حديث الجمعة الديني: اليوم العالمي لمكافحة الفقر
23 سبتمبر، 2016يصادف السابع عشر من شهر تشرين الأول اليوم العالمي لمكافحة الفقر، حيث تحتفل به دول العالم سنوياً من خلال إقامة الفعاليات وتنظيم الأيام الدراسية، بهدف إيجاد أفضل السبل للقضاء على ظاهرة الفقر والبطالة، والحيلولة دون تفاقمهما في كثير من الأقطار، وبخاصة في أقطار العالم الثالث.
ولكن الذي نلاحظه في عالمنا اليوم، أن الغني يزداد غنى، وأن الفقير يزداد فقراً وذلك بسبب فشل النظام الرأسمالي الذي يقوم على نظرية الاقتصاد الحر، والذي يبيح الربا، لكنّ ديننا الإسلامي العظيم استطاع أن يعالج مشكلة الفقر بوسائل شرعية متعددة، ومنذ خمسة عشر قرناً.
موارد واجبة
1. الزكاة: التي هي ركن من أركان الإسلام، وهي واجبة على كل مسلم يملك نصاب المال، والله -تبارك وتعالى-يقول: ” إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ” سورة التوبة (براءة)- الآية60، والمراد بالصدقات هنا: فريضة الزكاة، ويقول رسولنا الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان ” متفق عليه، عن الصحابي الجليل ابن عمر -رضي الله عنهما-، والمعلوم أن الزكاة هي حق للفقير – دون تمنن ولا أذى من الأغنياء -، فيقول الله رب العالمين – جلّ جلاله -: ” وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ” سورة الذاريات- الآية19، ويقول الله -عزّوجل-: ” وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ” سورة المعارج – الآيتان 24و25. وإستطاع الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- أن يحقق الإكتفاء الذاتي في المجتمع من خلال أموال الزكاة، حتى إنه لم يجد من يأخذها في إحدى السنوات، وأقول: لو أن المسلمين الذين يملكون نصاب الزكاة في العالم يخرجون زكاة أموالهم في هذه الأيام لما وجدنا فقيراً واحداً في المجتمع.
2. النذور: تعد النذور من الوسائل المشروعة في تحقيق التكافل الاجتماعي، كأن يقول المسلم: لله علي أن أتصدق على الفقراء في كل أسبوع بعشرة دنانير، فالوفاء في النذر واجب، والله -تعالى- يقول: ” وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ” سورة الحج- الآية29، ويقول رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ” أخرجه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة ومالك، عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: ” النذر يمين، وكفارته كفارة يمين ” أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي، عن الصحابي الجليل عقبة بن عامر -رضي الله عنه-.
3. الكفارات: تعد الكفارات من الوسائل المشروعة، ومن الموارد المالية التي شرعت لصالح الفقراء والمساكين، وهي متعددة، منها:
أ. كفارة اليمين، فيقول الله -العلي القدير-: ” فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ” سورة المائدة- الآية89.
ب. كفارة من يفطر عمداً في رمضان، وكفارته إطعام ستين مسكيناً عن كل يوم إذا لم يستطع أن يصوم ستين يوماً، وثبت ذلك من خلال السنة النبوية المطهرة.
ج. كفارة من يقتل الصيد وهو محرم متعمداً، فيقول الله -عزّوجل-: ” أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ” سورة المائدة- الآية95.
د. كفارة من يفطر في رمضان لمرض أو شيخوخة ولا يستطيع القضاء، فيقول الله -سبحانه وتعالى-: ” فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ” سورة البقرة- الآية184.
هـ. كفارة من يحلق رأسه في الإحرام بالحج، فيقول الله -عزّوجل-: ” فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ” سورة البقرة- الآية196.
و. كفارة الظهار، فيقول الله -تبارك وتعالى-: ” فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ” سورة المجادلة- الآية4.
4. الأضاحي: قال الله -تعالى- : ” فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ” سورة الكوثر- الآية2، والمراد بالصلاة هنا: صلاة عيد الأضحى المبارك، والمراد بالنحر هنا تقديم الأضاحي، والمعلوم أن الأضحية هي واجبة على كل مسلم مقتدر في كل عام، ولا بد من توزيع ثلث الأضحية على الأقل للفقراء والمساكين.
