حديث الجمعة الديني : الإسلام ويوم العمال العالمي
15 سبتمبر، 2016لم يسبق للعمال في التاريخ الإسلامي أن قاموا بثورات ومظاهرات وإضرابات كما حصل مع العمال في البلاد الأوروبية والأميركية الذين طالبوا بحقوقهم ؟ هل كان العمال في الغرب يعيشون في جو من الحرية، حتى استطاعوا من خلالها التعبير عن آرائهم أكثر من العمال في المجتمع الإسلامي ؟ الإجابة: عن ذلك تتضح فيما يأتي:
الحقوق المهضومة: لقد سبق أن وقع على العمال في أميركا وفي أوروبا وفي الدول الغربية عامة الظلم والإجحاف، فقاموا نتيجة لذلك بعدة ثورات ومظاهرات وإضرابات وذهبت الآلاف من الأطفال والنساء والرجال ضحية لهذه الثورات، بهدف المطالبة بتحسين أحوالهم المعيشية السيئة وبرفع أجورهم اليومية، فقد كانت أجور العمال وقتئذ زهيدة، وساعات العمل طويلة، وخبرتهم الفنية ضعيفة.
ثورة 1887م العمالية
لقد كان رب العمل في البلاد الغربية يوظف النساء والصبيان بأجور أقل من أجور الرجال، بالإضافة إلى الإرهاب الذي كان ينزل على النساء والصبيان، من جلد بالسياط، وإرهاق في العمل، وسهر بالليل، وخاصة العمل بمناجم الفحم.
ونتيجة لهذا الظلم والتعسف من أصحاب العمل والمصانع انفجرت الثورات العمالية، لأن الضغط يولد الانفجار، إلى أن توصل العمال في الغرب إلى معظم مطالبهم وحقوقهم، وذلك عام 1887ميلادية من حيث تحديد ساعات العمل، ورفع الأجور اليومية، والضمان الاجتماعي، والتأمين الصحي، بعد إزهاق آلاف الأرواح، بالإضافة إلى الخسائر المادية، ومنذ ذلك التاريخ، أي من عام (1887م) والعالم الغربي يحتفي بيوم العمال العالمي في الأول من شهر أيار ” مايو ” 1 / 5 من كل عام، كما تحتفي المرأة الغربية بيوم المرأة العالمي في الثامن من آذار ” مارس ” 8 / 3 من كل عام بعد نضال مرير، حتى حصلت على حقوقها العمالية.
العمال في المجتمع الإسلامي
لم يحصل أن قام العمال في المجتمع الإسلامي الزاهر بثورات وإضرابات، لماذا؟ والجواب: من المعلوم بداهة أن الثورات تقوم عادة نتيجة وقوع الظلم والإجحاف أو الشعور بالظلم والإجحاف، وبما أن العمال في المجتمع الإسلامي الزاهر كانوا منصفين عمليا وحاصلين على حقوقهم سلفاً، فلا مبرر للثورات ولا للإضرابات، لأن ديننا الإسلامي العظيم جاء لإنصاف المواطنين جميع المواطنين: من عمال وغير عمال، ومن مسلمين وغير مسلمين، على حد سواء دون استثناء، فالعدل في الإسلام يشمل شرائح المجتمع جميعها بلا استثناء، ولا تعصب ولا عنصرية ولا محاباة ولا وساطات ولا محسوبية !!
والأهم من ذلك أن القوانين والأنظمة الإسلامية شرعت سلفاً ومسبقاً للعمال ولغير العمال، وعليه لا مبرر للعمال لأن يطالبوا بحقوقهم، فهي جاهزة لهم سلفاً، كما هي جاهزة لغيرهم من المواطنين.
دين المساواة
لا بد من التأكيد على أن ديننا الإسلامي العظيم هو دين المساواة، فلا يقف مع العمال ضد رب العمل، كما أنه لا يقف مع رب العمل ضد العامل، حيث لا يوجد في الإسلام أصلاً ما يعرف بالصراع الطبقي، ولا يعترف بهذا الصراع، وإنما وضع الاسلام أسساً عادلة وثابتة يسير العمال وأرباب العمل بموجبها، وإن كل مواطن يؤدي واجباته كما يأخذ حقوقه، دون مساس بواجبات وحقوق الآخرين، فالمجتمع كله وحدة واحدة، والله -سبحانه وتعالى- يقول: ” وَلَقَدِ كَرّمنا بَني آدَمَ ” سورة الإسراء- الآية70، ويقول الله -عزّوجل-أيضاً: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” سورة الحجرات- الآية13.
