حديث الجمعة الديني : دروس من بدر
23 سبتمبر، 2016انها ذكرى عظيمة من ذكريات شهر رمضان المبارك .. ذكرى غزوة بدر الكبرى التي وقعت في السابع عشر من شهر رمضان المبارك للسنة الثانية للهجرة / 623 للميلاد، والتي تعد اول غزوة في التاريخ الاسلامي والتي كان سببها اعتداءات وتحرشات من قبل مشركي مكة وان المسلمين لم يكونوا مخططين لهذه الغزوة، ولكن فرضت عليهم فرضا، فكانوا أهلا لتحمل المسؤولية، والمعلوم بداهة ان هذه الغزوة كانت لها الاثار الايجابية العظيمة للاسلام والمسلمين، ولا داعي للسرد التاريخي لهذه الغزوة فهي مبسوطة ومشروحة في كتب السير والتاريخ والحضارة، ويمكن الرجوع اليها لمن يرغب في الاطلاع والاستزادة. وانما اورد في هذه العجالة ان اذكر بعض الدروس المستفادة من هذه الغزوة، وهي كما يأتي:
اولا: الشورى
لقد برز مبدأ الشورى عمليا وعلى أرض الواقع وذلك حينما لاحظ الصحابي الجليل الحباب بن المنذر الانصاري رضي الله عنه، الذي كان مشهورا بصواب الرأي، ان المسلمين قبيل معركة بدر قد عسكروا في مكان منخفض من اراضي منطقة بدر، وان ها الموقع لا يصلح للقتال من الناحية الفنية العسكرية، فقال الحباب: يا رسول الله، اهذا منزل انزلك الله ليس لنا ان نتقدم عنه او نتأخر ام هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: الحباب: يا رسول الله، ليس لك هذا منزل، أي ان هذا الموقع غير مناسب، فانهض بالناس حتى تأتي اقرب ماء من القوم، فقال عليه الصلاة والسلام: لقد اشرت بالرأي، وعلى ضوء ذلك عسكر المسلمون في المكان الاستراتيجي المناسب الذي اقترحه الحباب، وهكذا فالاسلام العظيم يأخذ بمبدأ الشورى بل اوجب الشورى في شؤون الدولة كلها فيقول الله عز وجل مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم ” وشاورهم في الامر ” سورة آل عمران الاية 159، ويقول سبحانه وتعالى في آية اخرى ” وأمرهم شورى بينهم ” سورة الشورى الاية 38، كما توجد في القرآن الكريم سورة خاصة باسم ” سورة الشورى ” وهذه الشورى العملية الواقعية التي يفتقر اليها كثير من الانظمة القائمة في العالم العربي الاسلامي في هذه الايام!!
ثانيا: الاعتماد على النفس
بعد الله لقد برز وتبلور الاعتماد وعلى النفس وذلك ما حصل قبيل معركة بدر، حين توجه رسولنا الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم بالدعاء الى الله رب العالمين قائلا: اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها تحاول ان تكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني . اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد .. ومعنى ” العصابة ” الجماعة، وكان عليه الصلاة والسلام رافعاً يديه الى السماء مستقبلا القبلة ملحا في الدعاء حتى سقط رداؤه عنه، فكان توجه رسولنا الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم الى الله العلي القدير اولا طالبا منه العون والتوفيق والنصر والتأييد والفلاح والنجاح، ثم اعتمد ثانيا على نفسه ضمن الامكانات المحدودة المتوفرة لديه وقتئذ، فلم يتوجه للفرس ولا للروم ليطلب المساعدة منهم أي لم يكن عليه الصلاة والسلام، تابعا لأي من الدولتين الكبيرتين حينئذ، ولم يتذلل منهما كما لم يتنازل عن أي حق من حقوقه المشروعة.