5. صدقة الفطر: تؤدى خلال شهر رمضان المبارك وقبل أداء صلاة عيد الفطر السعيد، فرض رسول الله -عليه الصلاة والسلام- زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعا من شعير على العبد الحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين ” رواه البخاري ومسلم، عن الصحابي الجليل عبد الله ابن عمر -رضي الله عنهما- أو يجوز إخراج صدقة الفطر نقداً، وهو الأنفع للفقير.
موارد تطوعية
وهناك موارد مالية تطوعية لصالح الفقراء والمساكين والمحتاجين، نذكر منها ما يأتي:
1. الوقف: هناك وقف خيري عام ووقف ذري عائلي، وكلا النوعين من الوقف يُعدّ من الصدقات المندوبة التطوعية، وفي غالبها يوجه إلى الفقراء والمساكين، والمعلوم أن مجالات الوقف واسعة وشاملة في البر والخير والإحسان، من بناء للمساجد والمستشفيات والمدارس ودور العلم، والإنفاق على طلاب العلم من الفقراء والمحتاجين، وكذلك إقامة دور للأيتام ودور للعجزة والمسنين.
هذا، ويعد الوقف من الصدقات الجارية، لقول رسولنا الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ” أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأحمد والبيهقي، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-.
2. الوصية: هناك الوصية الواجبة التي تكون من حق الحفيد عن جده حال وفاة الأب في حياة الجد، وهناك الوصايا التطوعية، فالله -سبحانه وتعالى- يقول:
” كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ” سورة البقرة- الآية180.
3. وهناك الوصايا التطوعية في مجال البر والخير والإحسان، وتكون في غالبها لطلاب العلم من الفقراء والمساكين والمحتاجين.
4. التبرعات والصدقات غير الواجبة: ومجالها واسع وشامل، وتعتمد على حب الإنسان للخير والعطاء.
5. التوازن في المجتمع يحرص الإسلام كل الحرص على إيجاد التوازن الاقتصادي في المجتمع، بحيث يضع ضوابط للنماء والغنى، كما يحاول رفع مستوى شريحة الفقراء في المجتمع، بحيث يلغي التفاوت بين الطبقات، فلا نتصور في المجتمع الإسلامي الغنى الفاحش ولا الفقر المدقع، لأن الغنى الفاحش لا يكون نتيجة الكسب الحلال وإنما يكون من خلال وسائل محرمة، نشير إلى بعضها على النحو الآتي:
1. الربا الذي حرمه الإسلام وعده من الكبائر، والله -سبحانه وتعالى- يقول: ” وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ” سورة البقرة- الآية275، ويقول رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله، وما هن ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ” متفق عليه، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-.
2. الغش: لقد نهى الإسلام عن الغش في المعاملات وفي غيرها، فيقول رسولنا الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” من غشنا فليس منا ” أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-.
3. الاحتكار: لقد نهى الإسلام عن احتكار السلع لرفع الأسعار، فيقول رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” لا يحتكر إلا خاطئ ” أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي، عن الصحابي الجليل معمر بن عبد الله -رضي الله عنه-، وإسناده صحيح.
4. النهي عن التطفيف والتلاعب في الكيل والميزان، فيقول الله -عزّوجل-:” وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ.الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ.وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ” سورة المطففين – الآيات 1- 3.
والفقراء نوعان:
1. فقراء معوزون نتيجة المرض أو كبر السن، أو أنهم أصحاب عائلات كثيرة العدد بحيث يكون دخلهم المالي أقل من المصاريف المطلوبة منهم، وفي هذه الحالات لا بد من مساعدتهم والأخذ بأيديهم.
2. فقراء كسالى لا يعملون، فهؤلاء لا يستحقون تقديم المساعدات لهم، وإنما يلزمون بالعمل، وعلى الدولة أن توفر لهم أسباب العمل والإنتاج، وقد حث الإسلام على العمل، فيقول الصحابي الجليل رافع بن خديج -رضي الله عنهما-: ” إن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل أي الكسب أطيب ؟ قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور ” أخرجه أحمد والحاكم والطبراني وإسناده صحيح، وقال رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أيضاً: ” لأن ياخذ أحدكم حبله فياتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسال الناس أعطوه أو منعوه ” أخرجه البخاري عن الصحابي الجليل الزبير بن العوام -رضي الله عنه- وأخرجه مسلم عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-.
هكذا عالج الإسلام مشكلة الفقر، كما يعالج جميع القضايا الاقتصادية في المجتمع السليم.
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التآويل وارزقنا اليقين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.