حديث الجمعة الديني : بطانتان
22 سبتمبر، 2016قال رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-.:”ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحض عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحض عليه فالمعصوم من عصم الله تعالى” رواه البخاري واحمد والنسائي والبيهقي عن الصحابي الجليل ابي سعيد الخدري رضي الله عنه.
معاني مفردات الحديث الشريف
(بعث) ارسل (استخلف) جعله الله حاكما يخلف من قبله في تدبير شؤون الدولة. (البطانة) الحاشية أو الأعوان أو المساعدون أو الأصحاب. والبطانة اسم جنس يشمل الواحد والجمع.
(المعروف) وفي رواية (الخير) والمعنى واحد.
(المعصوم) المحفوظ من الزلل والخطأ في حق الأمة.
(من عصم الله) وفي رواية (من عصمه الله) أي حفظه وحماه من تصرفات الجلساء المنحرفين والمنافقين والفاسقين الذين يوقعونه في الأخطاء والمعاصي والآثام.
الشرح العام للحديث الشريف
يعالج رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-. في هذا الحديث النبوي الشريف موضوعا مهماً وحساساً وله أهمية في تاريخ الدول والأمم والشعوب وطالما كان له الأثر في تغيير دفة الحكم وشكل السلطة والدولة هذا الموضوع هو (بطانة الخير وبطانة الشر) فيوضح (عليه الصلاة والسلام) بأن البطانة التي تحيط بالنبي أو بالخليفة أو بأي مسؤول عبارة عن نوعين:
1. بطانة الخير: هي التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتخلص في إسداء النصح والمحاسبة للمسؤولين، وترعى مصالح وشؤون الأمة بما أمر الله عز وجل. وتشمل هذه البطانة: العلماء العاملين والدعاة الصادقين والمستشارين المؤتمنين فيقول عليه الصلاة والسلام “إن المستشار مؤتمن” رواه الترمذي عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه.
2. بطانة الشر: هي التي تأمر بالمنكر وتزين له وتحسن صورته وتنهى عن المعروف وتشوه صورته وتحارب أتباعه، ولا تخلص في إظهار الخير والحقيقة للحاكم. وتضم هذه البطانة في غالب الأحيان، المنتفعين والمتسلقين والانتهازيين والمنافقين والفاسقين ومن هم على شاكلتهم من المنبطحين والطفيليين واعتاد بعض الناس في كل زمان ومكان أن يتزلفوا من صاحب الجاه والسلطان وأن ينافقوا له، وذلك لتحقيق مآرب دنيوية ومصالح شخصية على حساب المصالح العامة وعلى حساب البلاد والعباد.
كيف تحقق مصلحة الأمة؟
لقد حرص الإسلام على مصلحة الأمة فأوجب على الحاكم أن يتخذ له بطانة من الأخيار ومن ذوي الاختصاص ومن الأكفياء والخبراء ليأمروا بالمعروف ولينهوه عن المنكر، وليوصلوا له مطالب الناس وصيحات المظلومين واستغاثة المقهورين، وليسدوا له النصيحة، وذلك عملاً بالحديث النبوي الشريف “الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم” رواه مسلم عن الصحابي الجليل تميم بن اوس الداري رضي الله عنه. كما ينبغي على الحاكم أن يصغي إلى النصيحة ويتوجب عليه أن يلتزم بمبدأ الشورى لقوله عز وجل “وشاورهم في الأمر” سورة آل عمران الآية 159 ولقوله سبحانه وتعالى في آية أخرى “وأمرهم شورى بينهم” سورة الشورى الآية 39. وقد ورد على لسان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه القول المأثور (لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها) أي لا خير في المواطنين ان لم يقولوا كلمة الحق، ولا خير في الحكام ان لم يسمعوها.
حماية الله للنبي -صلى الله عليه وسلم-. وللحكام
يشير الرسول في هذا الحديث النبوي الشريف إلى “العصمة” وكما هو معلوم ان العصمة واجبة بحقه لأنه موحى إليه من الله رب العالمين، أي أنه معصوم عن الأخطاء.
وانه (عليه الصلاة والسلام) معصوم أيضاً من الناس أي أن الله عز وجل يحميه ويصونه من اعتداء الناس عليه فيقول سبحانه وتعالى “والله يعصمك من الناس” سورة المائدة الآية 67، كما أن العصمة واجبة بحق الأنبياء والمرسلين جميعهم أي أنهم معصومون عن الأخطاء، أما بالنسبة لغير الأنبياء فإن الحاكم معرض للخطأ كأي إنسان، ولكن يمكنه أن يحفظ نفسه من الزلل والخطأ والخطيئة بحق مصالح الأمة وذلك إذا التزم بأحكام القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة واستعان بالعلماء العاملين المخلصين واستشارهم وأصغى إلى نصائحهم واستمع إلى عامة الناس وكان على اتصال مباشر معهم، لا أن يجلس في برج عاجي ولا أن يضرب حوله ستاراً حديدياً. حينئذ فإن الله رب العالمين يحفظه ويحميه من الأخطاء بحق الأمة، فالمعصوم من عصمة الله رب العالمين رب السماوات والارضين.
البطانة العامة
لقد نص الحديث النبوي الشريف على بطانة النبي وبطانة الخليفة، وليس هذا التنصيص بقصد الحصر والتحديد، وإنما هو على سبيل المثال، فالحديث النبوي الشريف ينطبق على بطانة كل مسؤول وكل راع في الأمة سواء صغرت هذه المسؤولية أو كبرت.
فالبطانة مدلولها عام شامل، وليست متخصصة ولا منحصرة لقول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” رواه البخاري وأحمد والترمذي عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فينبغي على كل مسؤول مراعاة البطانة الصالحة في كل أمر فيه رعاية، بدءاً من الزوجة والأسرة وانتهاء بالدولة والمجتمع.
الخاتمة
لقد وضع الإسلام القاعدة العامة لحماية الحاكم من بطانة الشر والسوء، وليدرك عظم المسؤولية وخطورتها، وان أي خطأ يصدر عن الحاكم لا ينحصر به وحده، بل يصيب الأمة جميعها وينبغي عليه أن يأخذ من الشورى قاعدة لتصرفاته وقراراته وان يقرب إليه ذوي الاختصاص والأمناء والمخلصين والحريصين على مصالح الأمة ليحميه الله عز وجل ويحفظه ويسدد خطاه ويعصمه من الأخطاء.
اللهمّ فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وأرزقنا اليقين
” والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ” سورة الأحزاب- الآية4
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.