حديث الجمعة الديني : المرأة والدعوة- الحلقة الأولى
23 سبتمبر، 2016المحور الأول
مشاركة المرأة في مجالات الدعوة
من المعلوم بداهة أن المرأة مكلفة شرعاً كالرجل، فهناك عشرات الآيات الكريمة في هذا الموضوع، أشير إلى عدد منها:
1- ” فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ…” سورة آل عمران-الآية 195.
2- ” وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا” سورة النساء-الآية 124.
3- “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”سورة النحل-الآية 97.
4- ” مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ”سورة غافر (المؤمن) -الآية 40.
وبالتالي فإن “الدعوة” من واجبات المرأة كما أنها من واجبات الرجل.
وقد ذكرت كتب السيرة النبوية عن مشاركة المرأة في مجالات الدعوة منذ بدء نزول الوحي على قلب سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- وأشير إلى نماذج من هذه المشاركات على سبيل المثال لا الحصر:
1- أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها التي كانت أول من أسلم فقد سبقت الرجال والفتيان، ووقفت إلى جانب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تؤيده وتشد من أزره وتخفف عنه وطأة الوحي، ومن أقوالها للنبي –عليه الصلاة والسلام- :”كلا، أبشر يا محمد واثبت، فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، والله، لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فلا يسلط الله عليك الشياطين والأوهام.”- صحيح البخاري- باب بدء الوحي رقم (3) وسيرة ابن هشام ج1 ص:172 و 173 وتاريخ الطبري ج2 ص:298 وص:299
2- الشهيدة سمية (أم عمار/ زوجة ياسر بن مالك) التي وقفت وقفة إيمانية في ثباتها على دينها ورفضت التخلي عن الإسلام رغم التهديد والتعذيب إلى أن فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها فكانت سمية أول شهيد في الإسلام، ثم تبعها زوجها ياسر في الشهادة- كواكب النساء للداعية نائلة هاشم صبري ص:197
3- ذات النطاقين( أسماء بنت أبي بكر-رضي الله عنهما) وهي زوج الزبير بن العوام –رضي الله عنه-، والتي كان لها الدور البارز الفعال في انجاح عملية الهجرة النبوية، فقد كانت تكتم خبر وكان اختباء الرسول –صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكانت تنقل لهما الطعام والشراب كما تنقل لهما أخبار قريش وهما في غار ثور.- الإكمال في أسماء الرجال – ملحق كتاب مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي ج3 ص:610 رقم 61، وكتاب أعلام النساء ح1ص:47.
4- الصحابية الجليلة والداعية “ام شريك” (غزية بنت جابر بن حكيم) –رضي الله عنها- من قبيلة دوس، وقيل هي من قبيلة بني عامر، ويمكن التوفيق بين القولين:بأن زوجها من قبيلة دوس، وأن أهلها من بني عامر، وتلقب (ذات الدلو المعلق) لأن الله عزوجل منحها كرامة من الكرامات، ولقد أسلمت سراً وكانت تدعو إلى الله عزّوجل وتتجول في أحياء مكة المكرمة، وتدخل على نساء قريش تدعوهن إلى الإسلام، وترغّبهن في هذا الدين العظيم، حتى انكشف أمرها بعد فترة من الزمن فألقى أهل مكة القبض عليها، وقرروا ترحيلها وإلعادها عن مكة وتسليمها إلى أهلها.- كواكب النساء للداعية نائلة هاشم صبري ص: 194 وسلسلة أصحابي كالنجوم العدد رقم3، ص:4-ص8 للباحث.
من مجموع هذه النماذج نستنبط بأن المرأة قد حملت الدعوة الإسلامية بجدارة، وقد ثبت ذلك بالأدلة القطعية حيث وصل الأمر إلى درجة التواتر، كما أن الموضوع هو قطعي الدلالة.
المحور الثاني
مشاركات المرأة في ميادين الجهاد المتعددة
إن مشاركات المرأة في ميادين الجهاد وملحقاته هي صورة من صور نشر الدعوة الإسلامية، وبالرغم من أن الجهاد ليس واجباً على المرأة إلا أنه يجوز لها شرعاً المشاركة في القتال بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر بمعالجة الجرحى ومداواتهم وتزويد الجيش بالطعام والشراب وكل ما يلزم الجندي في المعركة أو الجهاد باللسان أو التبرع بالمال ، وفي هذا المحور مسألتان:
المسألة الأولى
مشاركة المرأة في دعم المجاهدين
تتمثل مشاركة المرأة في دعم المجاهدين من خلال معالجة الجرحى ومداواتهم وبتزويد الجيش بالطعام والشراب وكل ما يلزم الجندي من الملابس وغيرها ، وكانت المرأة تشجع الجنود وترفع من معنوياتهم بخطاباتها لهم. وأشير إلى عدد من النماذج على سبيل المثال لا الحصر:
1- الصحابية الجليلة الربيع بنت معوذ الأنصارية –رضي الله عنها- شاركت في عدة معارك لتساهم في خدمة المقاتلين وتداوي جرحاهم، وروي عنها أنها قالت “كنا نغزو مع النبي –صلى الله عليه وسلم- نسقي القوم ونخدمهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة.- رواه البخاري في السير، فتح الباري بشرح صحيح البخاري للعسقلاني ج6 ص:80. ورواه أحمد في مسنده ج6 ص:358 والمنتقى من أحاديث المصطفى –صلى الله عليه وسلم- للباحث ص: 478.
