حديث الجمعة الديني : الاسلام ويوم النظافة العالمي
23 سبتمبر، 2016تمهيد: أقرت منظمة عالمية تطلق على نفسها ” تنظيف العالم- Clean The World والتي تعمل ضمن هيئة الإمم المتحدة، ومقرها في استراليا أن يكون يوم الخامس عشر من شهر أيلول (سبتمبر) من كل عام يوماً عالمياً للنظافة، وذلك منذ العام 1993م ويقوم نشطاء هذه المنظمة بتنظيف البيئة وزرع الأشجار والورود وتبييض الحدائق العامة في عدد من بلدان وعواصم العالم عند منتصف شهر أيلول (سبتمبر) من كل عام.
النظافة رمزي حضاري
إن النظافة ليست مصطلحاً منحصراً في عدة كلمات، إنما النظافة عبارة عن مفهوم حضاري يترتب عليه وينبثق عنه سلوكيات لها التأثير الكبير على المجتمع وعلى البيئة، فإذا ما تمّ التركيز عليها وتطبيقها بشكل جدي فإنها تظهر مدى رقي المجتمع، ويمكن القول : إن النظافة هي سلوك مكتسب نتعلمه نتيجة للتربية التي ننشأ ونتربى عليها في البيت أولاً، وفي المدرسة ثانياً.
وبالتالي فإن عدم النظافة تنتج عنه مشاكل صحية وبيئية خطيرة، فعلى سبيل المثال : حرق النفايات داخل الحاويات والعربات، وما يترتب على ذلك من روائح كريهة ضارة ومن تلويث للبيئة كما تؤثر على طبقة الاوزون. ولا يخفى أن عدم النظافة في البيت أو في المدرسة أو في المجتمع يدل على مدى عدم قابلية المجتمع للتطور وان مظهره غير حضاري.
آداب الطريق وإماطة الأذى عنها
إن ديننا الإسلامي العظيم لم يترك شاردة ولا واردة إلا تعرض لها، وذلك للدلالة على شموليته وديمومته وعموميته، وللدلالة أيضاً على صلاحيته لكل زمان ومكان، فمن ذلك ما له علاقة بالنظافة وبآداب الطريق والمحافظة على سلامتها وسلامة المواطنين فالإسلام يحث على النظافة والعناية بالبيئة بالإضافة الى الثواب العظيم الذي يناله الشخص حين اماطة الأذى عن الطريق، وأشير في هذا المجال إلى مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة ، أشير إلى عدد منها ، فيقول رسولنا الأكرم محمد –صلى الله عليه وسلم-:
1- “الايمان بضع وستون شعبة فأفضلها قول: لا اله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الايمان” –رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وغيرهم، واللفظ لمسلم عن الصحابي الجليل أبي هريرة –رضي الله عنه-. فيؤخذ من هذا الحديث النبوي الشريف: رفع الأذى عن الطريق، والحرص على سلامة المواطنين ، وعلى نظافة البيئة أيضاً.
2- سأل الصحابي الجليل أبو برزة –رضي الله عنه- رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قائلاً : يا نبي الله، علّمني شيئاً أنتفع به؟ قال:”اعزل الأذى عن طريق المسلمين”-رواه مسلم، ولفظ (الأذى) لفظ عام يشمل الأوساخ والقاذورات والأشواك وما تبقى من مواد البناء وغير ذلك..
3- “من زحزح عن طريق المسلمين شيئاً يؤذيهم كتب الله سبحانه وتعالى له حسنة، ومن كتب له عنده حسنة أدخله الله بها الجنة”-رواه أحمد في مسنده ج6 ص:440 عن الصحابي الجليل أبي الدرداء –رضي الله عنه- فإن لفظ (شيئاً) في هذا الحديث النبوي الشريف هو لفظ عام، وان من يرفعه عن طريق المسلمين يكافئه الله الجنة، وهذا حث على نظافة الطريق.
