حديث الجمعة الديني : يوم اليتيم العالمي
23 سبتمبر، 2016سبق أن أقرت هيئة الأمم المتحدة عام 1976م أن يكون الثامن من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام يوم اليتيم العالمي، وذلك بعد الانتهاء من حرب فيتنام التي استمرت من عام 1956م وحتى عام 1975م، حيث بلغ عدد القتلى الفيتناميين مليوناً ومائة ألف شخص، وأكثر من 57 ألف قتيل أمريكي، حتى تحررت الفيتنام من الاستعمار الأمريكي.
وأن الهدف من إعلان يوم عالمي لليتيم هو حشد الجهود والطاقات لرعاية الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم خلال حرب الفيتنام، وينسحب ذلك على أيتام العالم.
تعريف اليتيم
إن اليتيم من منظور إسلامي هو الذي توفي أبوه وهو صغير (دون سن البلوغ)، والجمع أيتام أو يتامى، والصغيرة يتيمة وجمعها يتامى.أما إن توفي الأبوان (الأب والأم) فيقال للصغير: لطيم، ومن ماتت أمه فقط وهو صغير يقال له: عجي.
ودرة يتيمة: أي لا نظير لها ولا شبيه، واليتيم من الفعل يَتِمَ وييتَم: من باب تعب يتعب، والمصدر يتماً (بضم حركة الياء أو فتحها). (أنظر مختار الصحاح ص:741 والمصباح المنير ج: 2 / ص:935 و 936).
موقف الإسلام من اليتيم
من المعلوم بداهة أن ديننا الإسلامي العظيم يرعى اليتيم منذ خمسة عشر قرناً، كما يرعى كل من هو في وضع اليتيم، وقد يكون الوضع الاجتماعي للشخص أشد قسوة من وضع اليتيم، لذا يقول رسولنا الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة، وأشار مالك بالسبابة والوسطى ” رواه مسلم عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه- ورواه مالك في الموطأ عن صفوان بن سليم مرسلاً، وأرى أن من يرعى غير اليتيم له نفس ثواب اليتيم، وهذا يعني أن الرعاية لليتيم ولمن في وضع يشبه اليتيم أيضاً، وقد يكون الصغير في وضع اجتماعي أشد من وضع اليتيم، فعلى سبيل المثال: طفل أو فتى دون سن البلوغ قد طلقت أمه وتزوجت من شخص آخر، وان أباه قد تزوج من إمرأة أخرى، فأين يعيش ؟!
ثواب كفالة اليتيم
1- يقول الله -سبحانه وتعالى- في هذا المجال: ” وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ” سورة الإنسان (الدهر)- الآية8.
2- يقول الله -عزّوجل-: ” أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى ” سورة الضحى- الآية6.
3- ويقول الله -تعالى- : ” أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ.يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ” سورة البلد – الآيتان 14و15.
وهناك مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة في هذا المجال أشير إلى عدد منها:
1- قال الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار باصبعيه السبابة والوسطى ” رواه البخاري، عن الصحابي الجليل سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه-.
2- قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” مَنْ مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة تمرّ عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين، وفرق بين أصبعيه السبابة والوسطى ” أخرجه أحمد والترمذي والطبراني عن الصحابي الجليل أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-.
3- قال النبي – صلى الله عليه وسلم: ” إن اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن، فيقول الله -تعالى- : ” مَن أسكته وأرضاه عليّ أن أرضيه يوم القيامة ” أخرجه ابن عدي في الكامل وأبو نعيم في تاريخ الأصبهاني والقرطبي في تفسيره.
4- قال الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” أنا أول من يفتح باب الجنة فإذا إمرأة تبادرني فأقول: مَنْ أنت ؟ فتقول: أنا امرأة تأيمت على أيتام لي ” رواه أبو يعلى الموصلي وابن أبي شيبة، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-.
5- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ” أنا وامرأة سعفاء الخدين كهاتين يوم القيامة وأومأ يزيد بن ذريع إلى الوسطى والسبابة، وامرأة آمت من زوجها ذات منصب وجمال حبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتوا ” رواه أبو داود، عن الصحابي الجليل عوف بن مالك الأشجعي ومعنى (آمت): أي صارت أيماً بسبب وفاة زوجها، ومعنى (بانوا): أي كبروا.
