حديث الجمعة الديني: عناية الإسلام بصحة الأمومة والطفولة- الحلقة الثالثة والأخيرة
22 سبتمبر، 2016استثناءات من الإجهاض
هناك استثناءان باباحة الإجهاض وذلك من قبيل الضرورة ، وهذان الاستثناءان هما :
1- إذا أدى الحمل إلى خطر محقق بالمرأة الحامل ، أي إذا قرر الطبيب المختص الثقة بأن استمرار الحمل يعرض الحامل إلى الهلاك والموت ، حينئذ يستغنى عن الجنين بإسقاطه، وذلك من قبيل الاستغناء عن الفرع حماية للأصل ، ومن قبيل ارتكاب أخف الضررين،فالأم هي الأصل وهي عماد الأسرة والجنين هو الفرع ، فلا بد من الحرص في المحافظة على الأصل.
2- إذا كان الجنين غير مكتمل الخلقة ويفتقر إلى عضو أو أعضاء مهمة أساسة في جسمه كالدماغ بحيث يستحيل بقاؤه حياً بعد ولادته ، حينئذ يجوز إسقاطه قبل موعده فهو يأخذ حكم ” السقط” الذي لا فائدة ترجى من بقائه في رحم أمه ، أما إن كان مكتمل الخلقه وفيه بعض التشوه أو الإعاقة فلا يجوز إسقاطه كا دام احتمال بقائه على قيد الحياة قائماً.
رأي الإمام الغزالي في الإجهاض
هناك تعليق للإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله في التفريق بين منع الحمل وبين إسقاط الحمل وانه يعتبر الإجهاض جناية من الجنايات فيقول في كتابه ” إحياء علوم الدين ” .. ليس هذا- أي منع الحمل – كالإجهاض والوأد ، فالإجهاض جناية على موجود حاصل ، والموجود له مراتب : وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية فإن صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش ، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشاً ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حياً “. –كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي- فصل النكاح ص:47 ج2.
صحة الطفولة
بعد العناية والرعاية بصحة الأمومة لا بد من العناية والرعاية بصحة الطفولة، ويتبلور ذلك ضمن النقاط الآتية:
1. اختيار الزوجة الصالحة- هذه اول خطوة يخطوها الزوج باختياره زوجة صالحة للحديث النبوي الشريف ” تنكح المرأة لأربع : لمالها وحسبها ،ولجمالها ، ولدينها . فاظفر بذات الدين تربت يداك “- متفق عليه عن الصحابي الجليل ابي هريرة –رضي الله عنه-. فالزوجة الصالحة ذات الدين قادرة على الاهتمام بتربية أولادها التربية السليمة وتكون حريصة على صحة اولادها.
2. الحث على الإغتراب تحث الشريعة الإسلامية على الاغتراب في الزواج والابتعاد ما أمكن عن الزواج من القريبات، ليكون المواليد أقوياء وأذكياء وأصحاء ، وقد وردت في ذلك آثار عن الرسول صلى الله عليه وسلم ففي الاثر: “اغتربوا لا تُضووا”- كتاب النهاية لابن الأثير ج3 ص: 106 ولسان العرب لابن منظور- مادة (ضوا).أي تزوجوا الغرائب دون القرائب فإن الولد من المرأة الغريبة يكون أقوى وانجب وأوفر صحة من ولد القريبة. وقد أضوت الأم اذا ولدت ولداً ضعيفاً. ومعنى (لا تضووا) لا تأتوا بأولاد ضاوين أي ضعفاء نحفاء . ومن أقوال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : “لا تنكحوا القرابة فإن الولد يخلق ضاوياً”-قال أبن الصلاح: لم أجد له أصلاً معنمداً، وانما يعرف من قول عمر –رضي الله عنه-.
