حديث الجمعة الديني : “صراع الحق والباطل”
15 سبتمبر، 2016تعرف الأمور بالأضداد، ولولا الأضداد لما استطاع الانسان معرفة كنه الأمور فالليل لا يعرف إلا بالنهار، والصحة لا تعرف إلا بالمرض، والحياة لا تعرف إلا بالموت، والطول لا يعرف إلا بالقصر، والقوة لا تعرف إلا بالضعف، وهكذا فكل أمر يكشف ضده وبالعكس.
ومثل ذلك الحق فإنه يكشف الباطل وهما –أي الحق والباطل- متلازمان منذ نشأة الخليقة، وفي نفس الوقت فهما متضادان، وسيبقيان قائمين إلى يوم الدين سواء ازداد الحق أو قلّ، وسواء قوي أو ضعف، فالحق والباطل بينهما علاقة مدّ وجزر، وعلى ضوء قوة وإخلاص وتضحية أصحاب الحق فإن الحق يزهق الباطل وفي حالة تخلي أهل الحق عن حقوقهم وتهاونهم فيه فإن الباطل يتغلب ويضيع الحق. وهذه سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
تأكيد القرآن للحق
لقد حفل القرآن الكريم بذكر الحق والباطل، فورد فيه مائتان وستة مواضع للحق، بينما ورد فيه ستة وثلاثون موضعاً للباطل، فكان اهتمام القرآن الكريم بالحق أكثر وأجدر لانه الصفة الايجابية التي هي بحاجة إلى عناية ورعاية وتشجيع. كيف لا والحق اسم من أسماء الله الحسنى فيقول سبحانه وتعالى : ” ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ” –سورة الحج الآية 6 والآية 62، وسورة لقمان الآية 30.ويقول عزّوجل: ” وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ” – سورة النور الآية 25.
الصراع بين الحق والباطل
تعرض القرآن الكريم للصراع بين الحق والباطل، وأشار إلى أن الله سبحانه وتعالى تكفّل بانتصار الحق على الباطل ما دام أصحاب الحق طائعين لله معتزين به ملتزمين بأحكامه فيقول سبحانه وتعالى: ” وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا “- سورة الاسراء الآية 81.
وقد نزلت هذه الآية الكريمة حين فتح مكة (الفتح الأعظم) في السنة الثامنة للهجرة، وقد عبّر القرآن الكريم عن التوحيد بأنه الحق، وعن الشرك بأنه الباطل، ويقول أيضاً: ” بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ” سورة الأنبياء آية 18. وعبر القرآن الكريم أيضاً في هذه الآية عن الإيمان بأنه الحق وعن الكفر بأنه الباطل ، وسيبقى هذا الصراع قائماً ما دام الله سبحانه وتعالى قد قرر أن رسالة الاسلام ستبقى قائمة إلى يوم الدين، فهذا الدين العظيم يمثل الحق بجميع أبعاده، وما سواه يمثل الباطل، والصراع بينهما في مدّ وجزر.
الخلط بين الحق والباطل
هناك نهي في القرآن الكريم للذين يخلطون بين الحق والباطل، ويحاولون كتمان الحق فيقول بحانه وتعالى: ” وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ” –سورة البقرة الآية 42.
فهذه الآية الكريمة تتضمن النهي عن أمرين خطيرين هما:
1- إلباس الباطل ثوب الحق وتعمد الخلط بينهما.
2- كتمان الحق.
وهذان الامران فيهما قلب للحقائق ومضيعة للحق من قبل أُناس باطلين لا خلاق لهم باعوا دينهم بعرض من الدنيا محاولين الايهام بأن الحق في جانبهم مع ما يتمسكون به أوهى من خيوط العنكبوت، ويتبعون أساليب ميكافيلية: الغاية تبرر الوسيلة- ويظهر صاحب الحق في كثير من الأحيان بمظهر الضعيف المرتبك وكأنه لا حجة له ولا دليل، فيضيع حقه ولا معين، وقد أشار -عليه الصلاة والسلام- إلى ذلك من حديث مطول: “… ولعل بعضكم الحن بحجته من بعض”- متفق عليه عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها.
وما يصدق على الأفراد يصدق على الجماعات وعلى الشعوب والأمم والدول .
من مظاهر الخلط بين الحق والباطل
شهادة الزور التي تعتبر من أكبر الكبائر، ولشهادة الزور مسميات متعددة منها: اليمين الغموس، وسميت بذلك لأنها تغمس صاحبها بالنار، واليمين الفاجرة وسميت بذلك لأن هذه اليمين تصل إلى أشد درجات الإثم فهي تؤدي إلى خراب الديار.
وهذه اليمين ليست لها كفارة لشدة إثمها، ولا مخرج من إثمها إلا بالتوبة النصوح وبإعادة الحقوق لأصحابها.
الخاتمة
ينبغي على المسلم أن يبتئس ولا ينقبض ولا يحزن حين يرى هذه الظواهر السلبية فهي تمثل الباطل الذي لا مناص من وجوده، وما وجوده إلا إختبار لايمان المسلم.
فالواجب عليه أن يحجّم الباطل وأن يحصره وان يقذفه بالايمان الصادق لينتصر الحق، والله سبحانه وتعالى يأخذ بيد أصحاب الحق إن حرصوا عليه والتزموا به ودافعوا عنه وصبروا عليه وضحّوا من أجله، وصدق الله العظيم إذ يقول: ” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ” –سورة الأعرف الآية 95.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين