حديث الجمعة الديني : “شقاء البشرية وخلاصها”
8 يناير، 2017
المقدمة
من المسلّم به ومن الأمور البدهية أن البشرية لا تزال في شقاء منذ تسلّط النظامين : الرأسمالي العلماني، والشيوعي الإلحادي… على العالم في هذه الأيام. وبالرغم من انهيار الاتحاد السوفييتي إلا أن الأفكار الإلحادية لا تزال قائمة.
وتُوغلُ البشرية بالتعاسة والشقاء والضياع لأنها ألقت بأحكام الإسلام وراء ظهرانيها.
وهذه المعلومة تحتاج إلى كتب ومجلدات لتحليلها وتفصيلها ومناقشتها – ولا مجال لذلك كله في هذا المقام- وإنما اكتفي بايراد ثلاثِ مسائل واقعية: احداها تتعلق بالنظام الرأسمالي والأخرى بالنظام الشيوعي، والأخيرة بالنظامين الرأسمالي والشيوعي.
تفكك الأسرة
أما المسألة الأولى فحول تفكك الأسرة وإباحة الزنا فقد نشرت الصحف العالمية والمحلية بأنه تشكلت في أمريكا وإنجلترا شركة لبيع الأولاد إلى الأزواج غير الوالدين تعويضاً عن عُقمهما وعدمِ إنجابهما.
والشركة التي تبيع الأولاد تأخذ الطابع التجاري وذلك بأن تستأجر هذه الشركة امرأة لمدة تسعة أشهر ويسمى العقد المبرم بين الشركة والمرأة عقد استئجار رحم مقابل مبلغ من المال تأخذه المرأة لتنجب طفلاً عن طريق التلقيح الصناعي أو التلقيح الطبيعي من قبل رجل آخر!! وبعد الوضع تستلم الشركة الطفل المولود من المرأة مقابل المبلغ المتفق عليه ثم تتولى الشركة بيع الطفل لأسرة عقيمة بحاجة إلى أولاد!!. وقد أثار هذا التصرف استهجان عدد من الباحثين والقانونيين في أمريكا وإنجلترا… إلا أن المحاكم في هذين البلدين لم تجد أي مانع قانوني لممارسة الشركة!!
وهذا إفراز من إفرازات النظام الرأسمالي العلماني العفن الذي يقيم وزناً للروابط الأسرية ولا يعترف بعواطف الأمومة ولا بكرامة الإنسان، وانه يبيح الزنا مادام الرضى بين الطرفين قائماً!!.
تحديد النسل
وأما المسألة الأخرى فحول تحديد النسل الذي سنته الصين الشيوعية قانوناً لمعالجة التكاثر السكاني ولوضع حدّ له وقد سبق لهذه الدولة أن أصدرت قانوناً لتحديد النسل وينص هذا القانون على أنه لا يحق للزوجين إنجاب أكثر من مولود واحد فقط!! أي أن الصين اعتبرت تحديد النسل إجبارياً بموجب القانون الذي أصدرته..
وهل يصدّق القارئُ بأنه نتيجة لهذا القانون أن قام الشعب الصيني بقتل ما يزيد عن مليون أنثى سنوياً؟!!
نعم مليون بنت تقتل نتيجة قانون تحديد النسل.. وكيف يتم ذلك؟؟
إذا كان المولود الأول أنثى فإن الأسرة تعمَد إلى قتل هذه الأنثى البريئة سراً ، ولذا إذا كان البطن الثاني أنثى أيضاً فإنها تقتل وهكذا إلى أن يكون المولود ذكراً فيحتفظون به.
وأصبحت ظاهرة قتل الأنثى شائعةً في الصين؛ لأن الزوجين لا يقنعان بإنجاب بنت واحدة – إلى أن بلغ عدد الإناث اللواتي يقتلن في السنة الواحدة مليون أنثى!! وهذا إفراز من إفرازات النظام الشيوعي الملحد الدكتاتوري الذي يطبق القانون بقوة الحديد والنار ولا مجال للمناقشة عندهم.
فما موقف الحكومة الصينية من ملايين المواليد الإناث الطافيات على وجه الحياة في البرك الريفية!!- قال تعالى: “ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ “- سورة التكوير الآيتان 8و9.
وأصبح عدد الذكور في الصين في تزايد عن عدد الإناث نتيجة لقتل الإناث، وان بلاد الصين مقبلة على مشكلة جديدة يصعب حلها ما دام قانون تحديد النسل قائماً… فهؤلاء الذكور عندما يشبّون فسوف لا يجدون أنثى في أعمارهم للزواج…!
فالصين الشعبية الشيوعية تحاول أن تخرج من مشكلة التكاثر السكاني لتقع في مشكلة أصعب وأعقد وهي مشكلة الإنجاب… وعدم وجود فتيات للشباب للتزوج منهن.
المجاعة في إفريقيا
وأما المسألة الأخيرة التي هي مسؤولية النظامين الرأسمالي والشيوعي فتتعلق بالمجاعة التي تهدد ثلاثين مليوناً من البشر في القارة الإفريقية بالهلاك والموت وهؤلاء موزعون في عشر دول إفريقية!
