حديث الجمعة الديني : سب الذات الإلهية !!
23 سبتمبر، 2016الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأنعم علينا بالإيمان، وكرّه الينا الكفر والفسوق والعصيان، ونشهد أن لا اله إلا الله وحده رب السموات والأكوان، العزيز الغفار المنّان. اللهم اجعل في أبصارنا نوراً وفي اسماعنا نوراً ، وفي قلوبنا نوراً . اللهم اشرح لنا صدورنا، ويسّر لنا أمورنا، اللهم إنا نعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر ، وشرّ فتنة ما يلج في الليل، وشرّ ما يلج في النهار، وشرّ ما تهب به الرياح ، وشرّ بوائق الدهر.
يقول الله عزّوجل في محكم كتابه: ” يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ . وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ” صدق الله العظيم. سورة التوبة (براءة) الآيات 64، 65، 66.
هذه الآيات الكريمة من سورة التوبة ومن أسمائها سورة براءة، وهي مدنية، وأما سبب نزول الآيات الكريمة هو أن رجلاً من المنافقين في عهد الرسول –صلى الله عليه وسلم- أخذ يستهزئ بالله سبحانه وتعالى ، وبالقرآن الكريم وبالرسول العظيم- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وذلك حين غزوة تبوك (والتي تعرف بغزوة العسرة في السنة التاسعة للهجرة) ومما قال هذا المنافق: “ما رأينا مثل قرّائنا هؤلاء… أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء” ويقصد بمقولته هذه الرسول –عليه الصلاة والسلام وأصحابه القراء- الذين يقرأون القرآن الكريم ويحفظونه، وكان عدد من المنافقين يصغون الى هذا المنافق، ويؤيدونه فيما يقول، وهذه عادة المنافقين والمفسدين والوشاة في كل زمان ومكان.
لم يسكت المسلمون وقتئذ- على مثل هذه التجاوزات والافتراءات، فذهب الصحابي الجليل عوف بن مالك الأنصاري ليخبر الرسول –صلى الله عليه وسلم- بما صدر عن هذا المنافق، فوجد عوف بأن القرآن الكريم قد سبقه في ذلك وأن الوحي قد نزل في كشف هذا المنافق، وفي كشف الذين يخوضون في كلام الله ويستهزئون بالله وبالقرآن وبرسوله، فحينما أحس هذا المنافق بورطته أخذ يعتذر للرسول –صلى الله عليه وسلم- ولكن أنّى يقبل عذره. فالله عزّوجل قد قرر في هذه الآيات الكريمة عدم قبول عذره بقوله: “لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم” فليس كل عذر يقبل ، وليست كل جريمة تغتفر.
نعم إن الله عزّوجل غفور رحيم ، وهو سبحانه أيضاً شديد العقاب فإن المستهزئ الساخر قد ساقه استهزاؤه إلى الكفر فما بالكم فيمن يسب الدين والرب والقرآن والرسول؟ في هذه الأيام وعلى مسمع المسلمين؟!
أقول ذلك للذين يخرج من أفواههم هذا السباب، وأقول لهم: إن الذين يستهزئون بالله وبالقرآن وبالرسول قد حكم الله عليهم بالكفر، واللعنة والطرد من رحمته الواسعة، فكيف فيمن يسبون الذات الالهية، خالق الإنسان والأكوان، ويسبون هذا الدين العظيم الذي أنقذ البشرية من الكفر إلى الإيمان ومن الضلالة إلى الهدى؟!
عادة قبيحة منكرة ومرفوضة
إنها عادة قبيحة وبدعة رذيلة منكرة وجريمة نكراء مرفوضة تلك التي تنتشر أحياناً في بلادنا المباركة ، تلك هي سب الدين والرب، حتى نسمع الطفل الذي لم يتجاوز من العمر ثلاث سنوات يسبّ، فمن أين وكيف تعلّم ذلك؟… لقد تعلم ذلك من البيئة! ممن هم أكبر منه سناً، وغالباً ما يسمع هذه المسبات من أبيه أو أمه أو من جيرانه ، ويقول رسولنا الأكرم –صلى الله عليه وسلم- في حديث مطول: “ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده، من غير أن ينقض من أوزارهم شيء”- رواه مسلم عن الصحابي الجليل جرير بن عبد الله –رضي الله عنهما- فالإثم كل الاثم يلاحق الشخص الذي أدخل هذه المسبات إلى بيته وإلى جيرانه حتى بعد وفاته.
ألا يعلم المسلمون لماذا تنزل علينا المصائب يا ترى؟ ولماذا يسلط علينا أعداء الإسلام؟ إن ذلك بما كسبت أيدي الناس فيقول عزّوجل في سورة الشورى: ” وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ
وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ” –الآية 30. ويقول سبحانه وتعالى في سورة الروم: ” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ” الآية 41. صدق الله العظيم. ولو أن الله رب العالمين يحاسب الناس في الدنيا ويؤاخذهم على أعمالهم ما ترك على ظهرها من دابة فيقول عزّوجل في سورة النحل:” وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” الآية 61. ويقول سبحانه وتعالى في سورة فاطر”وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا”الآية 45.
ظاهرة من ظواهر الجاهلية
أتعلمون أن هذه العادة القبيحة والظاهرة السيئة (سب الدين والرب) منتشرة في بلادنا المباركة المقدسة، وهذا واقع مرّ، علينا أن نعترف به، وأن المسلمين في الأقطار الأخرى يعيّروننا بأننا في فلسطين نسب الذات الالهية ونسب الإسلام العظيم، ومن أجل ذلك يلوموننا ولهم الحق في ذلك.
إن الملاحظ عملياً في مجتمعاتنا أن انقلبت الموازين، فلو أن شخصاً سبّ دين شخص آخر فإنه لم يتأثر، ولم يتحرك ولم يعتبرها إهانة، أما إذا سبّ أباه أو عائلته فإنه يثور ويغضب، ويبرز الرجال أشباه الرجال وتظهر العنتريات المزيفة والحماقات المخزية وهذه ظاهرة من ظواهر الجاهلية الأولى. وهذه الظاهرة هي معاكسة تماماً لأخلاق رسولنا الأكرم –صلى الله عليه وسلم- الذي كان يغضب عندما كانت تنتهك حرمة من حرمات الله، ولم يكن يغضب لنفسه، فتقول عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها- في وصف أخلاقه: “….. ما انتقم رسول الله لنفسه في شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة لله فينتقم لله تعالى”-متفق عليه.
عقوبة مشددة
إن علماء التوحيد قد اتفقوا على أن الذي يسبّ الذات الالهية أو يسب القرآن الكريم أو يسبّ الرسول –عليه الصلاة والسلام- وهو واع لما يقول يعتبر مرتداً ويخرج من ربقة الإسلام، ويقول الفقهاء : إن المرتد إما أن يستتاب ويعلن توبته ويدخل الإسلام من جديد، وإما أن يقتل ردة إذا لم يتب.
الخاتمة
الواجب علينا جميعاً أن نتوجه إلى الله خالق الإنسان والأكوان تائبين منيبين إليه مستغفرين، علينا أن نتكاتف جميعاً على محاربة هذه البدعة المحرمة، وعلى الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات، على العلماء والوعاظ وعلى الدعاة وعلى رجال الاصلاح ان يعالجوا هذا الموضوع لمنع هذه الظاهرة في المجتمع، علينا ان نطهر بلادنا المباركة من دنس هذه البدعة، علينا ان نغير نظرة المسلمين في الاقطار الاخرى تجاهنا، ورسولنا الاكرم يقول: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” متفق عليه عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما-.
اللهم فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وارزقنا اليقين.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.