6- قال رسول الله – عليه الصلاة والسلام: ” خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين فيه يتيم يساء إليه ” رواه ابن ماجه عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-.
7- ورد أن رجلاً شكا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قسوة في قلبه فقال: ” امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين ” رواه أحمد عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-، وفي رواية أخرى: أن رجلاً جاء يشكو قسوة قلبه فقال له: ” أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبُك وتدرك حاجتك “.
8- قال الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” من قبض يتيماً من بين المسلمين إلى طعامه وشرابه أدخله الله الجنة البتّة، إلا أن يعمل ذنباً لا يغفر” رواه الترمذي وأبو يعلى الموصلي والطبراني، عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-.
النهي عن الإساءة لليتيم
لقد نهى القرآن الكريم والسنة النبوية عن الإساءة لليتيم وعن عدم معاملته بالحسنى، وأشير إلى بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في هذا المجال على النحو الآتي:
1- قال الله -تبارك وتعالى-: ” كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ” سورة الفجر- الآية17، في هذه الآية الكريمة تقريع وتوبيخ لأصحاب رؤوس الأموال الذين يبخلون على اليتيم ولا يكرمونه.
2- قال الله -عزّوجل-: ” فأما اليَتيم فلا تَقهَر ” سورة الضحى- الآية9 أي لا تهنه ولا تعبس في وجهه ولا تغلبه على ماله، ولكن أحسن إليه وأعطف عليه.
3- قال الله -تعالى- : ” أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ “سورة الماعون – الآيتان 1 و 2، فإن الشخص الذي يكذب بيوم الحساب، والجزاء هو الذي يتجرأ على اليتيم ويسيء معاملته ويدفعه بجفاء وغلظة ويظلمه ولا يعطيه حقه.
4- قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: “..وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء اليه ” – مرّ تحقيقه.
وجوب المحافظة على أموال اليتيم
لقد حرص ديننا الإسلامي العظيم على أموال اليتيم والمحافظة عليها وحرّم الاعتداء على أمواله، وأشير إلى بعض الآيات القرآنية الكريمة الآتية:
1- قال الله -تبارك وتعالى-: ” وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباَ ” سورة النساء- الآية6، ففي هذه الآية الكريمة خطاب للأوصياء على الأيتام، والمعنى: اختبروا من كان تحت إشرافكم من اليتامى، وذلك إذا بلغوا سن التكليف، فإن شاهدتم منهم الرشد وحسن التصرف فادفعوا إليهم أموالهم دون تأخير، وفي هذه الآية الكريمة نهي عن أكل أموال اليتامى مستغلين صغر سنهم قبل أن يكبروا، فإذا كان الوصي غنياً فليستعفف عن أخذ شيء من مال اليتيم، أما إذا كان الوصي فقيراً محتاجاً فلا مانع من أخذ شيء من مال اليتيم بقدر حاجته الضرورية، وبقدر أجرة عمله، وذلك بموافقة الوصي العام (أي المحكمة الشرعية).
2- قال الله -العلي القدير-: ” إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ” سورة النساء الآية 10، فهذا تحذير من الله رب العالمين لهؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم الحرام، وسيدخلون ناراً مستعرة يوم القيامة.
3- قال الله -تعالى- : “… وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ” سورة النساء- الآية 127، فالله -عزّوجل-يأمر الأوصياء على الأيتام أن يعطوهم حقوقهم من الميراث، وأن يعدلوا فيما بينهم.
4- قال الله -سبحانه وتعالى- : ” وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ..” سورة الأنعام- الآية152 وسورة الإسراء- الآية34، وتفيد الآيتان الكريمتان تحريم أكل مال اليتيم، وعليه لا بد من المحافظة على مال اليتيم حتى يبلغ سن الرشد والتكليف فيسلم إليه ماله.
الخاتمة
هذا استعراض موجز لموقف الإسلام من اليتيم من حيث رعايته وتربيته وكفالته، ومن حيث المحافظة على أمواله، فتحرم الإساءة إليه، كما يحرم أكل ماله والاعتداء عليه.
والحمد لله رب العالمين الذي يرعى هذه الشريحة الضعيفة من شرائح المجتمع فيحميها ويأخذ بيدها.
اللهم فقهنا في الدين، وعلمنا التأويل، وارزقنا اليقين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.