حديث الجمعة الديني: الجنة، وغصن الشجرة
30 سبتمبر، 2016المقدمة
لماذا دخل صحابي الجنة؟ لأنه رفع غصن شوك من الشجرة عن الطريق حتى لا يتأذى الناس من هذا الغصن فغفر الله له عمله وأدخله الجنة.
الأدلة على ذلك
يقول رسولنا الأكرم محمد –صلى الله عليه وسلم- : “بينما رجل يمشي بطريق، وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفر له”- رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن الصحابي الجليل أبي هريرة – رضي الله عنه-. ومعنى “اخره” أي أبعده عن الطريق، وورد في الحديث النبوي الشريف بلفظ آخر: “مر رجل بغصن شجرة على ظهر الطريق فقال: “والله لأنحين هذا عن المسلمين، لا يؤذيهم ،فأُدخل الجنة” رواه مسلم. ومعنى “لانحين” لأبعد الغصن عن الطريق”لا يؤذيهم” خوفاً من أن يؤذيهم، وفي رواية ثالثة: “لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة، في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس- رواه مسلم أيضاً. ومعنى “يتقلب في الجنة: الذي يتنعم في الجنة، وهذه أمور تنكشف للرسول –صلى الله عليه وسلم- ولا تنكشف لغيره، ومعنى “في شجرة” أي بسبب شجرة.
إماطة الأذى
لا غرابة أن ينعم الله عزّوجل على هذا الرجل بالجنة لان إماطة الأذى عن الطريق من الايمان لقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “الايمان بضع وسبعون شعبة” فأفضلها: “قول لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان” –متفق عليه واللفظ لمسلم عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-. فإن أدنى مرتبة من الإيمان تقود إلى الجنة، فما بالكم في أعلى مراتب الإيمان وشعبه الأخرى؟!.
وضع الأذى في الطريق
وعكس إماطة الأذى هو وضع الأذى في الطريق مثل النفايات والقاذورات والأشواك ، فالذي يضع الأذى في الطريق يكون آثماً شرعاً ، وأيضاً مهزوز العقيدة والإيمان، فقد ربط رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إماطة الأذى بالإيمان، فمعنى ذلك أن وضع الأذى يتعارض مع الإيمان.
مواد البناء في الشارع
والأشد إثماً من يترك مواد البناء في الطريق مثل الحديد والاسمنت والحصاة وغيرها مما يؤدي إلى إيذاء الناس وإلى عرقلة مرور السيارات، والأشد إثماً هو الذي يسرق من الشارع ويتجاوز حدود أرضه في بناء البيوت والحوانيت، وانه يعتبر هذا التجاوز جرأة ومكسباً. وأن الطريق التي يجب أن يكون عرضها تسعة أمتار تصبح ثلاثة أمتار! لأن الاعتداء عليها يكون من الجانبين!! والأنكى من ذلك من يبني في الطريق المرسوم على الخارطة ويلغيها كلياً. ويؤدي ذلك إلى التضييق على الجيران وأنهم يضطرون لأن يسيروا مسافة طويلة ليصلوا الى بيوتهم، وان هؤلاء المعتدين يستغلون انفلات الأمور ليحققوا مكاسب خاصة لهم على حساب المصلحة العامة، دون رقيب ودون حساب ودون عقاب!!.
اهتزاز الايمان
ان مثل هذه التصرفات لمؤشر على ضعف الايمان واهتزازه فلا وازع لدى المعتدي ، كما لا يوجد وازع من السلطة لوقفه عن الاعتداء، ولمحاسبته ومعاقبته، فالمصالح العامة مغيبة، في حين إذا تعرضت مصلحة الشخص فإنه يقوم ولا يقعد، ويحولها عشائرية، ويجمع أقاربه على الباطل ليحمي نفسه وليغطي على خطئه، فالذي يريد أن ينصر أخاه ينبغي أن ينصره على الحق، ولا يجوز شرعاً أن يؤيده على الباطل، فنحن جميعاً مدعوون للاحتكام للكتاب والسنة في جميع أمورنا لقول رسولنا الأكرم –صلى الله عليه وسلم-: “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنه رسوله” –رواه الامام مالك بن انس مرسلا في الموطأ، ولهذا الحديث شاهد من رواية الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- بسند حسن، اخرجه الحاكم.
نحن وإياهم
إذا رجعنا إلى تاريخ الحضارة الاسلامية نجد الازدهار والتقدم والنظافة والنظام والمحافظة على البيئة والرعاية الصحية، لا غرابة في ذلك فإن ديننا الاسلامي العظيم يدعو الى كل ذلك، وظهر جلياً على حياة أجدادنا الأوائل في الفترات الذهبية لأنهم تمسكوا بأحكام هذا الدين وطبقوه في حياتهم العملية، وأصبحوا سادة العالم وفلاسفته وأساتذته، وكان الغرب يغط في تخلف عميق وسحيق، ولكن استطاع الغرب أن ينهض من سباته ويستفيد من الحضارة الإسلامية ويبني عليها التقدم في مختلف المجالات، والذي يتجول في دول أوروبا مثل: سويسرا، وألمانيا، وإيطاليا، يلتمس ذلك جلياً ، ويتأسف لما آل اليه العالم الإسلامي من التخلف والتفرق والتمزق والضياع!.
الخاتمة
لقد بدأت مقالتي المختصرة حول غصن الشجرة ليكون رمزاً للتقدم أو رمزاً للتخلف؛ فالمدينة التي تحافظ على نظافة الطرق وتلتزم بالأنظمة والتعليمات المتعلقة بالبيئة والرعاية الصحية وتنظيم وتنسيق البناء والعمران لمؤشر على التقدم وأن أهلها مؤهلون لحياة أفضل يحفها الاستقرار والاطمئنان، في حين إذا وجدت الأشواك وقضبان الحديد والاسمنت والنفايات في الطرق بالإضافة إلى سرقة الكهرباء والماء، فإن هذا ينعكس على نفسية السكان وعدم قدرتهم على حل مشاكلهم، وانهم يعيشون في فوضى واضطراب، ولا يصلون إلى ” الدولة” التي ينشدونها بالخطابات والبيانات والتصريحات.
فأدعو بكل إخلاص وإصرار المواطنين جميعاً إلى وقفة مع أنفسهم ليحاسبوها ويقيموها، وذلك على ضوء الكتاب والسنة، وعلى ضوء شعب الإيمان، حينئذ فإن الأمل رائدنا إن شاء الله في التقدم والازدهار والاستقلال، ولا يأس مع الأمل.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.