4- “دخل عبد الجنة بغصن شوك على ظهر طريق المسلمين فأماطه عنه”-رواه البخاري ومسلم وأحمد عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا الحديث النبوي الشريف قد ورد في عدة روايات وعدة طرق يقوي بعضها بعضاً فلا تناقض بينها في المعنى، منها: “بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفر له” ومعنى (أخره) أبعده عن الطريق، منها: “مرّ رجل بغصن شجرة على ظهر الأرض، فقال: والله لأنحينّ هذا عن المسلمين ، لا يؤذيهم فأُدخل الجنة” ومعنى (لأنحينّ) لأبعدن الغصن عن الطريق (لا يؤذيهم) أي حتى لا يؤذيهم أو خوفاً من أن يؤذيهم. ومنها: “لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس” معنى (يتقلب في الجنة) أي يتنعم في الجنة (في شجرة) أي بسبب قطعه للشجرة، وهذه الرواية صريحة بأن الأمور تنكشف للرسول محمد –صلى الله عليه وسلم- ولا تنكشف لغيره فالحديث الشريف من دلائل النبوة والوحي. مع الاشارة إلى أن الروايات جميعها تحثّ وتشجع على نظافة الطريق.
5- “إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدّ قد نتحدّث فيها. قال: فإذا أتيتم إلى المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غضّ البصر، وكف الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”-رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود وغيرهم عن الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه-.
إن هذه القيم الرفيعة السامية التي حض عليها النبي –صلى الله عليه وسلم- لتؤدي إلى مجتمع حضاري نظيف خال من الشوائب والأوساخ، وما أجدرنا أن نلتزم بها في هذه الأيام. –كتاب المنتقى من أحاديث المصطفى-صلى الله عليه وسلم- لصحاب هذه المقالة.
المحافظة على الماء من التلوث
من الواجب على الانسان وعلى المجتمع وعلى الدولة المحافظة على الماء من التلوث، ليكون نظيفاً سليماً خالياً من الجراثيم، وهناك مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة في هذا المجال أشير إلى عدد منها، يقول رسولنا محمد –صلى الله عليه وسلم-:
1- “اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل”-رواه أبو داود وابن ماجه عن الصحابي الجليل معاذ بن جبل –رضي الله عنه- ويفيد هذا الحديث الشريف أن نتجنب: مكان تجميع المياه، وأن نتجنب قارعة الطريق، وأن نتجنب الظل حين التبرز وقضاء الحاجة، لان هذه الأماكن مما ينتفع منها الناس، بحيث نحافظ على نظافة المياه ونظافة الطريق ونظافة المكان الذي يستظل به الناس.
2- “لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري” –رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه ، فإن التبول في البرك والمياه الراكدة تتلوث وتحمل نجاسة وجراثيم، وان الراكد يختلف عن المياه الجارية كالأنهار والبحار.
3- “إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الاناء”-رواه البخاري عن الصحابي الجليل أبي قتادة الأنصاري –رضي الله عنه- فالرسول –صلى الله عليه وسلم- ينهى عن التنفس في الإناء خشية أن تنتقل الجراثيم الميكروبات إلى داخل الاناء مما يؤدي إلى تلوثه.
الحجر الصحي
لقد شرع رسولنا الأكرم محمد –صلى الله عليه وسلم- الحجر الصحي بهدف الوقاية من الأمراض المعدية والسارية ولحماية المجتمع منها وعدم انتشارها، وذلك حتى يصبح المجتمع نظيفاً من الأمراض ، وهناك مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة، أشير إلى عدد منها، فيقول رسولنا الأكرم –عليه الصلاة والسلام-:
1- “الطاعون رجس أرسل على بني اسرائيل وعلى من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فراراً منه” –رواه البخاري ومسلم عن الصحابي الجليل أسامة بن زيد –رضي الله عنهما. أي لا تدخلوا الأرض التي بها مرض الطاعون. ولا تخرجوا من الأرض التي انتشر فيها هذا المرض، ويقاس عليه كل مرض معد فلا بد من الحجر الصحي كاجراء وقائي- من كتاب التمريض في التاريخ الاسلامي لصاحب هذه المقالة ص:11 وص:12.
2- “إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فراراً منه، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه” أخرجه البخاري ومسلم عن الصحابي الجليل أبي هريرة –رضي الله عنه- والحديث عن مرض الطاعون أيضاً.
3- “فرّ من المجذوم فرارك من الأسد” رواه البخاري وأحمد عن الصحابي الجليل أبي هريرة –رضي الله عنه- والمجذوم هو الشخص المصاب بمرض الجذام (من الأمراض المعدية) وهو عبارة عن تآكل في الأعضاء.
هذا استعراض موجز حول موقف الإسلام العظيم من المجتمع ونظافته من الأوساخ والنفايات، ومن الجراثيم والأمراض.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.