حديث الجمعة الديني: من أحكام الرضاعة- الحلقة الأولى
30 سبتمبر، 2016دلالة الرضاعة
الرضاعة (بفتح حركة حرف الراء أو كسر حركة الحرف) هي اسم من المصدر (الإرضاع). وإن فتح حركة حرف الراء هو الأكثر شيوعاً من كسر الحركة لما ورد في القرآن الكريم “والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة.” سورة البقرة الآية 233. وقال علماء اللغة: امرأة مرضع –أي لها ولد ترضعه فعلاً –ونقول: امرأة مرضعة (بإضافة تاء التأنيث المربوطة): إذا لم يكن لها ولد أو كان لها ولد ولكن لم تقم برضاعته فعلاً أي أن لفظ مرضعة يفيد الوصف للمرأة فقط. وهذا القول منسوب إلى الإمام الفراء من علماء اللغة والى تلامذته ومدرسته. وهناك قول آخر لعلماء اللغة عكس القول الأول وهو: امرأة مرضع يفيد الوصف دون الفعل أي امرأة ليس لها ولد أو كان لها ولد وكن لم تقم برضاعة فعلاً. وامرأة مرضعة (بإضافة تاء التأنيث المربوطة): إذا أُريد الفعل أي أن المرأة تقوم بالرضاعة فعلاً. وهو قول منسوب إلى الإمام أحمد بن خليل الفراهيدي وإلى تلامذته ومدرسته -انظر لسان العرب ومصباح المنير ومختار الصحاح مادة رَضعَ.
وأرجح القول الثاني استناداً إلى قوله سبحانة وتعالى “يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت” -سورة الحج الآية 2. فالمراد بالمرضعة هنا: المرأة التي ترضع الطفل فعلاً وذلك لتصوير هول يوم القيامة بأن المرأة تذهل عن ابنها الذي ترضعه في هذا اليوم العظيم والموقف العصيب فلو افترضنا بأن المرأة لم يكن لها ولد ترضعه فمن أي شيء ستذهل؟ للتأكيد على أن المرضعة هي التي ترضع ولدها فعلاً.
مدة الرضاعة
لقد حدد القرآن الكريم مدة الرضاعة بعامين سواء كانت المرضعة أُماً للرضيع أو امرأة أخرى، وسواء كان الإرضاع مقابل أجر أو تطوعاً لقوله سبحانه وتعالى: “والوالدات يرضعن أولادهن حولين كامليْن لمن أراد أن يتم الرضاعة.”- سورة البقرة الآية 233. أي أن مدة عامين اثنين هي الحد الأقصى (الأعلى) الذي تترتب عليه أحكام الرضاعة، ويجوز أن تكون المدة أقل من ذلك. ولكن الفقهاء قد اعتبروا إتمام المدة بالحوليْن من الأمور المستحبة لما فيه ذلك من مصلحة للرضيع. وما زاد عن العامين فهو أمر مباح ولا بترتب على الرضاعة أي حكم شرعي أي إذا كان عمر الطفل يزيد عن سنتين فلا تثبت بحق الراضع حرمةُ الرضاعة.
الأجرة على الرضاعة
السؤال: هل تلتزم الأم بإرضاع ولدها، وهل يحق لها أن تطلب أُجرةً مقابل الإرضاع؟ للإجابة عن هذين السؤالين أوضح ما يأتي:
أ) تكون الأم ملزمة بإرضاع طفلها ضمن الشروط الآتية:
1. إذا تعلق الطفل بها، وأنه لم يقبل أن يرضع من غيرها.
2. إذا لم توجد امرأة أخرى لتقوم بالإرضاع.
3. إذا كانت صحة الأم تساعد على الإرضاع.
ب) يحق للأم أن تطلب أجرة مقابل إرضاع ولدها من حيث المبدأ لقول الله عز وجل “فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن.” سورة الطلاق الآية 6.
فإن كان الزوج معسراً فينبغي عليها أن تسقط حقها بالمطالبة.
أما إن كان الزوج موسراً فلها الخيار في المطالبة أو عدم المطالبة.
وأن العرف الشائع في بلادنا بأن الأم لم تطلب أجرةً على الإرضاع، وأنها تعتبر المطالبة منقصة في حقها.
أما إن كانت المرضعة غير الأم فلها الحق الشرعي في المطالبة بالأجرة. وقد كان ذلك شائعاً في بلادنا، ولكن خفت نسبة المرضعات بأجرة في هذه الأيام، وذلك بسبب تحسن الأوضاع الاقتصادية في بلادنا، ولانتشار الحليب الصناعي في الأسواق. وعليه فإني أنصح الأمهات بإرضاع أولادهن الرضاعة الطبيعية مادمن قادرات صحياً على ذلك للمحافظة على صحة الأولاد بالإضافة إلى الحنان والمحبة والرعاية، وبذلك أفتي.
ما يترتب على الرضاعة من أحكام
يترتب على الرضاعة حرمة كحرمة النسب للحديث النبوي الشريف “يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة.” رواه البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وقال (عليه الصلاة والسلام) من حديث مطول “… وأن الله حرّم من الرضاعة ما حرم من النسب.” رواه مسلم عن الصحابي الجليل على بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه. فإذا أرضعت امرأةٌ طفلاً، ليس بولدها، وكان عمره سنتين فأقل فإنّ هذا الطفل يصبح ابناً للمرأة المرضعة كالنسب بحيث لا يستطيع هذا الطفل مستقبلاً أن يتزوج أيّ بنت من بناتها فيحرم على الطفل بنات المرأة جميعهن دون استثناء، وليست البنت التي رضعت معه فقط، كما يتوهم بعض الناس، والسبب في حرمة البنات جميعهن على الراضع هو أن اللبن للزوج كما يقول الفقهاء وأجمعوا على ذلك. وكذلك الأمر فيما إذا أرضعت المرأة طفلة، ليست ابنتها، وكان عمرها سنتين فأقل فإن هذه الطفلة تصبح ابنة للمرأة المرضعة كالنسب بحيث لا تستطيع هذه الطفلة مستقبلاً أن تتزوج أي ابن من أبناء هذه المرأة المرضعة فيحرم عليها أولاد المرأة جميعهم دون استثناء، وليس الابن الذي رضع معها فقط، كما يتوهم بعض الناس، والسبب في ذلك هو أن اللبن للزوج كما يقول الفقهاء وأجمعوا على ذلك، لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أُريد على ابنة حمزة فقال: إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.” متفق عليه عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. فالحديث الشريف يشير إلى أنه عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من ابنة عمه حمزة فأوضح (عليه الصلاة والسلام) بأن ابنة عمه حمزة لا تحل له لأنه (عليه الصلاة والسلام) قد رضع من ثويبة كما أن عمه حمزة قد رضع منها، فأصبح (عليه الصلاة والسلام) عماً لابنة عمه حمزة في الرضاعة فلا يجوز أن يتزوج منها. ومن الأحكام الشرعية بأن الطفل إذا كان عمره يزيد عن سنتين ورضع من أي امرأة فإنه لا يترتب على الإرضاع أي حرمة، لأن الحرمة لا تثبت إلا إذا كان عمر الراضع سنتين فأقل.
اللهم فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وارزقنا اليقين.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.