حديث الجمعة الديني : النية في الشروع بالحج
23 سبتمبر، 2016قال تعالى “ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً” سورة آل عمران، الآية 97. لا تزال قوافل حجاج بيت الله الحرام تتوجه شطر البيت الحرام، إنهم يتوجهون من بلاد مباركة مقدسة إلى بلاد مباركة مقدسة، من بيت المقدس وأكناف بيت المقدس إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، إن ضيوف الرحمن يتطلعون شوقاً إلى الكعبة المشرفة وتهفو قلوبهم لزيارة قبر رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم.
أخي الحاج، ينعقد الإحرام للحج بالنية والتي محلها القلب، وهذا عند جمهور الفقهاء “المالكية والشافعية والحنابلة”، أما عند الحنفية فلا بد من أن تقترن النية بقول أو بفعل له علاقة مباشرة بالإحرام مثل: التلبية أو التجرد من الملابس المخيطة. والإحرام: هو تجرّد الرجال من الملابس المخيطة والامتناع عن الطيب، ونحو ذلك من محظورات الإحرام، وأن يضع على جسمه قطعتين من القماش غير مخيطتين: تعرف القطعة الأولى بالرداء وذلك للجزء الأعلى من الجسم، وتعرف القطعة الأخرى بالإزار وذلك للجزء الأسفل من الجسم، ويستحب أن تكون ملابس الإحرام بيضاء نظيفة.
أما إحرام المرأة فيكون بكشف الوجه والكفين فقط، وتبقى في ملابسها الساترة للجسم كله باستثناء الوجه والكفين كما ذكرنا. أما وقت الإحرام فيبدأ من شهر شوال حتى العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، فمن توجه إلى مكة في شهر شوال بنية الحج فيمكنه أن يحرم من ذلك التاريخ، أما من توجه إلى مكة قبل شهر شوال فلا يعد إحرامه لفريضة الحج وإنما ينوي العمرة فقط.ولا يجوز تجاوز الميقات إلا محرماً، ويجوز الإحرام في الطائرة قبل الوصول إلى الميقات، ويجوز أيضاً الإحرام للحاج من بيته أو في بيت المقدس، هذا ويستحب الإحرام من المسجد الأقصى المبارك قبل الوصول إلى الميقات لقول رسولنا الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- “من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى غفر له ما تقدم من ذنبه” رواه أبو داود والبيهقي عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها.
هذا ويسن الجهر بالنية أي النطق بها باللسان لما روى الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “لبيك بحج وعمرة” رواه مسلم، للدلالة على أنه يستحب النطق بالنية بالإضافة إلى ما يستقر بالقلب.
ماذا ينوي الحاج؟
أمام الحاج ثلاث صيغ من النيات ينبغي عليه أن يختار إحداها حين الإحرام كما ينبغي عليه أن يدرك ماذا سيترتب على ذلك من أحكام شرعية عملية، وهذه النيات على النحو الآتي:
1_ النية بالتمتع: وذلك بأن ينوي الحاج أداء العمرة أولاً فيقول حينما يحرم من الميقات أو قبل وصوله إلى الميقات “اللهم إني نويت العمرة فيسّرها لي وتقبّلها مني” ويسمى الحاج متمتعاً فإذا وصل مكة المكرمة أدى مناسك العمرة: الطواف حول الكعبة، والسعي بين الصفا والمروة وحلق الشعر أو التقصير، ويتحلل ويلبس المخيط، وترفع عنه المحظورات، وفي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة ويسمى يوم التروية، يحرم الحاج مرة أخرى ناوياً الحج فيقول “اللهم إني نويت الحج فيسّره لي وتقبله مني”، ويحرم الحاج من مكان التنعيم “والمعروف بمسجد عائشة” وهو ميقات أهل مكة ويدخل مكة محرماً، ويجوز له أن يحرم من مكان إقامته في مكة، ثم يؤدي مناسك الحج: الوقوف بعرفة، السعي بين الصفا والمروة، الطواف حول الكعبة “المعروف بطواف الإفاضة” ورمي الجمرات في منى، وآخر عمل يقوم به الحاج هو طواف الوداع، والملاحظ أنّ الذي ينوي التمتّع يحرم مرتين، ويتحلل بينهما، لذا سمي الحاج بالمتمتع ويلزمه الهدي أيام عيد الأضحى المبارك، مع الإشارة إلى أن الهدي غير الفداء: فالهدي هو الذبح الواجب إذا كان الحاج متمتعاً أو قارناً، أما الفداء فهو الذبح الواجب على الحاج جزاء تقصيره بواجب من واجبات الحج أو جزاء ارتكابه لمحظور من محظورات الإحرام، وذلك لجبر التقصير أوالتعويض عنه.
2_ النية بالقران: وذلك بأن ينوي الحاج بالجمع بين أداء الحج والعمرة معاً مقترنين بإحرام واحد فيقوم بأعمال الحج والعمرة، ويسمى الحاج قارناً، وينوي حين الإحرام يقوله “اللهم إني نويت الحج والعمرة فيسّرهما لي وتقبّلهما مني” فبعد وصوله مكة محرماً يقوم بأداء مناسك العمرة أولاً ويبقى محرماً ثم يشرع في أعمال الحج في مواعيدها المحددة. ويجوز للحاج القارن أن يطوف طوافاً واحداً وأن يسعى سعياً واحداً، أي أن يدمج أعمال العمرة والحج معاً، ويلزمه الهدي أيضاً أيام عيد الأضحى المبارك كالحاج المعتمر.