حقوق العامل في الإسلام
إن العامل في التاريخ الإسلامي الزاهر قد وجد القوانين والأحكام والأنظمة جاهزة أمامه، فالله -عزّوجل-هو خالق البشرية، وهو الذي أنزل إليها التشريع السماوي، وإن رب العالمين أعلم بخواص البشر وحاجاتهم ورغباتهم وطباعهم، كيف لا وهو الذي خلق الكون والحياة ! وعليه، فإن العامل خلال مراحل التاريخ الإسلامي قد حصل على حقوقه دون أن يثور، ودون أن تراق الدماء، كما حصل في أوروبا وأمريكا.
وبمعنى آخر لا مبرر للعامل لأن يثور أو يضرب…، وأشير إلى بعض القواعد والقوانين الإسلامية التي منحت للعامل:
1. ينبغي أن تكون الأجرة معلومة سلفاً قبل البدء بالعمل، وأن يوافق العامل على مقدار هذه الأجرة، لقول رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-:” وما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت ؟ فقال: نعم، كنت أرعى الغنم على قراريط لأهل مكة ” أخرجه البخاري وابن ماجه، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-، (القراريط: جمع قيراط وهو جزء من اثني عشر جزءاً من الدرهم)، وإن موضع الاستدلال هنا: هو أن الأجرة كانت معلومة، حتى ولو كانت زهيدة، وروى الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- نهى عن إستئجار الأجير حتى يبين له أجره، أخرجه أحمد في سنده، وموضع الاستدلال هنا: أن الأجرة ينبغي أن تكون واضحة حين استئجار الأجير، أي لا بد أن يكون هناك توافق وتراض حول الأجرة، فلا يجوز استئجار الأجير دون إبانة مقدار الأجرة.
2. أوجب الإسلام على رب العمل أن يدفع الأجرة كاملة للعامل دون أي نقص، فقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الله -سبحانه وتعالى- يكون خصماً لصاحب العمل إذا لم يوفِّ الأجير حقه، ففي الحديث القدسي الشريف، قال الله -عزّوجل-: ” ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خاصمته: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل إستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره ” أخرجه البخاري، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-، أي أن صاحب العمل قد أخذ جهد العامل، إلا أن العامل لم يأخذ أجرته مقابل عمله وجهده من رب العمل، فالله -سبحانه وتعالى- سيخاصم صاحب العمل لعدم إيفاء العامل أجرته.
3. لا يجوز التأخير والمماطلة في تسليم الأجرة للعامل، وإنما ينبغي تسليمها له حين الانتهاء من العمل مباشرة، للحديث النبوي الشريف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ” أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ” رواه ابن ماجه، عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- وموضع الاستدلال هنا: أن الرسول الأكرم محمد – صلى الله عليه سلم – يأمرنا بدفع الأجرة للأجير قبل أن يجف عرقه، وذلك كناية عن الإسراع بدفع الأجرة دون إبطاء ولا مماطلة ولا تسويف.
واجبات العامل
بالمقابل فإن الإسلام قد طالب العامل بواجبات، ينبغي القيام بها، وعليه أداؤها، فمنها: إتقان العمل، وعدم الغش والخداع، وأن يلتزم بالمواعيد المتفق عليها دون تأخير ولا إبطاء ولا مماطلة ولا تسويف، وأشير في هذا المقام إلى عدد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تتعلق بالموضوع وهي على النحو الآتي:
1. قال الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” إن الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ” رواه البيهقي في كتابه شعب الإيمان، وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-.
2. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ” من غشنا فليس منا “، وفي لفظ آخر: ” وليس منا من غش ” رواه مسلم وأبو داود والترمذي والبيهقي، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-.
3. قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” آية المنافق ثلاث – وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم -: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان ” متفق عليه، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-.
الخاتمة
نحن المسلمين، ليس لنا سوى عيدين اثنين هما: عيد الفطر السعيد، وعيد الأضحى المبارك، وما عدا ذلك يعدّ أياماً وذكريات ومناسبات مرتبطة بتاريخنا الإسلامي وأمجادنا…وحضارتنا الزاهرة، والله -تبارك وتعالى-يقول: ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ” سورة إبراهيم- الآية5 ، أما ما يسمى وما يطلق عليه عيد العمال، فهو أمر يتعلق بالنظام الرأسمالي، الذي ظلم العامل وأجحف بحق النساء والأطفال، في حين أن ديننا الإسلامي العظيم قد أنصف العامل بادئ ذي بدء، كما أنصف غيره من ابناء المجتمع الواحد، فالإسلام يكرم العامل ويكرم كل مواطن، وفي أيام السنة كلها، فهل من عودة إلى هذا الدين العظيم الذي هو دين العدل والمساواة، الذي ينصف الجميع ويحب الجميع.
والحمد لله على نعمة الإسلام
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاء آية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.