اليوم العالمي لنصرة الاقصى
11 سبتمبر، 2016يصادف ٢١ / ٨ من كل عام اليوم العالمي لنصرة الاقصى،
وهو يصادف ذكرى الحريق المشؤوم الذي استهدف منبر صلاح الدين في المبنى الرئيسي “المسجد القبلي ” للمسجد الاقصى المبارك وكان ذلك صباح يوم الخميس في ٢١ / ٨/ ١٩٦٩ م. كما شمل الحريق اجزاء من قبة المسجد الداخلية واتلف بعض الشبابيك وحرق كميات كبيرة من المصاحف والسجاجيد والبسط والمفروشات للدلالة على ان الحريق كان في عدة مواقع، وهذا يؤكد ان المجرمين كانوا اكثر من واحد، وليس فقط المجرم “مايكل دنيس روهان ” الذي قيل عنه انه استرالي الجنسية، وانه مختل عقلياً!! وقد عقدت الهيئة الاسلامية العليا بالقدس مؤتمراً صحفياً مباشرة بعد الانتهاء من اطفاء الحريق المشؤوم، واصدرت بياناً حملت فيه السلطات الاسرائيلية المحتلة المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة، اهداف الحريق العدواني لهذا الحريق العدواني تداعيات كثيرة، فمن أهدافه الخطيرة: ايجاد تبرير لفرض حل لمدينة القدس يهدف الى تدويلها!! ولكن اهل بيت المقدس قد رفضوا فكرة التدويل، واعتمدوا على انفسهم وهبّوا رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً لاطفاء الحريق. وكان لي شخصياً الفخر والشرف ان اكون من ضمن المشاركين بالاطفاء، فإن المرابطين في بيت المقدس لم يستعينوا بهيئة الامم ولم يلجأوا الى مجلس الامن، بل قامت الهيئة الاسلامية العليا بعقد المؤتمر الصحفي بعد الحريق مباشرة واعلنت عدة قرارات منها: تحميل السلطات الاسرائيلية المسؤولية عن الحريق، وتشكيل لجنة من المهندسين لازالة آثار العدوان والقيام بالاعمار اللازم لاعادة الامور كما كانت سابقاً، وتشكيل لجنة اخرى لجمع التبرعات، فكان الاعتماد على النفس دون تدخل من قوى دولية. بيوت الله بين التعمير والتدمير ان المساجد هي بيوت الله وسفاراته في الارض، وهي منارات العلم والعلماء، واشرف الاماكن الى النفوس الطاهرة المتعبدة المطمئنة. وحسب المساجد شرفاً وفخراً ان الله رب العالمين قد اضافها الى نفسه حيث قال “انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الاخر ” سورة التوبة )براءة( الاية ١٩ . وفي الحديث القدسي قال تعالى : “ان بيوتي في الارض المساجد، وزواري فيها عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، فحق على المزور ان يكرم زائره ” اخرجه الطبراني عن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. هذا وقد اولى رسولنا الاكرم -محمد صلى الله عليه وسلم- عنايته بالمساجد فأرسى قواعد مسجد قباء في ضاحية من ضواحي المدينة المنورة في حادثة الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة الى المدينة المنورة فكان مسجد قباء اول مسجد اسس في تاريخ الاسلام، وكان اول عمل قام به )عليه الصلاة والسلام( هو بناء هذا المسجد. وحث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بناء المساجد فقد روى الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة “اخرجه البخاري ومسلم. ثم استدل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه في فترة خلافته بهذا الحديث النبوي الشريف فاجرى الاصلاحات والتوسعات والترميمات للمسجد النبوي وانقذه من التصدع والانهيار كما وسع مساحته ليستوعب اكبر عدد ممكن من المصلين، وانعقد اجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما قام به الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه . فهذا الحديث النبوي الشريف قد ورد بالفاظ عامة فتشمل هذه الالفاظ كل من بنى مسجدا كبيرا او صغيرا، وسواء كان ذلك