حديث الجمعة الديني : “الشهور القمرية ووحدة المطالع”- الحلقة الثانية والأخيرة
30 سبتمبر، 2016لانزال نتناول الاحكام الفقهية المتعلقة بالشهور القمرية بعامة وبشهر رمضان بخاصة، وكذلك ما له علاقة بالقمر ايضا مطالع مسألة مطالع القمر والاختلاف حولها.
ان مسألة مطالع القمر من المسائل الخلافية الاجتهادية بين الفقهاء المسلمين قديما وحديثا، وبخاصة حين اداء فريضة الصيام، فمن الفقهاء من يقولون بوحدة المطالع للقمر، ومن الفقهاء من يقولون باختلاف المطالع ولكل من الفريقين دليله الشرعي.
1- لقد استدل الفريق الاول القائلون بوحدة المطالع بالحديث النبوي الشريف والذي نصه “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته “- متفق عليه عن الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه. وان الخطاب في هذا الحديث يفيد العموم.
2- استدل الفريق الثاني بما ورد في صحيح مسلم تحت باب (بيان ان لكل بلد رؤيتهم، وانهم اذا رأوا الهلال في بلد لا يثبت حكمه لمن بعدهم) فقد ورد عن كريب ان ام الفضل بنت الحارث بعثته الى معاويه بالشام فقال: فرأى الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة المنورة في اخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: انت رأيته، فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين او نراه. فقلت: اولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – رواه مسلم واحمد وابو داود والترمذي والنسائي عن التابعي كريب بن ابي مسلم الهاشمي عن الصحابي الجليل عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-.
كما استدل الفريق الثاني بأن يتعذر الاخذ بوحدة المطالع في صدر الاسلام وذلك لعدم امكانية الاتصال والتواصل بين الاقاليم في ليلة واحدة.
الترجيح بين الرأيين
من الملاحظ ان كلا من الفريقين يستند الى دليل شرعي، وما دامت المسألة خلافية اجتهادية فلا بد من الترجيح، هذا وقد سبق لمجمع البحوث الاسلامية في القاهرة ان ناقش هذه المسألة في مؤتمره الثالث الذي عقد بتاريخ 13 من رجب 1386 ه وفق 27 تشرين الاول عام 1966 واصدر حولها عدة قرارات منها:
1- ان (الرؤية ) هي الاصل في معرفة دخول اي شهر قمري. وهذا لا يمنع الاستعانة بالمراصد والاجهزة المكبرة للتحقق من الرؤية.
2- لا عبرة باختلاف المطالع، وان تباعدت الاقاليم بشرط ان تكون مشتركة في ليلة واحدة ولو في جزء منها. وان اختلاف المطالع يكون معتبرا بين الاقاليم التي لا تشترك في جزء من هذه الليلة.
والملاحظ ان مجمع البحوث الاسلامية بالقاهرة قد رجح الرأي القائل بوحدة المطالع، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء والمعلوم ان البلاد العربية حسب موقعها الجغرافي مشتركة في ليلة واحدة، وان كان هناك اختلاف بسيط في التوقيت فقد تشرق الشمس على اقليم قبل ان تشرق على اقليم اخر بساعة واحدة او ساعتين او ثلاث ساعات حسب التباعد بين الجهتين شرقا او غربا فهذا لا مبرر للاختلاف لان البلاد العربية مهما تباعدت اقاليمها جغرافيا فانها تشترك في ليلة واحدة وتبقى ذات وحدة واحدة بشأن المطالع. كما ان المجامع الفقهية الاخرى قد رجحت مؤخرا رأي وحدة المطالع. وأرى الاخذ بوحدة المطالع ما دامت سهولة الاتصال بين الاقطار قائمة. اما اذا تعذر الاتصال والتواصل بين الاقطار فلا مانع من الاخذ باختلاف المطالع، وهذا لا يؤثر على وحدة المسلمين كما يتوهم البعض، ولا يجوز ان تخضع هذه المسألة للاهواء السياسية .
العمل باختلاف بالمطالع
السؤال: متى يحصل الاختلاف في المطالع؟
الجواب: اذا كان بين بلد واخر مسافة طويلة بحيث يكون الفرق في التوقيت يزيد عن ليلة واحدة، فعلى سبيل المثال يكون في اندونيسيا نهار في حين يكون في بلادنا ليل. وعكس ذلك بالنسبة لاميركا فيكون في بلادنا نهار في حين يكون في امريكا ليل.
اذا كيف يصوم المسلم الذي يسكن في اندونيسيا او الذي يسكن في اميركا؟
وهل يستطيع ان يصوم في الوقت الذي نصوم فيه في بلادنا؟
والجواب: ان الذي يسكن في اندونيسيا فانه يصوم قبلنا بيوم واحد، ولا يجوز ان ينتظر حتى يصوم في البلاد العربية وان الذي يسكن في اميركا لا يستطيع ان يصوم معنا لان التوقيت في اميركا يتأخر عنا، فهو يصوم بعدنا بيوم واحد لاننا حين نشرع في الصوم فجرا يكون الوقت في اميركا ليلا.
المناطق غير المنتظمة في التوقيت
هناك مناطق في الكرة الارضية لا ينتظم فيها الليل والنهار، او هناك بلاد يكون النهار فيها كاملا دون ليل، او يكون الليل فيها كاملا دون نهار فكيف يتصرف المسلمون الذين يسكنون في هذه المناطق؟.
الجواب: لقد اجتهد الفقهاء المعاصرون في هذه المسألة الى رأيين اثنين، هما:
1- الرأي الاول ان يتم اعتماد توقيت البلاد التي نزل فيها التشريع وهي بلاد الحجاز -مكة المكرمة والمدينة المنورة-.
2- الرأي الاخر: ان يتم اعتماد توقيت اقرب البلاد اعتدالا في الطقس وانتظاما لليل والنهار، وذلك باستعمال الساعات على ضوء توقيت اقرب البلاد اليها، لتعذر الاعتماد على شروق الشمس وغروبها.
وارى الاخذ بالرأي الثاني للاسهل والاحوط، فلم يعد في المسألة اشكال في عصرنا الحاضر، وبخاصة بعد انتشار الاذاعات والمحطات الفضائية والاقمار الصناعية التي جعلت الكرة الارضية كلها كأنها قرية صغيرة.
الخاتمة والنتيجة
لذا لا مبرر لاختلاف المطالع في الاقاليم المتقاربة التي تشترك في ليلة واحدة فيلزم اهل المغرب برؤية اهل المشرق، كما يلزم اهل المشرق برؤية اهل المغرب، شريطة ان يكون التواصل ميسرا وسهلا، وان يكون الاعلان عن رؤية الهلال من اهل الاختصاص واصحاب الولاية في هذا المجال، وبخاصة فان علم الفلك قد تقدم تقدم ملموسا فلا مانع من الاستئناس به حيث ان حساباته دقيقة وتضبط احوال القمر ومنازله ومواقعه، وان يحدد بالتقريب اوائل الشهور القمرية ونهاياتها. وهذا يساعدنا على رؤية الهلال ليلة تولده، كما ان وسائل الاعلام كالمذياع والتلفاز والهاتف والفاكس والانترنت قد سهلت الاتصال المباشر بالعالم اجمع بالاضافة الى الاقمار الصناعية التي تربط احداث العالم كله خلال دقائق قليلة. وبهذا يكون العمل بما قال به جمهور الفقهاء سهلا وميسورا. وفي الوقت نفسه لا ننكر على ولي الامر اذا تبنى الرأي الثاني المتضمن اختلاف المطالع وذلك لاعتماده على دليل شرعي ايضا، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل وارزقنا اليقين.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.