حديث الجمعة الديني : “وجوب النصرة وتحريم الخذلان”
15 سبتمبر، 2016قال الله عزوجل ” وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ” -سورة التوبة (براءة) الاية 6. هذه الاية الكريمة من سورة التوبة (براءة ) مدنية، وفيها امر من الله سبحانه وتعالى لرسوله الامين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بأن يجير ويحمي اي شخص من المشركين، اذا استجار به وطلب الحماية منه، وان ينصحه ويسمعه كلام الله ثم ان يوصله الى بلده آمناً على نفسه وماله من غير خداع ولا غدر ولا خيانة، وان الهدف من شرح الاسلام لهم لانهم يجهلون حقيقة هذا الدين العظيم الذي يدعو الى الامن والامان والى العزة والكرامة والاطمئنان. وهذه اشارة الى حرص الاسلام على هداية البشرية وعلى حسن المعاملة وكرم الاخلاق والوفاء بالعهود والمواثيق والعقود. وهذه الاية الكريمة هي تشريع لجميع المسلمين في كل زمان ومكان. فكيف اذا كان المستجير مسلماً!
المعتصم والمرأة المستجيرة
ألم تقرأ في تاريخ الحضارة الاسلامية عن موقف الخليفة العباسي المعتصم بالله (هو محمد بن هارون الرشيد) وكانت وفاته 227 ه/ 840 م الذي لم يتوان ولم يتلكأ عن نصرة امرأة واحدة استنجدت واستجارت به بقولها: وامعتصماه، لان الروم قد اعتدوا عليها وأسروها في شمال العراق. انه المعتصم بالله الذي اقسم بالله ان يحررها وان يحرر الاسرى الذين وقعوا في قبضة الروم المعتدين، فجهز المعتصم جيشاً لجبا (كبيراً قويا ) وتوجه الى بلاد الروم لتأديب ملك الروم وقتئذ ولانقاذ هذه المرأة وسائر الاسرى من الاسر. وتمكن المعتصم من فتح مدينة عمورية (مسقط رأس ملك الروم ) وذلك سنة 232 ه/ 836 م والتي تقع في بلاد الاناضول بتركيا. ولما عاد المعتصم منتصراً الى مدينة سامراء استقبله المواطنون استقبالاً حافلاً عظيماً، وجاشت المشاعر الفياضة لدى الشاعر ابي تمام ونظم قصيدته البائية الشهيرة والتي مطلعها:
الســـــــيف اصـــــدق انبــــــاءً مــــــن الكتــــب في حدة الحد بين الجد واللعب
ويقول فيها مشيراً الى معركة عمورية:
يا يوم وقعة عمورية انصرفت منك المنى حفــــــــــلا معــــــــــــســــــــولة الــــــحلــــب
المؤمن للمؤمن
اننا نؤكد حقيقة ناصعة لا جدال فيها بأن المؤمن هو اخ للمؤمن احب ام كره، وان المسلمين جميعاً بمختلف ألوانهم واصولهم وقومياتهم يشكلون امة اسلامية واحدة ذات رسالة خالدة هي رسالة الاسلام. وهناك عشرات الايات الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة التي تصرح بذلك، واكتفي بالاستدلال بأربع آيات كريمة واربعة احاديث نبوية شريفة. فيقول سبحانه وتعالى:
1- “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ”- سورة آل عمران الاية 110
2- ” إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” – سورة الانبياء الاية 92
3- ” وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ” – سورة المؤمنون الاية 52 .
4- ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ “- سورة الحجرات الاية 10 .
ويقول رسولنا الاكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم:
1- “المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم ادناهم، ويرد عليهم اقصاهم، وهم يد على من سواهم” -رواه ابو داود والنسائي عن الصحابي الجليل الامام علي بن ابي طالب -كرم الله وجهه ورضي الله عنه-، كما رواه ابن ماجه عن الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.
2- “ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” – متفق عليه عن الصحابي الجليل النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
3- “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا “- متفق عليه عن الصحابي الجليل ابي موسى الاشعري رضي الله عنه.
4- “المسلم اخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحتقره “- متفق عليه عن الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. ورواه مسلم عن الصحابي الجليل ابي هريرة -رضي الله عنه-.
الخذلان والاذلال
اني اذ اسوق ثلاث ايات كريمة وثلاثة احاديث نبوية شريفة تتضمن تذكيرا للمسلمين بوجوب تحمل المسؤولية كما تتضمن تحذيرا من الخذلان والتقاعس عن نصرة المظلومين والمضطهدين. فيقول الله سبحانه وتعالى:
1- ” وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” – سورة الانفال الاية 72 ، وتفيد هذه الاية الكريمة بأن المسلمين اذا طلبوا النصرة والنجدة من اخوانهم يتوجب عليهم ان يلبوا النداء وان ينصروهم وان يقفوا الى جانبهم، الا اذا وجد عهد وميثاق مع الدول المعاهدة والمسالمة كما نصت الآية الكريمة، وعليه فلا يوجد عهد وميثاق مع الدول المحاربة والمعتدية.
2- ” يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” -سورة الشعراء الآيتان 88 و 89.
3- ” وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ” – سورة الصافات الاية 24 .
اما الاحاديث النبوية الشريفة فهي:
1- يقول رسولنا الاكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله عز وجل “وعزتي وجلالي لانتقمن من الظالم في عاجله واجله، ولأنتقمن ممن رأي مظلوما، فقدر ان ينصره، فلم ينصره “- رواه الطبراني في الكبير وفي الاوسط عن الصحابي الجليل عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-. وفي رواية (فلم يفعل ) بدلا من (فلم ينصره ) والمعنى واحد.
2- يقول عليه الصلاة والسلام “ما من امرىء يخذل مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته الا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته “- رواه ابو داود في سننه، والطبراني في الاوسط عن الصحابي الجليل ابي ايوب الانصاري -رضي الله عنه-.
3- يقول صلى الله عليه وسلم “من اذل عند قوم فلم ينصره، وهو يقدر ان ينصره، الا اذله الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة “- رواه احمد والطبراني عن الصحابي الجليل سهل بن حنيف -رضي الله عنه-، فان الله عز وجل سيذل من يتخلى عن نصرة اخيه فالاحاديث النبوية الشريفة صريحة وواضحة في التحذير من الخذلان وعدم النصرة،هذا وقد سبق لي ان اصدرت مؤخرا فتوى شرعية بهذا الخصوص.
الخاتمة
ان ديننا الاسلامي العظيم هو دين العقيدة والحضارة والعزة والكرامة، وهو يدعو الى الوحدة والتضامن والتكافل الاجتماعي، كما يدعو الى نصرة المظلوم والدفاع عن الضعيف والفقير والمسكين والمسحوق، والى حمايتهم وعدم خذلانهم او عدم التخلي عنهم، ويحرم الاسلام سفك الدماء وازهاق الارواح وقتل الابرياء، ويدعو الى اسعاد البشرية وليس الى ابادتهم، ويدعو ايضا الى الامن والامان والطمأنينة والسلام. وعلى المسلمين جميعا ان يقفوا صفا واحدا في وجه الظلم والعدوان ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ” سورة آل عمران الاية 103 . ” إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ “- سورة آل عمران الاية 160 .
فهل من مدكر؟؟ هل من متعظ؟؟
وصلى الله على سينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين