عِكرمة صبري

سميت صلاة (التراويح ) بهذا الاسم لأن الذي يصليها يستريح بالجلوس عقب كل أربع ركعات، وتعد هذه الصلاة من قيام الليل، وحكمها: انها سنة مؤكدة للرجال والنساء على رأي جمهور الفقهاء ويسنّ اداؤها جماعة، وهذا يعني انه يجوز شرعا ان تؤدى فرادى، كما يجوز شرعا ان تؤدى في البيت كما تؤدى في المسجد.
مشروعية التراويح
ثبتت مشروعية التراويح من خلال فعل رسولنا الاكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-، والمعلوم بداهة ان السنة العملية اقوى في المرتبة من السنة القولية ومن السنة التقريرية.
1- روت ام المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق- رضي الله عنهما-: ان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خرج من جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع اكثر منهم فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الليلة الثانية فصلوا بصلاته فأصبح الناس يذكرون ذلك فأكثر اهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن اهله، فلم يخرج اليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة، فلم يخرج اليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر اقبل على الناس ثم تشهد فقال: اما بعد فانه لم يخف علي شأنكم الليلة، ولكني خشيت ان تفرض عليكم صلاة الليل فتجزعوا عنها، وذلك في رمضان – اخرجه البخاري ومسلم، ومعنى (صلى رجال بصلاته ) اي صلوا خلفه واقتدوا به، ومعنى (عجز المسجد عن اهله )- اي اكتظ وامتلأ بالمصلين ومعنى (طفق ) بدأ . خشيت ان تفرض عليكم – اي ان صلاة التراويح ليست فرضا،
2- وفي حديث نبوي شريف آخر :” فعليكم بالصلاة في بيوتكم فان خير صلاة المرء في بيته الا الصلاة المكتوبة” – أخرجه البخاري ومسلم عن الصحابي الجليل زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، ويفهم من هذا الحديث النبوي الشريف بأن الصلاة النافلة والتراويح وقيام الليل والتهجد تؤدى في البيوت كما تؤدى في المساجد، وانها في البيوت افضل اما الصلاة المكتوبة فهي في المساجد افضل،
3- وفي حديث نبوي شريف ثالث عن الصحابي الجليل النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: قمنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان، ليلة ثلاث وعشرين الى ثلث الليل الاول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين الى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا ان لا ندرك الفلاح، وكانوا يسمونه السحور – اخرجه النسائي واسناده صحيح.
وبالاستدلال بهذه الاحاديث النبوية الشريفة فان جمهور الفقهاء يرون بأن صلاة التراويح سنة مؤكدة، وهناك رأي فقهي آخر بأنها سنة نافلة غير مؤكدة اما القراءة فيها فهي جهرية.
عدد ركعات التراويح
1- كان عدد ركعات التراويح في بداية التشريع، ثماني ركعات استناداً للحديث النبوي الشريف الذي رواه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما: انه -صلى الله عليه وسلم -صلى بهم ثماني ركعات والوتر -. رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، وعن ام المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق -رضي الله عنهما- ان النبي- صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على احدى عشرة ركعة: يصلي اربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي اربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً – اخرجه البخاري. وقولها (يصلي أربعاً )- لا ينفي انه -عليه الصلاة والسلام- كان يسلم بعد كل ركعتين لقوله -صلى الله عليه وسلم – في هذا المجال : صلاة الليل مثنى مثنى -. متفق عليه عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- . وانما ذكرت (يصلي أربعاً ) لان هناك استراحة بعد الاربع ركعات. وقولها (يصلي ثلاثا ) اي يصلي ركعتين شفعاً ويسلم، ويوتر بركعة واحدة. هذا وقد كان الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- يكملون ما شاء لهم ان يصلوا في بيوتهم، حيث كان يسمع لهم ازيز كأزيز النحل، والقراءة فيها جهرية.
2- ذهب فريق من الفقهاء الى ان عدد ركعات التراويح عشرون ركعة لان امير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- صلاها عشرين ركعة، وألزم الناس على جماعة واحدة، ولم يخالف ولم يعترض احد من الصحابة في ذلك. وكذلك الامر في خلافة عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب -رضي الله عنهما-، وقد وثق هذا الرأي الامام البخاري في صحيحه وكما وثقه الامام مالك في كتابه (الموطأ ) من عدة طرق. وهذا رأي جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة. اما المالكية فإنهم يقولون بأن عدد ركعات التراويح ست وثلاثون ركعة. وعليه يمكن للمسلم ان يصلي التراويح ثماني ركعات جماعة في المسجد ثم يكملها الى العشرين ركعة في بيته، او يكتفي بالثماني ركعات ثم يوتر او يصلي العشرين ركعة جماعة في المسجد فالمسلم امامه مساحة واسعة من الاختيار بلا حرج ولا مشقة. فالتراويح من الصلوات التطوعية النافلة فالمسلم له الخيار في ذلك ما دام الموضوع لم يخرج من دائرة التنقل والتطوع في العبادات، ولا يجوز ان يكون الاختلاف في الآراء وفي الروايات مبعثاً ومبرراً للمشادات والخلافات والضجيجات بين الناس في المساجد. وصدق رسولنا الاكرم محمد- صلى الله عليه وسلم -بقوله “…فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ… ” -اخرجه ابو داود واحمد والترمذي والحاكم والبيهقي والطبراني باسناد صحيح عن الصحابي الجليل ابي نجيح العرباص بن سارية السلمي -رضي الله عنه-.
وأرى ان يؤدي امام المسجد عشرين ركعة في التراويح، اما المقتدي فله الخيار في ان يصلي عشرين ركعة، او ان يصلي ثماني ركعات ثم ينسحب بهدوء دون ضجيج ودون اعتراض ومخرج آخر ان يعلن امام المسجد للمصلين بأنه ينوي ختم القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك من خلال ثماني ركعات تراويح بحيث يقرأ فيه كل ليلة جزءاً واحداً من القرآن الكريم، ويمكن للمسلم ان يصلي في بيته ما يشاء من الركعات بعد مغادرته المسجد.

وقتها
وقت التراويح هو وقت العشاء اي بعد غروب الشفق الاحمر الى آخر الليل، ولكن تؤدى بعد اداء صلاة العشاء وقبل صلاة الوتر، ويمكن لمن ادى صلاة الوتر ان ينام بعدها ويستأنف ما شاء الله من صلوات التهجد ثم يوتر مرة اخرى، والله تعالى أعلم.
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل، وارزقنا اليقين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين