حديث الجمعة الديني : استفسارات في الميراث
30 سبتمبر، 2016إثر نشر حديث الجمعة الديني في الاسبوع الماضي حول الميراث وحرمان الاناث ، تعاقبت عدة استفسارات تتعلق بالميراث ونلخص أهم هذه الاستفسارات في ستة أسئلة:
السؤال الأول:
ما الحكمة الربانية في اعتبار نصيب الذكر ضعف نصيب الانثى؟
الإجابة: قال الله تعالى :” يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ” –سورة النساء الآية 11. وقال أيضاً:” وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ” سورة النساء الآية 176.
وتتعلق هاتان الآيتان الكريمتان بتوزيع التركة بين الاخوة والأخوات فقط، ولا تنطبق هاتان الآيتان على جميع المستحقين في الميراث من ذكور وإناث.
وكما هو معلوم بداهة أن أصحاب الفرائض في الميراث اثنا عشر شريحة: ثمانية أصناف من الاناث: (الزوجة، الأم، الجدة، البنت، بنت الابن، الأخت الشقيقة، الأخت لأب، الأخت لأم ) واربعة أصناف من الذكور: (الزوج، الأب، الجد، الأخ لأم). فالمحصلة النهائية ان مجموع نصيب الاناث، في غالب الاحيان، يفوق مجموع نصيب الذكور، فلا مجال للادعاء المزعوم بأن الشريعة الإسلامية تحابي الذكور وتظلم الإناث.
أما الحكمة من إعطاء الأخ ضعف نصيب اخته لأن الأخ عليه التزامات كثيرة وكبيرة لا تلتزم بها الأخت، فيطلب من الأخ نفقات الزواج حين يريد أن يتزوج، وفتح بيت الزوجية، والانفاق على الأولاد، وعلى جميع أخواته إذا كنّ غير متزوجات، وكان الأب متوفياً، وكذا على إخوته الصغار. اما الاخت فلا يطلب منها اي التزام من هذه الالتزامات. وان مشاركتها في النفقات يكون ذلك رغبة منها، اي يكون من قبيل التبرع والهبة وعدم الالتزام.
وإذا كانت الأخت تعمل وراتبها يكفيها فلا يلتزم الأخ بالإنفاق عليها، أما إذا لم تكن تعمل أو أن راتبها لا يكفيها فإن الأخ ملزم بالإنفاق عليها أيضاً.
وعلى ضوء ذلك فإن أخذ الأخ ضعف ميراث ته لا يسد الالتزامات المطلوبة منه في معظم الحالات.
ثم ان أخذ الأخ ضعف نصيب الأخت لا يعني الأفضلية والتمييز بينهما لا من قريب ولا من بعيد، فالموظف أو العامل المتزوج الذي له أولاد على سبيل المثال، يأخذ راتباً أعلى من الموظف الأعزب.
فهل هذا يعني الأفضلية أم بسبب الالتزامات التي تواجه الموظف المتزوج!!؟ وكذا الأخ حين يأخذ ضعف أخته لا يعني أنهما غير متساويين أمام القانون ولا يعني أنهما غير متكافئين في الإنسانية!! وإنما للإلتزامات المطلوبة من الأخ كما أوضحنا.
السؤال الثاني:
إذا أراد الأب أن يوزع ممتلكاته في حياته على أبنائه وبنات فهل يكون نصيب البنت في هذه الحالة مساوياً لنصيب الابن؟
الإجابة
بالرغم من أن الأب له حق التصرف بماله في حياته كيفما يشاء في الأمور المشروعة إلا أنه لا يسعه تجاه أولاده إلا أن يلتزم بالنص القرآني على اعتبار من
ستؤول أمواله اليهم فالعدل أن يعطي الأب للذكر مثل حظ الانثيين وهي قسمة الميراث فيما يتعلق بالإخوة والأخوات على التحديد.
وقال بعض العلماء: يجوز للأب، في حياته أن يخصص لأحد أولاده من المال لسبب ظاهر أو لمبرر معقول مثل أن يكون أحد الأولاد جزاً عن الكسب أو مريضاً مقعداً. وذلك لعدم وجود دولة ترعى المرضى والمقعدين. وأن يكون تصرفه نابعاً من الحرص والمحبة لجميع أولاده وليست الاعطية نتيجة محاباة وتحيز، ومرد هذا الامر بين الانسان وربه، فيقول عليه الصلاة والسلام: ” إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى” -متفق عليه عن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث نبوي شريف اخر “استفت قلبك: البر ما اطمأنت اليه النفس، واطمأن اليه القلب. والاثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وان افتاك الناس وافتوك”- رواه احمد والدارمي عن الصحابي الجليل وابصة بن معبد- رضي الله عنه. وأرى أن يتفهم سائر الأبناء مقصد أبيهم.
