حديث الجمعة الديني : الإسلام واليوم العالمي للتبرع بالدم
23 سبتمبر، 2016لقد اختارت منظمة الصحة العالمية يوم الرابع عشر من شهر حزيران (يونيو) في كل عام ليكون اليوم العالمي للتبرع بالدم، وهو يوم ميلاد عالم الأحياء والطبيب النمساوي (كارل لاند ستاينر) الذي فاز بجائزة نوبل للطب سنة 1930م، وذلك تكريماً لاكتشافه مجموعات تقسيم فصائل الدم الثلاثة A, B,O – مما سهل كثيراً في عمليات نقل الدم، هذا وقد جاء اختيار منظمة الصحة العالمية باليوم العالمي للتبرع بالدم بهدف إبراز أهمية التبرع بالدم وإذكاء الوعي بالحاجة إلى الدم المأمون السليم لنقله إلى المرضى، وتقديم الشكر للمتبرعين بدمائهم طواعية دون مقابل على ما يقدمونه من هبات الدم التي تنقذ أوراح البشر وتخفف من آلامهم.
الرعاية الصحية
لا يستطيع الإنسان، أي إنسان العيش في المجتمع بكرامة واستقرار وطمأنينة وأمن وأمان إلا إذا توفرت له الضرورات الخمس التي أقرتها الشريعة الإسلامية السمحاء الغراء، وهذه الضرورات هي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، وأن الدولة ملزمة بتوفير هذه الضرورات في المجتمع وحمايتها والمحافظة عليها ليتمكن الناس، جميع الناس ، من العيش بأمن وأمان وطمأنينة واستقرار.
وإذا انتفت واحدة من هذه الضرورات فإن المجتمع يضطرب وتعمه الفوضى وعدم الاستقرار، ويلحق الناس الشقاء والعنت وينتابهم الخوف والرعب في حياتهم ومعيشتهم. فكيف إذا انتفى بعض هذه الضرورات أو انتفت كلها، فالأمور تكون مضطربة أشد وأشد، وينهار المجتمع وتسقط الدولة.
ارتباط الصحة بالضرورات الخمس
يمكن القول بأن صحة الإنسان مرتبطة ارتباطاً مباشراً بثلاث من هذه الضرورات، وهي: النفس، العقل، والنسل. لأن انتفاء الرعاية الصحية سيؤثر سلبا على النفس وعلى العقل وعلى النسل. وما دامت الدولة ملزمة بتوفير هذه الضرورات فلا بد من أن تتبنى الدولة الرعاية الصحية من خلال إقامة المشافي والعيادات الصحية… وإن التبرع بالدم من ضمنها، وإن كتب الحضارة الإسلامية حافلة بالأدلة والنماذج والأمثلة على رعاية الدولة للشؤون الصحية منذ عهد الرسول –صلى الله عليه وسلم- وحتى العصور الزاهرة للمسلمين، حيث اقيمت المشافي في الديار الإسلامية وعين لها الأطباء والممرضون المتخصصون والمشهورون، مع الإشارة إلى أن المعالجة كانت مجانية.
فتوى شرعية بالتبرع بالدم
سبق لي أن أصدرت فتوى شرعية بشأن الحث على التبرع بالدم، وهذا نصها:
لما تعاني المستشفيات والمراكز الصحية في بلادنا من نقص في وحدات الدم وبخاصة من فصائل الدم النادرة، ولعدم تمكن أهالي المريض من الوصول إلى هذه المستشفيات للتبرع بالدم بسبب الحواجز العسكرية الظالمة وغير القانونية وغير الإنسانية، ونتيجة للحصار الظالم المضروب على الشعب الفلسطيني بشكل عام، أجيب بما يأتي:
أ. يتوجب شرعاً على كل شاب صحيح الجسم سليم تنطبق عليه الشروط الطبية المعتمدة أن يتبرع بالدم في أقرب مستشفى أو مركز صحي لمكان إقامته أو عمله، ففي ذلك تتحقق ثلاث خصال:
1- إنقاذ حياة المريض أو إسعافه في الحالات الطارئة أو الحرجة فيقول رسولنا الأكرم محمد –صلى الله عليه وسلم-: ” مَنْ نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”- رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن الصحابي الجليل أبي هريرة –رضي الله عنه- ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث نبوي شريف آخر “المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم”- أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي والدارقطني والحاكم عن الصحابي الجليل الإمام علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه.
2- الثواب الآخري للمتبرع بالدم، ونيل رضى الله عزّوجل.
3- الفائدة الصحية للمتبرع بالدم من حيثُ تجديد وتنشيط لكريات الدم، ويستحب للمتبرع أثناء سحب الدم من أن يقرأ ما تيسر من آيات القرآن الكريم، فالقرآن الكريم شفاء للناس: ” وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ “-سورة الإسراء- الآية 82.
ب. كما يتوجب على إدارة المستشفيات والمراكز الصحية التي تعاني من نقص في وحدات الدم الإعلان سلفاً عن حاجتها إلى وحدات الدم للاحتياط وليس حين الحاجة الماسة، مع الإشارة إلى عنوانها للتسهيل على المتبرعين التعرف والوصول اليها، وبهذا أفتي.
فوائد التبرع بالدم
هناك مجموعة من الفوائد التي ينالها المتبرع بالدم، وأشير اليها بالنقاط التالية، وهي:
1- إن المتبرع بالدم يطمئن على صحته بأنها سليمة وأنه في وضع صحي جيدة، لماذا؟ لأن المتبرع قبل سحب الدم يخضع لفحص طبي للجسم وفحص مخبري لدمه، فلو افترضنا وجود أي مرض أو أي مشكلة لدى إجراء الفحص، فإنها تكتشف ويضطر إلى العلاج.
2- إن التبرع بالدم يساعد على تنشيط النخاع العظمي في انتاج خلايا جديدة تستطيع تنشيط الدورة الدموية لدى المتبرع، وتستطيع أيضاً حمل كمية أكبر من الأكسجين إلى أعضاء الجسم كله بما في ذلك الدماغ فإن وصول كميات أكبر من الأكسجين للدماغ فإن ذلك يساعد على زيادة في التركيز والنشاط في العمل وعدم الخمول.
3- إن التبرع بالدم يعالج بعض الحالات المرضية مثل الزيادة في عدد كريات الدم الحمراء والزيادة في نسبة الحديد في الجسم، ومنع حدوث مضاعفات لهذه الأمراض.
4- إن الذين يتبرعون بالدم مرة واحدة كل سنة يكونون أقل عرضة للإصابة بأمراض الدورة الدموية وسرطان الدم.
وعليه ننصح كل من لديه القدرة على التبرع بالدم أن يبادر للتبرع بالدم لما يجنيه المتبرع من هذه الفوائد- والدين النصيحة- والله تعالى أعلم.
اللهم فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وارزقنا اليقين.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.