من قبل الافراد او الجماعات او اللجان او الدول، وسواء كان البناء جديدا او تجديدا او ترميما او توسيعا، ويؤكد ذلك حديث نبوي شريف اخر، ونصه : “من بنى مسجدا كمفحص قطاة او اصغر بنى الله له بيتا في الجنة” اخرجه ابن ماجه وابن خزيمة عن الصحابي الجليل عبد الله بن جابر رضي الله عنهما. والقطاة نوع من الحمام البري الذي يعيش في الصحاري وفي البراري، وانه يضع بيضه في عش على الارض ويعرف هذا العش الارضي ب (المفحص ) والمعلوم بداهة ان المسجد لا يقوم عمليا على مساحة توازي مرقد طير الحمام الا انه يمكن ان تكون مشاركة الشخص الواحد في اشادة المسجد توازي مقدار عش الحمام، وذلك اذا اشترك هذا الشخص مع مئات بل الاف الاشخاص في بناء المسجد من خلال جمع التبرعات او بذل الجهد، كل حسب طاقته وحسب امكاناته. فهذا الحديث النبوي يعد من دلائل النبوة. المشاركة الجماعية يؤخذ من هذا الحديث النبوي الشريف الحث والتشجيع على المشاركة الجماعية والتعاون فيما بين الناس لاشادة بيوت الله، وذلك من خلال التبرع بالمال ولو كان قليلا، ومن خلال التبرع بالجهد ولو كان يسيرا، ومن خلال الخبرة ولو كانت بسيطة. وهذا ما نشاهده في وقتنا الحاضر على ارض الواقع بحمد الله وتوفيقه من تشييد الاف المساجد في فلسطين وغيرها بمشاركات جماعية من الناس ولو رمزية بحيث يتم بناء اي مسجد بجهود متضافرة في وقت قصير. وان ما يقال: ان بناء المساجد من مهام الدولة فقط هو قول مردود لا يستند الى دليل شرعي بل ان النصوص الشرعية من الايات الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة في هذا المجال تؤكد على الجهد الفردي وعلى المشاركة الفعلية والرمزية من قبل المواطنين. الاخلاص في بناء المساجد لقد اشترط رسولنا الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم ان يقوم العمل في اشادة المساجد على (الاخلاص) لله رب العالمين وحده لا شريك له، فلا ينوي المسلم الا الرضا والرضوان من العلي القدير دون رياء ولا سمعة ولا مباهاة ولا تمنن فيقول عليه الصلاة والسلام في هذا المجال “يبتغي به وجه الله ” هذا وقد ورد عن ابي الفرج ابن الجوزي قوله :من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدا عن الاخلاص . منع الصلاة في المساجد ان من اشد الظلم ان تمنع الصلاة في المساجد او تخرب هذه المساجد وتدمر وتهدم وتقصف وقد حرم القرآن الكريم ذلك كان بقوله عز وجل : “ومن اظلم من منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها، اولئك ما كان لهم ان يدخلوها الا خائفين، لهم في الدنيا خزي ولهم في الاخرة عذاب عظيم ” سورة البقرة الاية ١١٤ ، فهذه الاية الكريمة تحرم امرين اثنين، هما: -منع اقامة الصلوات في المساجد وحرمان المسلمين من الوصول اليها والصلاة فيها. -هدم المساجد وتدميرها ونسفها وتخريبها واحتلالها عسكريا او تحويلها الى امور اخرى تتنافى مع الاداب والاخلاق والقيم الانسانية كأن يتم تحويلها الى حظيرة للمواشي او الى مقهى وبار وعليه فمن يساهم في احد هذين الامرين فانه يقع في اشد الظلم وابشعه، وقد وصفه الله عز وجل بالخوف والخزي في الدنيا، ويلحقه العذاب العظيم في الاخرة. هذا ويعد الحريق الاجرامي للمسجد الاقصى المبارك سلسلة من المؤامرات المتعاقبة على مدينة القدس وعلى المقدسات حتى يومنا هذا. وان التفاف المسلمين المصلين في بيت المقدس واكناف بيت المقدس حول الاقصى احبط وسيحبط هذه المؤامرات، بعون الله وتوفيقه وقدرته. انه مسرى رسولنا الاكرم صلى الله عليه وسلم ومعراجه الى السماوات العلا، انه اولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.