عِكرمة صبري

صفات اسماعيل “عليه السلام ”
لقد اتصف اسماعيل -عليه السلام – بمجموعة من الصفات الحميدة الرفيعة بالاضافة الى كونه نبياً ورسولاً، ومن هذه الصفات:
1-لقب بالذبيح: رمز التضحية والفداء والطاعة والولاء.
2-اتصف بالصدق وحفظ الوعد والعهد لقوله سبحانه وتعالى ” وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ” سورة مريم الاية 54 .
3-اتصف بالحلم لقوله عزوجل “فبشرناه بغلام حليم” سورة الصافات الاية 101، اي ان الله سبحانه وتعالى بشر ابراهيم عليه السلام بغلام حليم وهو اسماعيل.
4-اتصف بالصبر لقول الله رب العالمين ” وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ” سورة الانبياء الاية 85 ، ويمكن الربط بين وصف الله لاسماعيل بالصبر في هذه الاية وبين قوله عزوجل في سورة الصافات على لسان اسماعيل “ستجدني ان شاء الله من الصابرين ” الاية 102، فكان التطبيق العملي لصفة الصبر في حادثة الذبح والاختبار.

اسحق والروايات الاسرائيلية
تزعم الروايات الاسرائيلية بأن اسحق عليه السلام هو الذبيح وليس اسماعيل، ويمكن تفنيد هذه الروايات بما يأتي:
1-لا يوجد اي دليل توثيقي يشير الى ان ابراهيم واسحق عليهما السلام قد سكنا مدينة القدس.
2-ان ابراهيم عليه السلام قد امتحن واختبر من الله بشأن ولده الوحيد البكر. والمعلوم بداهة ان الابن الوحيد هو اسماعيل، لان حادثة الذبح وقعت قبل مجيء اسحق والمعلوم ايضاً ان اسماعيل اكبر سناً من اسحق، فكان عمر ابراهيم عليه السلام ستاً وثمانين سنة حينما ولد له اسماعيل، وحينما جاء اسحق كان عمر ابراهيم مائة سنة، هذا وقد ورد في التوراة ما يؤكد هذه المعلومة حيث قال سبحانه وتعالى لابراهيم “خذ ابنك وحيدك الذي تجد .”
3-ان الموقع الذي حصلت فيه الحادثة كان جدباً “بواد غير ذي زرع ” سورة ابراهيم الاية 37 ، وهو وصف لمنطقة مكة وقتئذ، ولم يسبق ان وصفت مدينة القدس بهذا الوصف، فمدينة القدس هي مدينة التين والزيتون.
4-ان الله سبحانه وتعالى قد ذكر اسماعيل واسحق عليهما السلام معاً في خمسة مواضع في القرآن الكريم “ثلاث مرات في سورة البقرة، ومرة واحدة في سورة آل عمران ومرة واحدة في سورة النساء ” ويلاحظ ان ذكر اسماعيل مقدم على ذكر اسحق في جميع هذه المواضع، وهذه اشارة الى ان اسماعيل اكبر من اسحق.

5-ان الله سبحانه وتعالى قد بشر (سارة ) بمجيء اسحق قبل ولادتها وبشر بأن اسحق سيأتيه يعقوب بقوله عزوجل ” فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ” سورة هود الاية 71 ، فهذه الاية الكريمة قد نزلت قبل ولادة اسحق، فلو كان اسحق هو الذبيح من اين سيأتي يعقوب؟
6-بعد استعراض الايات الكريمة المتعلقة بحادثة الذبح في سورة الصافات نجد ان الله عزوجل قد بشر بمجيء اسحق، بقوله سبحانه وتعالى ” وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ” سورة الصافات الاية 112. فهذه الاية الكريمة قد جاءت بعد الانتهاء من ذكر حادثة الذبيح ، فلو كان الذبيح هو اسحق لما وردت هذه الاية الكريمة والتي فيها بشارة.
7 – بمجيء اسحق، وهذا يؤكد على ان ان الذبيح هو اسماعيل وليس اسحق. – ان الروايات التي تشير الى ان الذبيح هو اسحق: هي روايات موضوعة او ضعيفة لا تقوم بحجة كما ذكر اهل الحديث الشريف، وان بعض العلماء قد استندوا الى روايات اسرائيلية دون تحقيق ولا تمحيص، او ذكروها للنقاش وللبحث العلمي.
8 – ان الصفات الحميدة التي اتصف بها اسماعيل عليه السلام لها علاقة وثيقة بالذبح والتضحية والفداء، في حين ان الصفات الحميدة التي اتصف بها اسحق عليه السلام لا علاقة لها بموضوع الذبح.
9 – لا يجوز الاعتماد على الروايات الاسرائيلية على اعتبار انها موثوقة او مسلم بها، لان الاصل لدى المسلمين هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وان كل رواية تصطدم او تعارض نصاً من اي منهما فانها ترد ولا يؤخذ بها ولا يلتفت اليها. دروس مستفادة هناك دروس وعبر وعظات كثيرة مستفادة من قصة الذبح والفداء، نبرز اهمها، وهي:

1 – ان الرؤى بحق الانبياء والمرسلين هي صدق وحق، وهي صورة من صور الوحي والتبليغ.
2 – ان تنفيذ الانبياء والمرسلين لاوامر الله عز وجل يكون دون تردد ولا تباطؤ، وانما هو التسليم لاوامر الله وقضائه.
3 – ان طاعة الابن للاب من اوجب الواجبات وتأتي في المرتبة الاولى بعد عبادة الله رب العالمين،وان عدم الطاعة للوالدين يُعد عقوقاً، والمعلوم ان العقوق من الكبائر ويأتي في الاثم بعد الاشراك بالله سبحانه وتعالى.
4 – لقد تجلت روح التضحية في قصة الذبح من الاب والابن معاً، فالاب يقدم ابنه الوحيد فلذة كبده قرباناً لله عزوجل، وان الابن يقدم حياته استجابة لأمر الله وطاعة لوالده.
5 – لقد نجح كل من الاب والابن في الامتحان الصعب الحرج الذي وقعا فيه.
6 – اذا ما صبر المؤمن واحتسب حين وقوع البلاء والاختبار فان الله معه ويدافع عنه ولا يصيبه ولا يتخلى عنه، وانما يهيء له الفرج القريب، ويمنحه الجزاء الكبير والثواب العظيم.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.