حديث الجمعة الديني : “الطير الأبابيل”
15 سبتمبر، 2016قال الله عزّ وجل: ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ . أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ .وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ . تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ . فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ” سورة الفيل الآيات 1-5.
المقدمة
حادثة شهيرة جداً، تناولتها كتب التفسير والسيرة والتاريخ بالتفصيل، وقعت قبل الإسلام، وذلك عام 570م، وهو العام الذي ولد فيه سيد الأنام محمد رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وهذه الحادثة الخطيرة يعرفها العرب بحادثة الفيل، وقد خلدها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بشكل موجز في سورة من سوره وهي سورة “الفيل”، وهي مكية، وذلك للعظة والعبرة.
ملخص الحادثة
سبق أن وقعت بلاد اليمن تحت سيطرة الحبشة في فترة من الفترات قبل الإسلام، وبنى الأحباش في مدينة صنعاء كنيسة ضخمة بهدف استقطاب العرب للديانة المسيحية، ولصرفهم عن البيت الحرام في مكة، وكان هذا الهدف واضحاً من خلال الكتاب الذي وجهه أبرهة الأشرم الحبشي –ملك اليمن- إلى رئيسه النجاشي ملك الحبشة، وقال في الكتاب” إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنتهِ حتى أصرف إليها حج العرب” فلما علم العرب بمضمون هذا الكتاب غضبوا غضباً شديداً فجاء رجل من بني كنانة وعاث في الكنيسة خراباً ولطّخ جدرانها بالأقذار والأوساخ احتقاراً لها. فحلف أبرهة الحبشي؛ نتيجة لهذا الاعتداء على الكنيسة- ليهدمنّ الكعبة فجهّز جيشاً كبيراً تتقدمه الفيلة متوجهاً إلى مكة، فتنادت القبائل العربية من مختلف أنحاء الجزيرة العربية للوقوف في وجه أبرهة وجيشه، وللدفاع عن البيت الحرام. فالعرب معتزون وفخورون أنهم أبناء إبراهيم واسماعيل (عليهما السلام) واللذين أعادا بناء البيت الحرام ” وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ “سورة البقرة آية 127، إلا أن القبائل العربية لم تتمكن من صد جيش أبرهة القوي حتى وصل الجيش مشارف مكة، وقد دلهم على الطريق ما بين الطائف ومكة شخص يدعى أبو رغال –بضم حرف الراء- الذي أصبح هذا الشخص عنواناً للخيانة والشر. وبعد ذلك قابل عبد المطلب بن هاشم سيدُ مكة أبرهة الحبشي، وطلب منه إعادة مائتي من الإبل التي تخصه والتي صادرها جيش أبرهة. ولم يتحدث عبد المطلب مع أبرهة بشأن موضوع هدم الكعبة !! فاستهجن أبرهة من هذا الموضوع بشأن الإبل فقال لعبد المطلب: “أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟! فأجابه عبد المطلب: إني أنا ربّ الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعه. ثم انصرف عبد المطلب إلى قريش وأخبرهم الخبر، ثم توجهوا إلى الكعبة يدعون الله ويستنصرونه لأنهم لا يستطيعون ردّ العدوان. وروي أن عبد المطلب أنشد أثناء دعائه أبياتاً من الشعر:
يا رب لا أرجو لهم سواكا يا ربّ فامنع منهم حماكا.
إن عدو البيـــت من عاداكا إنهم لن يقــــــــــــــــــــهروا قواكـــــا.
ثم طلب عبد المطلب من أهل مكة الخروج منها إلى الجبال ليروا ماذا سيحصل في الكعبة. وحينما أعد أبرهة جيشه لدخول مكة برك الفيل الذي في مقدمة الجيش وامتنع عن دخول مكة. ثم أرسل الله العلي القدير الطيور جماعات جماعات تقذف الجنود بحجارة من سجيل حتى هلك معظمهم، وعاد من نجا منهم إلى بلادهم خاسئين مصابين بالعاهات والأمراض، حيث تدخلت العناية الإلهية وتحققت المعجزات الربانية بافشال حملة أبرهة وإلحاق الهزيمة المنكرة بجيشه ، وذلك حماية للبيت العتيق ، والحمد لله رب العالمين.
العظات والعبر
يمكن من هذه الحادثة الشهيرة والخطيرة استخلاص عظات وعبر كثيرة، أشير في هذا المقام إلى أبرزها:
1- لم يرد الله عزّوجل أن يوكل حماية البيت العتيق إلى العرب المشركين، رغم أنهم كانوا يعتزون بهذا البيت ويحتمون به، وذلك حتى لا يكون لهم السابقة في حمايته بحميتهم الجاهلية، فلو تمكن المشركون من صد عدوان أبرهة لوضعوا أيديهم على البيت واعتبروا أنفسهم حماته والأوصياء الدائمين عليه.
2- إظهار قدرة الله عزّوجل الواحد الأحد في حماية البيت لوحده لا شريك له، وذلك لتهيئة المشركين للايمان بالله الواحد الأحد الذي حماهم من غزو أبرهة، وأن لا يشركوا به أحداً سبحانه وتعالى، وحتى يؤمنوا بنبوة محمد –صلى الله عليه وسلم- مستقبلاً الذي يدعو إلى الله عزّوجل وإلى الفضائل والأخلاق
3- لم يمكّن الله سبحانه وتعالى لأبرهة تحطيم البيت الحرام ومن السيطرة على مكة وذلك ليبقى البيت العتيق محرراً من تسلط المتسلطين ومصوناً من كيد الكائدين ومن اعتداء المعتدين والمحتلين… وليحفظ لهذه الأرض حريتها حتى تنبت العقيدة الجديدة والدعوة الإسلامية.
4- لم يكن للعرب كيان معتبر قبل الإسلام، كما لم يكن لهم دور يذكر في العالم. فعلى سبيل المثال : كانت اليمن تحت سيطرة الحبشة أحياناً، وأحياناً أخرى تحت سيطرة الفرس، وكانت المناذرة تابعة للفرس، والغساسنة كانت تابعة للروم. وأما وسط الجزيرة العربية فكانت العرب عبارة عن قبائل بدوية متناحرة متخاصمة. ولما جاء الإسلام أصبح للعرب كيان معتبر وأصبح لهم دور عالمي وأصبح لهم قوة دولية يحسب لها حساب.
الخاتمة
بهذا الدين العظيم أصبح للعرب وجود وأصبح لهم حضارة وقيادة ورسالة . وفي حالة تخليهم عن هذا الدين العظيم واستعانتهم بغير الله لم تعد لهم في الأرض وظيفة ولم يعد لهم في التاريخ دور، وأنهم يصبحون متفرقين تبعيين لغيرهم ولا يؤبه بهم، رغم أن عدد العرب والمسلمين ازداد في هذه الأيام عن مليار ونصف شخص!!
وعلى العرب والمسلمين أن يتذكروا باستمرار: إذا هم أرادوا الحياة، وأرادوا القوة، وأرادوا القيادة والريادة، وأرادوا الوحدة، وأرادوا الكرامة فعليهم الالتزام بالكتاب والسنة.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب آية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.