3_ النية بالإفراد: هو أن يؤدي الحاج مناسك الحج دون العمرة فحين يحرم يقول: “اللهم إني نويت الحج فيسّره لي وتقبّله مني” ويسمى الحاج مفرداً لأنه يؤدي مناسك الحج فقط ولم يؤد العمرة، ولا يلزمه في هذه الحالة تقديم الهدي، هذا ويمكن للذي ينوي الإفراد أن يؤدي العمرة بعد أيام عيد الأضحى المبارك أي بعد الانتهاء من مناسك الحج، حينئذ يحرم من جديد ويقوم بالطواف والسعي، وهناك توهم خاطىء لدى بعض الناس مفاده: أنّ زيارة مسجد عائشة في التنعيم تسدّ مسدّ العمرة!! وهذا توهم خاطىء وغير صحيح من الناحية الشرعية، فالعمرة يلزمها الإحرام والطواف والسعي، وحين يحرم المعتمر فإنه يحرم من مسجد عائشة في التنعيم الذي هو ميقات أهل مكة، أو يحرم من مكان إقامته وسكنه في مكة.
أيها أفضل بالنسبة للحاج؟
أرى أنه من الأفضل والأيسر والأثوب للحاج أن ينوي التمتع حين الإحرام، وبخاصة للحاج الذي يأتي من بلاد بعيدة، وذلك حتى يعطي العمرة حقها فيؤديها بشكل مستقل، كما يعطي مناسك الحج حقها ويقدم الهدي، هذا من حيث الثواب، أما من حيث اليسر والسهولة فإن مناسك العمرة لا يستغرق سويعات ثم يحلق الشعر أو يقصر ويتحلل ويلبس المخيط، ويمكنه أن ينظف نفسه من وعثاء السفر ويغتسل دون تحرز، وترفع عنه جميع المحظورات، ويبقى متحللاً حتى اليوم الثامن من ذي الحجة (وهو يوم التروية) فيحرم مرة أخرى وينوي للحج ويؤدي مناسكه، وبهذا نفتي، والله تعالى أعلم.
أداء الحج مرة أخرى
هناك أناس سبق لهم أن أدوا فريضة الحج ويرغبون في تكرار أداء الحج تطوعاً المرة تلو المرة، مما يزيد في عدد الحجاج، ويترتب على ذلك وجود الازدحام والمزاحمة في مواقع المناسك، بحيث لا يستطيع الحاج تأدية المناسك على الوجه المطلوب، وأحياناً يؤدي التكرار والتعدد إلى حرمان أولئك الذين لم يسبق لهم أن أدوا الفريضة من تأديتها!! فيا ترى على من يقع إثم التعطيل والحرمان؟ ومن يتحمل مسؤولية ذلك؟ وكيف نعالج هذه الظاهرة التي تتحكم في أولئك الذين يكررون الحج بغض النظر عن هدف التكرار: هل دافعه ديني أم دنيوي؟
للإجابة عن ذلك: أتصور أن المسؤولية تقع أولاً على الشخص الذي يكرر الحج، فإن تكراره يؤدي إلى بلبلة واضطراب في التسجيل للحج، ويؤدي إلى ازدحام في أماكن المناسك، كما تقع المسؤولية ثانياً على أولي الأمر في شؤون الحج، لأن الأصل هو إعطاء الأولوية لمن لم يسبق له أن أدى فريضة الحج وهي في حقه حجة الإسلام، ثم ينظر بعد ذلك إن وجد متسع أم لا، وبخاصة بعد أن تم تحديد الأعداد التي يسمح لهم بالحج من كل قطر، وعليه فإن من يكرر أداء الحج ويكون سبباً في حرمان غيره ممن لم يحج مطلقاً فإنه يكون آثماً، وهذا نميل إليه ونفتي به، والله تعالى أعلم.
وسؤال آخر: ما الأفضل والأولى أن يقوم الشخص بالحج التطوعي (أي يكرر أداء الحج) أم يتبرع بنفقات الحج إلى مؤسسة خيرية إسلامية لينتفع بتبرعه أكبر عدد ممكن من الأيتام والمحتاجين؟
والجواب: إن الأفضل والأولى أن تدعم المشاريع الخيرية التي تعود بالنفع على المجتمع بدلاً من الحج التطوعي، وبخاصة إذا نظرنا إلى الأوضاع الصعبة التي يمر بها شعبنا الصابر المرابط.
بالإضافة إلى أن زيادة عدد الحجاج تؤدي إلى مضايقة وإزعاج أولئك الذين يحجون لأول مرة، والذين هم بحاجة إلى الجو المناسب لتأدية المناسك على أفضل وجه، وهذا ما نميل إليه ونفتي به، والله تعالى أعلم.
وأخيراً نتمنى لحجاج بيت الله الحرام حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً وتجارة لن تبور، وعودة حميدة إلى ديارهم سالمين إن شاء الله.
اللهم فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وارزقنا اليقين.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.