2- الصحابية الجليلة أم عطية نسيبة بنت كعب الأنصارية –رضي الله عنها-، وقيل أن أم عطية هي نسيبة بنت الحارث الأنصارية، وأرى أنه لا مانع من وجود تشابه في الأسماء والاشتراك في الصفات والأعمال والخدمات، وهي من المجاهدات في سبيل الله واشتركت في عدة غزوات لمعالجة المرضى واسعاف الجرحى، وكانت مسؤولة عن المستشفى المتنقل في المعارك، أما في حالة السلم فالمستشفى يكون بالقرب من المسجد النبوي بالمدينة، وروي عنها أنها قالت: “غزوت مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام وأداوي لهم الجرحى وأقوم على الزمنى”- أخرجه مسلم في الجهاد رقم الحديث 4667، وأبو داود في سننه رقم 3812 وابن أبي شيبة في سننه ج8 ص:137 وابن ماجه في سننه ج2 ص: 952 والمنتقى من أحاديث المصطفى –صلى الله عليه وسلم- للباحث ص:478. والزمنى على وزن فعلى وهم المصابون بأمراض تقعدهم عن الجهاد، والمفرد زمين على وزن فعيل.
3- الصحابية الجليلة أم عمارة- نسيبة بنت كعب المازنية –رضي الله عنها-. وهي من المجاهدات في سبيل الله، شاركت في عدة غزوات منها: غزوة بدر الكبرى (في السنة الثانية للهجرة) وغزوة أحد (في السنة الثالثة للهجرة) وفي معركة اليمامة (في السنة الثانية عشرة للهجرة) التي وقعت في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق –رضي الله عنه- لمقاتلة مسيلمة الكذاب، وروي عنها أنها خرجت في غزوة أحد ومعها وعاء ماء تدور به على المجاهدين تسقي الظمآن وتضمد الجرحى وترفع الروح المعنوية للجند. ولما شعرت بهزيمة المسلمين ألقت سقاءَها واستلت سيفها وانطلقت لتقاتل وتدافع عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وحولها زوجها (زيد بن عاصم) وولداها رضي الله عنهم. وأثناء المعركة جرح ابنها عمارة فقامت باسعافه وربط جراحه وطلبت منه استئناف القتال من جديد، فقال عليه الصلاة والسلام عن أم عمارة: “ما ألتفت يوم أحد يميناً ولا شمالاً إلا وأراها تقاتل دوني” وقال لها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟”- البداية والنهاية لابن كثير ج4ص:34
4- الصحابية الجليلة كعيبة بنت سعد الأسلمية –رضي الله عنها-: بايعت الرسول –صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة، وهي من المجاهدات الجريئات ومن الطبيبات النجيبات. وكانت تتولى معالجة المرضى وقت السلم، وتسعف الجرحى أثناء الحروب، وكانت لها خيمة في المسجد النبوي لهذا الغرض، وهي التي تولت مداواة الصحابي الجليل سعد بن معاذ الأوسي الذي جرح يوم الخندق (معركة الأحزاب سنة 4 ه) وكانت جراحه ثخينة، وبقيت كعيبة تلازمه حتى استشهد متأثراً بجراحه، وفي معركة خيبر (سنة 7ه) خرجت كعيبة مع جيش المسلمين لتداوي الجرحى، حتى انتصر المسلمين واستولوا على حصون خيبر.
5- الصحابية الجليلة أم سنان الأسلمية –رضي الله عنها-: أسلمت وبايعت الرسول –صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة، ولما أراد –عليه الصلاة والسلام- الخروج إلى خيبر طلبت منه المشاركة في تقديم الماء للمجاهدين ومداواة المرضى والجرحى، فقال لها الرسول –صلى الله عليه وسلم- اخرجي على بركة الله فإن لك صواحب قد كلمتني وأذنت لهن من قومك ومن غيرهم. وهذه إشارة إلى أن عدد الصحابيات اللواتي يشاركن في هذا المجال كثيرات ومن عدة قبائل، وكانت أم سنان ترافق أم المؤمنين السيدة أم سلمة –رضي الله عنها- في الغزوات.
6- أميمة بنت قيس الغفارية –رضي الله عنها-: أسلمت وبايعت الرسول –صلى الله علسه وسلم- وروي عنها أنها قالت : جئت يا رسول الله –صلى الله عليه وسلم –في نسوة من بني غفار. فقلن: إنا نريد يا رسول الله أن نخرج معك إلى خيبر فنداوي الجرحى ونُعين المجاهدين بما استطعنا، فإذن لهم.
7- الصحابية الجليلة ميمونة بنت الحارث الهلالية –رضي الله عنها- من الصحابيات المجاهدات ، وقد حاربت تحت لواء سيف الله المسلول خالد بن الوليد –رضي الله عنه- ، وكانت تسعف الجرحى وتداوي المرضى.
8- الصحابية الجليلة أم حرام بنت ملحان بن خالد النجارية –رضي الله عنها- وهي اخت أم سليم والدة أنس، أسلمت وبايعت النبي –صلى الله عليه وسلم-، وهي زوجة الصحابي الجليل عبادة بن الصامت –رضي الله عنه، توفيت وهي مجاهدة بصحبة زوجها في أرض الروم ودفنت في جزيرة قبرص .
وقل رب زدني علماً، والحمد لله على نعمة الإسلام.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.