عِكرمة صبري

تحديد النسل غير مشروع
المراد بتحديد النسل هو إيقاف النسل نهائياً . وذلك بتعقيم أحد الزوجين أو كليهما بالعقاقير الطبية أو العمليات الجراحية بحيث لا يتمكن الزوجان بعد ذلك من الانجاب. فلو رغب الزوجان الانجاب فيما بعد لا يستطيعان. أما تنظيم النسل فهو ضبط النسل بشكل إرادي في فترات زمنية محددة كالإنجاب سنتين أو ثلاث سنوات على سبيل المثال . وتنظيم النسل أمر مشروع كما مر سابقاً، أما تحديد النسل فهو غير جائز شرعاً للأسباب الآتية:
1- إن تحديد النسل مخالف لمقصد أساس من مقاصد الشريعة الإسلامية.وهو المحافظة على النسل.
2- إنه تعطيل أعضاء الجسم عن وظيفة الإنجاب . وفي ذلك ضرر لهذه الأعضاء . والإسلام يمنع الضرر.فلا ضرر ولا ضرار.
3- إن تحديد النسل يمثل فكرة دخيلة علينا قد وفدت من الغرب، وتستهدف تقليل أعداد المسلمين لإضعاف قوتهم ولمنع تزايدهم.
4- إن تحديد النسل مخالف لأبرز مفاهيم الإسلام وهو أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى . فالله هو الذي خلق الأبناء والبنات والآباء والأمهات. فقد تكفل برزقهم جميعاً. فيقول الله سبحانه وتعالى: ” وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ” سورة الأنعام- الآية 151. ويقول عزّوجل في آية أخرى ” وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ” سورة الإسراء- الآية 31 . وعليه فإن تحديد النسل غير مشروع استناداً لهذه الأسباب مجتمعة.

استثناءان من تحديد النسل
هناك استثناءان من تحديد النسل أجاز الشارع لأحد الزوجين أو لكليهما باللجوء إلى التعقيم لتحديد النسل وقطع الإنجاب، وذلك من قبيل الضرورة، وهذان الاستثناءان هما:
1. إذا كانت الأم في وضع صحي سيء بحيث تتعرض إلى خطر محقق إذا حملت . ففي هذه الحالة أجاز الفقهاء للأم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم الحمل حفاظاً على الأم التي تعتبر هي الأصل. ويمكن للزوجين أيضاً أن يتبعا طريقة تنظيم النسل بشكل مستمر إن استطاعا تطبيق ذلك في هذه الحالة . وهذا هو الأولى والأفضل . وإلا فيجوز لهما اتباع طريقة تحديد النسل.
2. إذا كان الزوجان أو أحدهما مصاباً بمرض مورث أو ينتقل بالوراثة ويؤثر على الأولاد عقلياً أو جسمياً بحيث يكون هؤلاء الأولاد عالة على المجتمع، كما يُلحق ضرراً وضعفاً بالأمة، وعليه لا يجوز أن نتعدى هذين الاستثناءين في تحديد النسل.

تنظيم الأسرة والغَيْلة
المراد بالغيلة أن تحمل المرأة أثناء فترة رضاعها بمولود آخر . ، فيؤدي هذا الحمل إلى التقليل من حليب الأم و إفساده ويترتب على ذلك إضعاف الطفل الرضيع وهزاله. وقد اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم جماع الزوج خلال فترة الرضاع : وطء الغيلة أو الغيل ، وذلك لما يترتب على هذا الوطء من حمل يؤدي إلى فساد الحليب وضعف الولد الرضيع . وإنما سماه –عليه الصلاة والسلام- غيلاً أو غيلة، لأنه عبارة عن جناية خفية على الرضيع فأشبه بالاغتيال أو القتل سراً للحديث النبوي الشريف ” ولا تقتلوا أولادكم سراً فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه “- رواه ابو داود عن الصحابية أسماء بنت يزيد –رضي الله عنها- وعليه فإن الغيل يفعل بالوليد مثلما يفعل من يصرع الفارس عن فرسه. ولكنه عليه الصلاة والسلام لم يؤكد النهي إلى درجة التحريم للأسباب الآتية:
1- إن الضرر غير مضطرد وليس بدائم.
2- من النساء من لا يحملن أثناء فترة الرضاع . علماً أن نسبة النساء اللواتي يغلن أعلى من اللواتي لا يغلن.
3- خشية وقوع العنت على الأزواج لو جاء النهي بطريقة الجزم عن وطء المرضعات حيث لا يتمكن الأزواج من الاحتراز عن الحمل نتيجة الجماع ، كما لا يتمكن الأزواج الامتناع عن الجماع نهائياً وبخاصة أن مدة الرضاعة قد تمتد حولين كاملين لمن اراد أن يتم الرضاعة لمصلحة الرضيع لقوله عزّوجل: ” وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ “-سورة البقرة الآية 233. لذلك قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :” لقد هممت أن أنهي عن الغيلة ثم رأيت فارس والروم يفعلونه ولا يضر أولادهم شيئاً “. لذلك أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم الأزواج إلى ترك الغيل، ولم يحرم ذلك صراحة ، والواضح أن ترك الغيل يؤدي إلى الأخذ بتنظيم النسل بأي أسلوب من أساليب العزل بحيث لا يؤذي بالمرأة المرضع ولا يؤثر على صحتها، وفي الوقت نفسه لا يؤدي إلى توتر وعنت واضطراب لدى الزوج.

