى أن رأي المالكية أوجه وأسلم لأننا لا نستطيع التحكم حين الذبح من القفا أهلكت الذبيحة أو بقيت فيها حياة مستقرة قبل قطع الأوداج.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل وارزقنا اليقين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.