حديث الجمعة الديني : الذبيح اسماعيل- الحلقة الأولى
23 سبتمبر، 2016لقد منّ الله سبحانه وتعالى على سيدنا ابراهيم عليه السلام بمولوده البكر (اسماعيل ) من زوجته الثانية هاجر، وكان ذلك في بلاد مصر، في حين لم تلد زوجته الاولى (سارة ) بمولود وقتئذ، وتدبّ الغيرة في الزوجة الاولى فيأمر الله عزوجل سيدنا ابراهيم عليه السلام بالرحيل الى مكة مع زوجته الثانية (هاجر ) وابنها اسماعيل فيقول سبحانه وتعالى على لسان ابراهيم “رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” سورة ابراهيم الاية 37 .
ماء زمزم
كان ابراهيم -عليه السلام – يتنقل ما بين مصر وفلسطين ومكة، ويترك هاجر وابنها اسماعيل لوحدهما في مكة. وحصل ان نفذ ما في الجراب من تمر وجفّ السقاء، وانطلقت هاجر من مكانها باحثة عن الماء لابنها اسماعيل الذي اخذ يتلوى ويتألم من شدة الجوع والعطش فصعدت جبل الصفا لتشرف على الوادي علها تجد من يساعدها، ولكن لا حياة في ذلك المكان، وهبطت ثانية الى الوادي وهرولت حتى اتت الى موقع (المروة ) وعرجت على السفح علها تشاهد احداً تستعين به ولكن لا احد!! وكررت الصعود والهبوط سبع مرات في سبيل الحصول على ماء او طعام لابنها الوحيد حتى تهالكت على الصخور منهوكة القوى. من هنا جاءت الحكمة من ان السعي بين الصفا والمروة في الحج سبعة اشواط- ووضعت هاجر يديها على اذنيها لانها لم تعد تحتمل سماع انات طفلها وبينما هي في هذا الكرب وهذه الشدة لاح شعاع من رحمة الله رب العالمين وكادت لا تصدق حين ابصرت نبعاً من الماء، ماء زمزم، يفيض تحت قدمي الطفل الرضيع اسماعيل، وسمي الماء ب (زمزم ) لان هاجر كانت تجمع الماء وتزمه لشدة تدفعه، انها معجزة ربانية أكرم الله بها هاجر وابنها اسماعيل. ومن مظاهر الاعجاز ان نبع الماء لا يزال يفيض منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا دون انقطاع وشرب منه الملايين الملايين من المسلمين. وسيبقى هذا النبع فياضاً الى يوم القيامة اكراماً لاسماعيل وللارض المباركة واستجابة لدعاء سيدنا ابراهيم عليه السلام فإن افئدة من الناس تهوي الى هذا المكان الذي هو عبارة عن واد غير ذي زرع ولا ثمر عند البيت المحرم، واذا بالقوافل تأتي افواجاً افواجاً متتالية الى المكان الذي اصبح عامراً بالناس. وشبّ اسماعيل عليه السلام في احضان امه بمكة، وكان ابراهيم عليه السلام يزورهما بين الفينة والاخرى.
الذبح والاختبار
تأتي قصة الذبح والفداء والاختبار لابراهيم واسماعيل عليهما السلام كما هو اختبار لهاجر ام اسماعيل، فان ابراهيم عليه السلام قد رأى في منامه ان الله عز وجل يأمره ان يقدم ابنه الوحيد اسماعيل قربانا لله تعالى. وهل يوجد اختبار اشد من ان يؤمر الاب بذبح ابنه؟! فيستجيب الاب الذي تجاوز من العمر التسعين سنة وكذلك الابن للامر الرباني رغم محاولة الشيطان اغواء ابراهيم واسماعيل وهاجر، كل على حده، فيقول الشيطان لابراهيم: هذا ابنك الوحيد لا تذبحه وان الرؤيا المنامية غير صحيحة. ويقول الشيطان لاسماعيل: لا تطع والدك فانه لا يوجد امر من الله بذبحك. ويقول الشيطان لهاجر: كيف تسمحي لزوجك بذبح ابنك الوحيد؟ فيرمي ابراهيم واسماعيل وهاجر الشيطان بالحصى ومن هنا جاءت الحكمة من رمي الجمرات في موسم الحج في المكان الذي حاول الشيطان اغواءهم فشرعت رمي الجمرات: الكبرى والوسطى والصغرى ففشل الشيطان (ابليس) في مهمته الهدامة.
النجاح الايماني
لقد ثبت ابراهيم واسماعيل عليهما السلام في موقفهما الايماني وذلك بالتسليم لامر الله، لان رؤيا الانبياء وفي المنام هي صدق وليست اوهاما، فاقتاد ابراهيم ولده الحبيب الوحيد اسماعيل الى الجبل لينفذ امر الله رب العالمين وذلك في منطقة رمي الجمرات. فوضع ابراهيم جبين اسماعيل على الارض (المراد بالجبين) : صفحة الوجه اي جانب الوجه. اما الجبهة فهي مقدمة الوجه اي ما بين الشعر والحاجبين (كما توضع الشاة حين الذبح) وفي يده الاخرى سكين حادة. وفي اللحظة التي اقتربت السكين من عنق اسماعيل تتحقق المعجزة الربانية فينزل كبش من السماء فداء لاسماعيل، ويتوقف ابراهيم عن ذبح ابنه. ويذبح الكبش فاقتضت الحكمة الالهية ان يفديه بذبح عظيم، وقد ذكر القرآن الكريم هذه الحادثة بايجاز بليغ فصيح محكم فيقول رب العالمين في سورة الصافات: ” فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ . فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ” الايات 102- 107. وصارت الاضاحي في الاسلام مشروعة مسنونة في كل سنة تؤدي بعد صلاة عيد الاضحى المبارك – عيد التضحية والفداء، مصداقا لقوله عز وجل “فصل لربك وانحر “. سورة الكوثر الاية 2. فالصلاة هنا : صلاة عيد الاضحى المبارك. والنحر هنا: هو نحر الاضاحي.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.