ولماذا نقول أن النظامين الرأسمالي والشيوعي يتحملان المسؤولية عن هذه المجاعة؟
والجواب: إن النظام الرأسمالي لديه الفائض من المواد الغذائية فيدخر جزءاً منها. ويقذف بالجزء الآخر في المحيطات لإتلافه للمحافظة على سعر هذه المواد من الانخفاض.
واذا استعرضنا الكميات المتوفرة من المواد الغذائية في العالم ومساحات الأراضي الشاسعة الصالحة للزراعة فإن ذلك يكفي لسكان العالم.
ولكن النظام الرأسمالي يتصف بكثرة الإنتاج وسوء التوزيع.
أما النظام الشيوعي فإنه لا يعترف بالملكيات الفردية وبالتالي فإن الأراضي تمتلكها الدولة وإن الناس عمّال في هذه الأراضي، فبدأ الانخفاض في نسبة الإنتاج الزراعي في روسيا سنة بعد أخرى… ففي الستينات اضطرت روسيا إلى شراء كميات من الحبوب من أمريكا، واعترف (خروشوف) –السكرتير العام للحزب الشيوعي الروسي حينئذ –بأن الإنتاج الزراعي يتدهور في بلاده… وعلل ذلك لعدم وجود ملكيات فردية في بلاده!! ونتيجة لتصريحه هذا أُقصي من منصبه!!.
فالنظام الشيوعي يتحمل أيضاً مسؤولية المجاعة في العالم لأن مساحة الأراضي الزراعية في روسيا شاسعة جداً وتأتي بالمرتبة الثانية بعد أمريكا إلا أن الإنتاج منخفض إذا ما قيس بالمساحات الصالحة للزراعة.
العلاج لصالح البشرية
هذه ثلاث مسائل- أو ثلاث قضايا إن صح لنا أن نسميها كذلك- وتعاني منها البشرية نتيجة للقوانين الوضعية التي عجزت عن إيجاد حلول لها… علماً أن العلاج الصحيح يكمن في الإسلام الذي هجره المسلمون!! وإن غياب الإسلام عن الساحة الدولية سببٌ من أسباب شقاء البشرية وتعاستها كما أنه سبب في ضعف المسلمين وشرذمتهم!! فكيف نلوم غيرنا والعيب فينا؟؟
فهل يعجز الإسلام عن حل مشاكل الأسرة وما يتعلق بها!!؟
إن الإسلام حين شرع الزواج وشجعه ورغب فيه قد حرم الزنا وحين حرم الإسلام التبني فإنه شرع الكفالة للأيتام أو كفالة أي طفل ليس له معيل فتستطيع الأسرة غير المنجبة أن تكفل طفلا بحاجة إلى كفالة.
وهل يعجز الإسلام عن حل مشكلة التكاثر السكاني ؟إن حلها لا يكون عن طريق قتل البنات ولا بإقامة الحروب إنما يكون بنشر العلم والوعي بين جميع الناس والاستفادة من طاقات الأرض الزراعية فيها والصناعية، فيحصل الانتشار السكاني في جميع أنحاء البلاد ولا يكون التكاثر السكاني محصوراً في مواقع منها.
كما أن العناية بالريف وتوفير الخدمات العامة فيه من تعليم وصحة ومواصلات .. تؤدي إلى الانتشار السكاني السليم وعدم التزاحم في المدن الكبرى . وهذا ما يدعو إليه الإسلام بتأمين مثل هذه الخدمات لجميع المواطنين دون تمييز.
وإن ما نلاحظه من سياسة الدول غير السليمة في الاهتمام بتنمية المدن على حساب الريف هو مخالف لروح الإسلام، وهو مظهر من مظاهر التخلف الاقتصادي والعلمي والاجتماعي…
وهل يعجز الإسلام عن مجابهة الجوع والقحط؟!
إن الإسلام يعتبر الأقطار الإسلامية وحدة متكاملة لأنه لا يعترف –أصلاً- بتعدد الدول والكيانات فحين حصل القحط في الجزيرة العربية في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- في السنة الثامنة عشرة للهجرة أصدر أمير المؤمنين كتاباً للولاة في بلاد الشام والعراق ومصر يطالبهم فيها بإرسال المواد الغذائية لسكان الجزيرة العربية لمواجهة القحط فاستجابوا لذلك وكان التنفيذ فورياً والتعاون سريعاً وكان أول الملبين للنداء عمرو بن العاص والي مصر الذي أرسل رسالة جوابية إلى أمير المؤمنين يُشعره فيها بالسمع والطاعة وأنه أرسل مدداً أوله في الجزيرة وآخره في مصر!- سنة 18ه/640م وسمي هذا العام بعام الرمادة لأن الأرض كانت تميل إلى اللون الرمادي للجفاف والقحط.
الخاتمة
لذا فإن المسلمين بشكل خاص والبشرية بشكل عام بحاجة إلى الإسلام- الإسلام وحده- ليخلصنا وليخلّص البشرية من الضّياع والشقاء والتعاسة… ومن تسلّط القوي على الضعيف.. وإنه قادر على تصفية الاستعمار بمختلف أشكاله وألوانه وصوره… وهذا ما ينادي به عدد من المفكرين والفلاسفة في الغرب في هذه الأيام.
حان الوقت ليعي المسلمون هذه الحقيقة بأنه لا يصلح آخر هذا الأمر إلا بما يصلح به أوله، وأن البشائر بدأت تلوح في الأفق بإذن الله وتوفيقه ورعايته.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.