3. تسمية المولود وحلق الرأس: حثّ رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم على اختيار الأسماء الحسنة للمواليد للحديث النبوي الشريف “إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم”. رواه أبو داود بإسناد حسن في سننه وابن حبّان في صحيحه عن الصحابي الجليل أبي الدرداء رضي الله عنه. وكان عليه الصلاة والسلام يغير الأسماء التي فيها نوع من النفور والتشاؤم، فقد ثبت أنّ ابنة لعمر كان يقال لها (عاصية) ، فسماها الرسول صلى الله عليه وسلم “جميلة”. رواه الترمذي وابن ماجه عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها “أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغيّر الإسم القبيح”. رواه الترمذي في سننه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. أي يسمّيه باسم آخر حسن جميل. أما بالنسبة موعد التسمية للمولود ففي الأمر سعة فيمكن تسميته في اليوم الأول من الولادة، ويمكن تأخير ذلك لليوم السابع من الولادة، ففي الحديث النبوي الشريف: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “وُلد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم”. رواه مسلم في صحيحه عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه. فهذا الحديث النبوي الشريف يفيد أنّ التسمية كانت في يوم الولادة. ويقول عليه الصلاة والسلام “كل غلام رهين بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويسمي فيه، ويحلق رأسه”. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن الصحابي الجليل سمرة رضي الله عنه، وصحّحه الترمذي. والعقيقة هي الذبيحة التي تذبح للمولود احتفاءً بقدومه وشكراً لله تعالى على هبته . وهذا الحديث الشريف يدل على أنّ تكون التسمية في اليوم السابع، وهو اليوم الذي تذبح فيه العقيقة ويحلق فيه رأس المولود. واعتبر الرسول –صلى الله عليه وسلم حلق الرأس إماطة للأذى عن المولود- أي أن الحلق له فائدة صحية فيقول من حديث شريف مطول: “وأميطوا عنه الأذى”- رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والبيهقي عن الصحابي سلمان بن عامر الضبي –رضي الله عنه-.
4. ختان المولود والمعروف بالطهور الختان هو قطع الجلدة التي تغطي الحشفة في ذكر الطفل لئلا تتجمع الأوساخ ، وليتمكن من الاستبراء من البول. وتثبت مشروعية الختان بالأحاديث النبوية الشريفة فيقول عليه الصلاة والسلام “إختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة”. رواه البخاري عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه. كما ثبتت المشروعية بفعل الرسول –صلى الله عليه وسلم- فقد روي “أن النبي صلى الله عليه وسلم عقّ عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام”. رواه البيهقي عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. ولا يخفى من فوائد صحية وطبية للختان باقرار من الأطباء المختصين. وان الشارع الحكيم لا يقرر شيئاً إلا وفيه مصلحة وفائدة للعباد، بالإضافة إلى حث الإسلام على تربية الأطفال والعناية بهم بما في ذلك النواحي الصحية منذ مرحلة الطفولة المبكرة والتي تبدأ من الولادة وحتى سن التمييز، وكذلك العناية بالأطفال في رحلة الطفولة المتأخرة والتي تبدأ من سن التمييز حتى البلوغ.
5. التحنيك: يستحب تحنيك المولود بتمر، لما ورد في الصحيحين عن الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: “وُلد لي غلام فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنّكه بتمرة ودعا له بالبركة”. وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها “أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم” رواه مسلم. “يبرك” من المباركة. والتحنيك هو وضع جزء من التمر الممضوغ داخل فم المولود حتى ينزل في جوفه منه شيء، وينبغي أن يكون الذي يقوم بالتحنيك من أهل الخير والصلاح، وممن تُرجى بركته. وإذا لم يتيسّر التمر فيمكن وضع أي مادة سكرية كالمربى الممزوج بماء الزهر. والحكمة في ذلك: تقوية عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك والفكين. وذلك بالتلمّظ حتى يتهيّأ المولود للرضاعة ويكون قادراً على مص الحليب من ثدي أمه.
الخاتمة
هذا استعراض موجز لعناية الإسلام بصحة الأمومة والطفولة مؤكدين على أن تنظيم النسل هو أمر فردي أي ليس بتدخل من الدولة ولا يوجد قانون يلزم المواطن بذلك، فلا بد من التفاهم والتراضي ما بين الزوجين لمصلحة الأسرة ورعاية لصحة الأم، فقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أنه نهى عن العزل إلا بإذن الزوجة لأن لها حقاً في الولد وحقاً في الاستمتاع. وهذه لفتة بارعة من لفتات الاسلام التي تصرح بحفظ حق من حقوق المرأة والتي يغفل عنها كثير من الناس.
ثم لا بد من التنويه إلى خطورة الاجهاض وسلبياته على صحة الأم إلا إذا كان الحمل يؤثر سلباً على صحة الأم حينئذ يرتكب أخف الأضرار لمصلحة الأم.
كما ننوه إلى اهتمام الشريعة الإسلامية بصحة الأطفال وتربيتهم تربية سليمة لتتكون الأسرة الصالحة التي هي أساس المجتمع.
اللهمّ فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وأرزقنا اليقين
” والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ” سورة الأحزاب- الآية4
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.