حديث الجمعة الديني : برّ الوالدين والنهي عن عقوقهما
2 أكتوبر، 2016من المعلوم بداهة أنّ برّ الوالدين من أوجب الواجبات في الإسلام حتى إنه اقترن بعبادة الله عزّوجل، وذلك لبيان ثوابه العظيم ومنزلته الرفيعة، وبالعكس فإنّ عقوق الوالدين قد اقترن بالشرك بالله سبحانه وتعالى، وذلك لبيان حرمته وإثمه الكبير، فالعقوق من الكبائر بل هو من أكبر الكبائر.
نصوص شرعية في الحثّ على البرّ
هناك مجموعة من النصوص الشرعية: من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحثّ على برّ الوالدين والاحسان إليهما مع بيان الثواب الذي ينال البارّ لوالديه، وأشير في هذا المقام على عدد من النصوص الشرعية:
1- قال سبحانه وتعالى: ” وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا” سورة النساء –آية 36. فالإحسان بالشريعة الإسلامية مجاله واسع فهو لا يقتصر على الوالدين فحسب، بل يشمل فئات أخرى من الناس الذين هم بحاجة إلى العطف والمساعدة، فكان الواجب على المسلم أن يبادر إلى الاحسان إليهم. (ومعنى الجار ذي القربى) الجار القريب في جواره وسكنه، ومعنى (الجار الجنب) أي الجار البعيد في الجوار، ومعنى (الصاحب بالجنب) أي الرفيق في السفر أو العمل أو في المدرسة وغيرها.
2- قال ربّ العالمين: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” سورة الاسراء –الآيتين 23 و 24. ومعنى (قضى ربك) أي حكم وأمر وأوجب. ويلاحظ أن الإحسان إلى الوالدين قد ورد في هذه الآية الكريمة بعد عبادة الله سبحانه وتعالى، وذلك لبيان أهمية الاحسان إلى الوالدين حتى إنه لا يجوز التأفف أو التبرم أو التضجر أمام الوالدين لأي سبب من الأسباب؛ لأن ذلك يؤدي إلى إزعاجهما لفرط أحساسيهما ومشاعرهما تجاه أولادهما، فهما سريعا التأثر.
3- عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- قال: سألتُ رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة في وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله” متفق عليه. ففي هذا الحديث النبوي الشريف بيان لأهمية الصلاة التي تمثل عماد الدين وعموده، ثم يأتي بعد ذلك بر الوالدين، ثم يأتي بعد ذلك الجهاد في سبيل الله.
4- عن الصحابي الجليل أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فاستأذن في الجهاد. فقال له: أحي والداك؟ قال نعم. قال: ففيهما جاهد” متفق عليه. أي يتوجب أن تلازمهما وأن تقوم برعايتهما وخدمتهما. ومن هذا يتضح أن القيام برعاية الوالدين والإحسان إليهما مقدم على الجهاد في سبيل الله.
5- جاء رجل إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك, قال ثم منْ؟ قال أمك. قال ثم منّ؟ قال أمك. قال: ثم منْ؟ قال أمك. فهذا الحديث الشريف قد أعطى عناية خاصة بالأمّ لما تبذله من جهد وتعب في حمل الجنين ووضعه ثم ارضاع المولود وتربيته وخدمته والسهر في الليالي لرعايته حتى يصبح كبيراً ، ومهما قدم الأبناء والبنات من خدمات للأمهات وللآباء فإنهم لا يوفونهم حقوقهم عليهم.
6- إن رجلاً قال: يا رسول الله، إني حملت أمي على عنقي فرسخين في رمضاءلو ألقيت فيها بضعة من اللحم لنضجت، فهل أديت شكرها؟ فقال: لعله أن يكون بطلقة. وفي رواية: هل أديت حقها؟ قال: لا، ولا بركزة واحدة. أخرجه الطبراني في المعجم الصغير والبزار في مسنده، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد عن الصحابي الجليل بريدة بن الحصيب –رضي الله عنه-.
7- عن الصحابي الجليل معاوية بن جاهمة السلمي –رضي الله عنه- أنه جاء النبي –صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أردت أن أغزو وقد جئت استشيرك. فقال عليه الصلاة والسلام: هل لك من أم؟ قال نعم. قال: إلزمها فإن الجنة تحت أقدامها. وفي رواية (تحت رجليها) أخرجه أحمد في مسنده والنسائي في سننه وابن ماجه في سننه والطبراني في المعجم الكبير والحاكم في المستدرك، وقال الألباني: الحديث حسن صحيح.
8- عن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: أولادكم من طيب كسبكم فكلوا من أموالهم. رواه ابن ماجه.