تنظيم النسل والاجهاض
الإجهاض هو إسقاط الحمل بعد تكوينه أما تنظيم النسل فإنه يقوم على مبدأ العزل . بعدم الحمل، أي دون أن يكون هناك حمل أصلاً ، وعليه لا يقال إن العزل قتل للولد قبل خلقه . وقد أوضح رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم بأن العزل ليس قتلاً للنفس للحديث النبوي الشريف: ما روي أن رجلاً قال : يا رسول الله : إني لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال ، وإن اليهود تحدث أن العزل الموءودة الصغرى . فقال عليه الصلاة والسلام ” كذبت اليهود ، لو أراد الله أن يخلق ما استطعت أن تصرفه “- رواه أبو داود عن الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه-. فيؤخذ من هذا الحديث النبوي الشريف أن العزل ليس موؤودة صغرى أي ليس قتلاً للنفس قبل خلقه وبالرغم من أن الزوج يعزل إلا أنه قد تفلت منه نطفة (قطرة) تكون سبباً للحمل وهو لا يدري.أي أن الإحترازات قد لا تكون مأمونة ولا مضمونة . فعلى الإنسان أن يتبع الاحتياطات اللازمة إن رغب في ذلك ، ولكنه لا يستطيع ولن يستطيع أن يمنع أو يصرف ما يريده ويقرره الله سبحانه وتعالى علّام الغيوب
وعليه فإن حكم تنظيم النسل هو الجواز شرعاً أما حكم الإسلام في الإجهاض فهو على النحو الآتي:
الحكم الشرعي في الإجهاض
الأصل في الإجهاض أنه غير مشروع، وذلك على النحو الآتي:
1- إذا كان الجنين قد نفخت فيه الروح ويكون عمره مائة وعشرين يوماً فأكثر ” أي من أربعة أشهر وحتى الشهر التاسع ” ففي هذه الحالة يحرم إسقاط الجنين ويعتبر إسقاطه قتلاً للنفس وذلك بإجماع الفقهاء ، وتجب فيه الدية كاملة إن نزل حيا ثم مات . أما إن نزل ميتاً ففيه دية ناقصة تعرف لدى الفقهاء ب (الغرة) ومقدارها نصف عشر الدية الكاملة ، وتفصيل ذلك وارد في باب الجنايات والعقوبات في كتب الفقه الإسلامي
2- إذا لم تنفخ الروح في الجنين ( منذ أن يصبح الجنين علته أي العلوق في رحم المرأة حتى نفخ الروح )فالرأي الراجح لدى الفقهاء بأنه يحرم إسقاطه أيضاً كالجنين المتحرك الذي نفخت فيه الروح . وذلك لأن الحياة تكون في الجنين منذ اللحظات الأولى في تكوينه ، ولأن فيه الاستعداد لاستقبال نفخ الروح ، بالإضافة إلى الضرر الصحي الذي يلحق بالأم نتيجة الإجهاض فقد يكون الإجهاض أشد على المرأة من الحمل والوضع معاً من الناحية الصحية .
وبالتالي فإنه يحرم إسقاط الجنين مهما كان عمره سواء كان متخلقاً أو غير متخلق في أي طور من أطواره وهذا ما أميل إليه وأفتي به .
اللهمّ فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وأرزقنا اليقين
” والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ” سورة الأحزاب- الآية4
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.