ثالثا: الصراع العقدي
لقد تبلور الصراع العقدي في معركة بدر الكبرى بين الايمان والشرك، بغض النظر عن صلة القرابة او الحسب او النسب، لقد كان الابن في صف المسلمين مقابلة الاب في صف المشركين وبالعكس فها هو الصحابي الجليل ابو عبيدة عامر بن الجراح امين هذه الامة رضي الله عنه في صف المسلمين في حين كان والده في صف المشركين. وكان الصحابي الجليل ابو بكر الصديق رضي الله عنه في صف المسلمين في حين كان احد ابنائه في صف المشركين ويظهر الصراع في قمته وفي اوجه حين يلاحق الصحابي الجليل بلال بن رباح الحبشي رضي الله عنه امية بن خلف، احد زعماء قريش المشركين الى ان سقط امية جريحا ثم قتيلا . والمعلوم ان بلالا كان عبدا لدى امية، وكان امية يعذبه حينما اسلم، وكان بلال يردد وقتئذ احد احد. كما كان الصحاب يالجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من ضعفاء المسلمين يتابع ابا جهل ” احد زعماء قريش المشركين في هذه المعركة، وذلك حينما وقع ابو جهل على الارض مثخنا بالجراح من ضربات غلامين اثنين من غلمان الانصار قيأتي عبد الله بن مسعود، الذي كان راعياً للغنم لدى ابي جهل فيقف على صدر سيده الذي كان يضطهده ويظلمه ويحقره!! فيصحو ابو جهل من اغمائه ويقول: لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا ابن مسعود: لمن الدائرة اليوم؟ فيجيبه ابن مسعود الاجابة الايمانية: الدائرة لله ورسوله، ثم يجهز عليه
رابعاً : المساواة بين القائد وجنده
لقد تبلورت المساواة العملية والواقعية بين القائد وجنده بأن وقف رسولنا الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة رضوان الله عليه في مقدمة معركة بدر ولم يتخلفوا من الواجب، ولم يختبؤا في يبوتهم ولم يجلسوا في بروج عاجية، وسبق ان بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم في تعديل وترتيب الصفوف قبيل معركة بدر فشاهد احد الصحابة، وهو سواد بن غزية رضي الله عنه قد خرج من الصف فوخرة بقضيب كان بيده، وقال له: استقم يا سواد، فقال سواد: اوجعتني يا رسول الله، وقد بعثت بالحق والعدل فأقدني من نفسك، أي اريد ان اقتص منك بسبب ضربك لي، فكشف الرسول صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال عليه الصلاة والسلام لسواد: استقد يا سواد، ولم يغضب منه ولم يعتقله!! فما كان من سواد الا ان عانق الرسول صلى اللع عليه وسلم وقبل بطنه، فقال ” عليه الصلاة والسلام”: ما حملك على ذلك يا سواد؟ فقال: يا رسول الله. قد حصل ما ترى، فأردت ان يكون آخر العهد ان يمس جلدي جلدك، فدعا له بخير، ونال سواد الشهادة في معركة بدر. فهذه هي المساواة الايمانية الصادقة العملية الواقعية.
خامساً: الانضباطية والطاعة للقائد
من مميزات معركة بدر ان كان الجند منضبطين لاوامر القائد والالتزام بها وعدم مخالفتها عملاً بقوله سبحانه وتعالى: يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله ورسوله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر، ذلك خيرا واحست تأويلا ” سورة النساء الاية 59، وبقوله عز وجل في آية أخرى ” واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا ان الله مع الصابرين” سورة الانفال الاية 46 ،والطاعة تنبع من التصديق والايمان والمعلوم انه حينما لم يلتزم بعض الصحابة رضي الله عنهم بأوامر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في معركة أحد ” التي وقعت في السنة الثالثة للهجرة / 624 للميلاد ” كانت الهزيمة المتوقعة، وهذه سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا
الخاتمة
هذه باقة من الدروس المستفادة في معركة بدر الكبرى عرضناها بايجاز بهدف العظة والعبرة والتذكير ” فإن الذكرى تنفع المؤمنين ” سورة الذاريات الاية 55 . وقل رب زدني علماً ” . سورة طه الاية 114 ، وقل رب اغفر وارحم وانت خير الراحمين ” سورة المؤمنون الاية 109 .
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل وارزقنا اليقين.
وتقبل الله الطاعات.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.