أحاديث نبوية في النهي عن العقوق:
هناك العشرات من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحذر وتنهى عن عقوق الوالدين، ويعدّ العقوق من الكبائر بل من أكبر الكبائر، وأن عقوبة العاق لوالديه عبارة عن عقوبتين: في الدنيا، وفي الآخرة، وذلك لشدة الإثم الذي يلحق الابن العاق. وأذكر في هذا المقام ثلاثة من الأحاديث النبوية الشريفة:
1- قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ألا أنبئكم أكبر الكبائر ثلاثاً؟ قلنا بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور. فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.-متفق عليه عن الصحابي الجليل أبي بكْرة –رضي الله عنه. ويلاحظ أن عقوق الوالدين قد ورد بعد الإشراك بالله، وذلك لبيان الإثم الذي يلحق الابن العاق، حيث إن العقوق من أكبر الكبائر.
2- قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة: إلا عقوق الوالدين: فإن الله يعجله في الحياة قبل الممات.-رواه الحاكم والاصبهاني عن الصحابي الجليل أبي بكرة –رضي الله عنه- . وقال الحاكم عن مرتبة هذا الحديث الشريف: صحيح الاسناد، فيشير هذا الحديث النبوي الشريف إلى أن العاق لوالديه يعاقب في الدنيا وفي الآخرة.
3- يروي الصحابي الجليل علبد الله بن أبي أوفى –رضي الله عنه- حديثاً نبوياً شريفاً بصيغة مطولة ومفاد هذا الحديث الشريف: ان غلاماً قد حضرته الوفاة ولم يتمكن من النطق بالشهادتين فعلم بذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وسأل عن السبب، فقيل له: كان يعق والدته، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- أحيّة والدته؟ قالوا: نعم. قال: ادعوها. فجاءت. فقال لها: هذا ابنك؟ قالت نعم. فقال لها: أريت لو أججت ناراً ضخمة فقيل لك: إن شفعت عنه خلينا عنه، وإلا حرقناه بهذه النار، أكنت تشفعين له؟ فقالت يا رسول الله، إذاً أشفع له. قال عليه الصلاة والسلام: فأشهدي الله وأشهديني أنك قد رضيتِ عنه. قال: اللهم إني أشهد الله وأشهد رسولك أني قد رضيتُ عن ابني، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: يا غلام: قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله. فقالها الغلام. فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: الحمد لله الذي انقذه بي من النار. رواه الطبراني، وذكره الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد، وابن المنذري في كتابه الترغيب والترهيب ، والسمرقندي في كتابه تنبيه الغافلين، وفي الحديث ضعف في سنده، ويفيد هذا الحديث النبوي الشريف أن الله عزّوجل قد أنقذ الغلام من النار ؛لأن الله ربّ العالمين قد قبل رضا الأم عن ابنها وشفاعتها له، وكذلك إكراماً لحبيبه محمد –صلى الله عليه وسلم-.
الخاتمة
إن هذه النصوص الشرعية من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي توجب بر الوالدين ينبغي أن يستمر طوال أيام السنة كلها، وليس في يوم واحد من السنة، وتعقيباً على ما يعرف لدى الغرب ب “عيد الأم” أوضح ما يأتي:
1- لا يوجد في الإسلام سوى عيدين اثنين هما: عيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك.
2- ما سوى هذين العيدين فإنه توجد مناسبات وأيام وذكريات مثل: ذكرى الهجرة النبوية، وذكرى المولد النبوي الشريف، وذكرى الاسراء والمعراج، وغزوة بدر الكبرى، وليلة القدر،ويوم الكرامة… وهكذا..
والله سبحانه وتعالى يقول لسيدنا موسى عليه السلام في القرآن الكريم “وذكرهم بأيام الله”سورة إبراهيم –آية 5. وكان سيدنا ورسولنا محمد –صلى الله عليه وسلم- يذكر أنه ولد يوم الاثنين، ونزل عليه الوحي يوم الاثنين، وأنه سينتقل إلى الرفيق الأعلى يوم الاثنين أيضاً . وعليه لا مانع شرعاً أن يخصص يوم في السنة لأي مناسبة من المناسبات بهدف التذكير والتوعية، ولا مانع أن نقول: “يوم الأم” وليس “عيد الأم”وليس كما هو منتشر في الغرب من تفكك للأسرة، وانفصال الأبناء عن الآباء!! فلا يتذكر الابن أمه إلا مرة واحدة في السنة!! فقد جاءت هذه الأعياد لدى الغرب للتعويض عن التفكك الأسري.
أما المسلمون فهم، بحمد الله، يكرمون الأمهات والآباء في جميع أيام السنة، وفي جميع الأوقات والمناسبات؛ لأن الإحسان إلى الأبوين من أوجب الواجبات، وان الاساءة إليهما من أكبر الكبائر، فإياكم وعقوق الوالدين “وقل ربِّ ارحمهما” سورة الإسراء-آية 24
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاء آية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.