حديث الجمعة الديني : حقوق العمال وواجباتهم
23 سبتمبر، 2016لماذا لم يسبق للعمال في التاريخ الاسلامي ان قاموا بثورات ومظاهرات واضرابات كما حصل مع العمال في البلاد الاوروبية والأمريكية، الذين طالبوا بحقوقهم؟ هل كان العمال في الغرب يعيشون في جو من الحرية حتى استطاعوا من خلالها التعبير عن آرائهم اكثر من العمال في المجتمع الاسلامي؟ للاجابة: عن ذلك يتضح فيما يأتي:
الحقوق المهضومة
لقد سبق ان وقع على العمال في اميركا وفي اوروبا وفي الدول الغربية عامة الظلم والاجحاف فقاموا نتيجة لذلك بعدة ثورات ومظاهرات واضرابات وذهبت الالاف من الاطفال والنساء والرجال ضحية لهذه الثورات، بهدف المطالبة بتحسين احوالهم المعيشية السيئة وبرفع أجورهم اليومية، فقد كانت اجور العمال وقتئذ زهيدة وساعات العمل طويلة وخبرتهم الفنية ضعيفة.
ثورة 1887 م العمالية
لقد كان رب العمل في البلاد الغربية يوظف النساء والصبيان بأجور اقل من اجور الرجال بالاضافة الى الارهاب الذي كان ينزل على النساء والصبيان من جلد بالسياط وارهاق في العمل وسهر بالليل، وخاصة العمل بالمناجم والفحم. ونتيجة لهذا الظلم والتعسف من اصحاب العمل والمصانع انفجرت الثورات العمالية لأن الضغط يولد الانفجار، الى ان توصل العمال في الغرب الى معظم مطالبهم وحقوقهم وذلك عام 1887م من حيث تحديد ساعات العمل ورفع الاجور اليومية والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي بعد ازهاق الاف الارواح بالاضافة الى الخسائر المادية ومنذ ذلك التاريخ (اي من عام 1887 ) والعالم الغربي يحتفي بيوم العمال 1/ 5 اي الاول من شهر أيار «مايو » من كل عام كما تحتفي المرأة الغربية بيوم المرأة 8/ 3 اي الثامن من آذار «مارس » من كل عام بعد نضال مرير حتى حصلت على حقوقها العمالية.
العمال في المجتمع الاسلامي
لم يحصل ان قام العمال في المجتمع الاسلامي الزاهر بثورات واضرابات، لماذا؟ والجواب: من المعلوم بداهة ان الثورات تقوم عادة نتيجة وقوع الظلم والاجحاف او الشعور بالظلم والاجحاف، وبما ان العمال في المجتمع الاسلامي الزاهر كانوا منصفين عمليا وحاصلين على حقوقهم سلفا فلا مبرر للثورات ولا للاضرابات لأن ديننا الاسلامي العظيم جاء لانصاف المواطنين: جميع المواطنين من عمال وغير عمال، ومن مسلمين وغير مسلمين، على حد سواء دون استثناء، فالعدل في الاسلام يشمل شرائح المجتمع جميعها بلا استثناء، ولا تعصب ولا عنصرية ولا محاباة ولا وساطات ولا محسوبية!! والأهم من ذلك ان القوانين والانظمة الاسلامية شرعت سلفا ومسبقا للعمال ولغير العمال، وعليه لا مبرر للعمال لأن يطالبوا بحقوقهم فهي جاهزة لهم سلفا كما هي جاهزة لغيرهم من المواطنين.
دين المساواة
لا بد من التأكيد على ان ديننا الاسلامي العظيم هو دين المساواة فلا يقف مع العمال ضد رب العمل، كما انه لا يقف مع رب العمل ضد العامل، حيث لا يوجد في الاسلام اصلا ما يعرف بالصراع الطبقي، ولا يعترف بهذا الصراع، وانما وضع الاسلام اسسسا عادلة وثابتة يسير العمال وارباب العمل بموجبها، وان كل مواطن يؤدي واجباته كما يأخذ حقوقه دون مساس بواجبات وحقوق الآخرين فالمجتمع كله وحدة واحدة والله سبحانه وتعالى يقول: “ولقد كرمنا بني آدم ” -سورة الاسراء الاية 70 ، ويقول عز وجل ايضا: “يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم، ان الله عليم خبير ” سورة الحجرات الاية 13 .
حقوق العامل في الاسلام
ان العامل في التاريخ الاسلامي الزاهر قد وجد القوانين والاحكام والانظمة جاهزة امامه، فالله عز وجل هو خالق البشرية وهو الذي انزل اليها التشريع السماوي، وان رب العالمين اعلم بخواص البشر وحاجاتهم ورغباتهم وطباعهم، كيف لا وهو الذي خلق الكون والحياة ايضا وعليه فان العامل خلال مراحل التاريخ الاسلامي قد حصل على حقوقه دون ان يثور ودون ان تراق الدماء كما حصل في اوروبا وامريكا. وبمعنى آخر لا مبرر للعامل لان يثور او يضرب… واشير الى بعض القواعد والقوانين الاسلامية التي منحت للعامل:
1- ينبغي ان تكون الاجرة معلومة سلفاً قبل البدء بالعمل وان يوافق العامل على مقدار هذه الاجرة لقول رسولنا الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم: «وما بعث الله نبياً الا رعى الغنم. فقال اصحابه: وانت؟ فقال: نعم، كنت ارعى الغنم على قراريط لاهل مكة » اخرجه البخاري وابن ماجة عن الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه. والقراريط جمع قيراط وهو جزء من اثني عشر جزءاً من الدرهم، وان موضع الاستدلال هنا: هو ان الاجرة كانت معلومة، حتى ولو كانت زهيدة، وروى الصحابي الجليل ابو سعيد الخدري رضي الله عنه: ان الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن استئجار الاجير حتى يبين له اجره » اخرجه احمد في سنده، وموضع الاستدلال هنا: ان الاجرة ينبغي ان تكون واضحة حين استئجار الاخير. اي لا بد ان يكون هناك توافق وتراض حول الاجرة، فلا يجوز استئجار الاجير دون ابانة مقدار الاجرة.
2- اوجب الاسلام على رب العمل ان يدفع الاجرة كاملة للعامل دون اي نقص فقد اخبرنا رسولنا الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم بأن الله عزوجل يكون خصماً لصاحب العمل اذا لم يوف الاجير حقه ففي الحديث القدسي الشريف. قال الله عزوجل: «ثلاثة انا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خاصمته: رجل اعطى بي ثم غدر. ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر اجيراً فاستوفى منه ولم يعطه اجره ». اخرجه البخاري عن الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه. اي ان صاحب العمل قد اخذ جهد العامل الا ان العامل لم يأخذ اجرته مقابل عمله وجهده من رب العمل. فالله سبحانه وتعالى سيخاصم صاحب العمل لعدم ايفاء العامل اجرته.
3- لا يجوز التأخير والمماطلة في تسليم الاجرة للعامل وانما ينبغي تسليمها له حين الانتهاء من العمل مباشرة للحديث النبوي الشريف «اعطوا الاجير اجره قبل ان يجف عرقه » رواه ابن ماجة عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وموضع الاستدلال هنا: ان الرسول صلى الله عليه سلم يأمرنا بدفع الاجرة للاجير قبل ان يجف عرقه، وذلك كناية عن الاسراع بدفع الاجرة دون ابطاء ولا مماطلة ولا تسويف. واجبات العامل بالمقابل فإن الاسلام قد طالب العامل بواجبات ينبغي القيام بها وعليه اداؤها فمنها: اتقان العمل، وعدم الغش والخداع، وان يلتزم بالمواعيد المتفق عليها دون تأخير ولا ابطاء ولا مماطلة ولا تسويف. واشير في هذا المقام الى عدد من الاحاديث النبوية الشريفة التي تتعلق بالموضوع:
1- “ان الله يحبّ اذا عمل احدكم عملاً ان يتقنه ” -رواه البيهقي في كتابه شعب الايمان، وابو يعلى الموصلي في مسنده عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
2- “من غشنا فليس منا ” وفي لفظ آخر “وليس منا من غش ” -رواه مسلم وابو داود والترمذي والبيهقي عن الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه.
3- “آية المنافق ثلاث، وان صام وصلى وزعم انه مسلم: اذا حدّث كذب، واذا وعد اخلف، واذا اؤتمن خان “- متفق عليه عن الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه. الخاتمة
نحن كمسلمين ليس لنا سوى عيدين اثنين هما: عيد الفطر السعيد، وعيد الاضحى المبارك وما عدا ذلك يعدّ اياماً وذكريات ومناسبات مرتبطة بتاريخنا الاسلامي وامجادنا…وحضارتنا الزاهرة والله سبحانه وتعالى يقول “وذكرهم بأيام الله، ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور ” -سورة ابراهيم الاية ٥، اما ما يسمى وما يطلق عليه عيد العمال فهو امر يتعلق بالنظام الرأسمالي الذي ظلم العامل واجحف بحق النساء والاطفال. في حين ان ديننا الاسلامي العظيم قد انصف العامل بادىء ذي بدء، كما انصف غيره من ابناء المجتمع الواحد، فالاسلام يكرم العامل ويكرم كل مواطن وفي جميع ايام السنة كلها، فهل من عودة لهذا الدين العظيم الذي هو دين العدل والمساواة الذي ينصف الجميع ويحب الجميع.
والحمد لله على نعمة الإسلام
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاء آية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.