السؤال الثالث:
إذا توفي شخص وليس له زوجة ولا أولاد، وأن أباه وأمه قد توفيا قبله، وترك أخاً وست أخوات، فهل ترث الأخوات من أخيهم المتوفى في هذه الحالة؟
الإجابة: لا يوجد من أصحاب الفرائض من يرث المتوفى فبالتالي تنتقل تركته إلى أخيه وأخواته للذكر مثل حظ الانثيين، فيأخذ الأخ سهمين، وتأخذ كل أخت سهماً واحداً، وعليه تنقسم التركة إلى ثمانية حصص: حصتان للأخ، وست حصص للأخوات.
السؤال الرابع:
حين تقوم المحاكم الشرعية في بلادنا بتقسيم التركةفإنها تذكر تقسيمين: أحدهما تقسيم شرعي، والآخر تقسيم انتقالي، ويلاحظ أن التقسيم الانتقالي يعطي الاخت نصيباً مساوياً لنصيب أخيها، فما السبب؟
الإجابة: أما التقسيم الشرعي فهو ما نص عليه القرآن الكريم وما هو موضح في كتب الفقه. أما الانتقالي فهو يتعلق بالأراضي فقط أي بيان كيفية انتقال الأراضي على اعتبار أن الأراضي في الإسلام تكون رقبتها لجميع المسلمين، فلا تملك للأفراد، وانما ينتفعون بها انتفاعاً أي تمليك منفعة، وبما أن الدولة في الإسلام وكيلة عن جميع المسلمين فلها الحق أن تتدخل في التوزيع، من هنا جاء التقسيم الانتقالي مغايراً للتقسيم الشرعي بحيث نصّ الانتقالي على اعطاء الاخت نصيباً مساوياً لنصيب الأخ، ثم حددت الاراضي المتعلقة بالتقسيم الانتقالي بالأراضي الميرية (أي الأميرية) التي تعتبر ملكاً للدولة، وذلك أيام الدولة العثمانية التركية ، ثم اصطلح على الأراضي التي تقع خارج حدود البلديات فقط، ومعنى هذا أن الأراضي التي تقع ضمن حدود البلديات تقسم تقسيماً شرعيا وليس انتقالياً، ونخلص من ذلك أن التقسيم الانتقالي المعمول به الآن في المحاكم الشرعية في بلادنا وفي معظم البلاد العربية يتعلق بالأراضي التي تقع خارج حدود البلديات فقط. وكما هو معلوم أن موضوع التقسيم الانتقالي قد ألغي في الأردن وفلسطين اعتباراً من 21/4/1991م فلم يعمل به بعد هذا التاريخ، وعليه فإذا كانت الوفاة بعد هذا التاريخ فإن تركة المتوفى تقسم تقسيماً شرعياً فقط.
السؤال الخامس:
أنا امرأة متزوجة من عائلة أخرى، توفي والدي قبل سنوات، وأنا أطالب إخوتي بحقي في الميراث من والدي، وهم يماطلون.. وأخيراً عرضوا علي مبلغاً
زهيداً (قليلاً) مقابل أن أتنازل لهم عن حقوقي في ميراث والدي، فهل يحق لهم هذا التصرف؟ وهل أتنازل لهم عن مستحقاتي؟
الجواب: إن القرآن الكريم قد أوضح أنصبة الإخوة والأخوات بشكل مفصل. وعليه يحق للأخت أن تطالب بمستحقاتها من ميراث والدها، ويجب على الإخوة أن يستجيبوا لمطلبها حسب الشريعة الإسلامية.
فإن كانت مساحة الأراضي وعدد البيوت لتركة المتوفى قابلة للتقسيم فإن الأخت السائلة أمام خيارين:
أ. إما أن تطالب منمساحة الأراضي ومن عدد البيوت حسب مستحقاتها في الميراث.
ب. وإما أن تكتفي بأخذ قيمة مستحقاتها نقداً وذلك بعد استشارة خبراء لتقييم ممتلكات التركة حسب سعرها في هذه الأيام، وليس بالسعر حين الوفاة ما دامت التركة لم توزع في حينه.
أما إذا كانت التركة غير قابلة للتقسيم بين الورثة فلا مجال للأخت السائلة إلا أن تطالب بقيمة مستحقاتها نقداً، وذلك من خلال تقييم التركة بسعرها في هذه الأيام.
وخلاصة القول:
لا يجوز شرعاً للإخوة بمقاطعة أخواتهم بمجرد أن تطالب الأخوات بحقهنّ من ميراث الأب، حتى ولو كانت الأخوات متزوجات من عائلات أخرى، فإن المطالبة هو حقّ أقره رب العالمين من سبع سموات، وحذّر من أكل الميراث: ” كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا” سورة الفجر الآية 17- 20.
السؤال السادس:
إن أحد أولادي غير مستقيم في سلوكه وأخلاقه، وأخشى أن يضيّع الأموال بعد وفاتي، فهل يجوز لي أن أحرمه سلفاً قبل وفاتي بحيث أوزّع ممتلكاتي في حياتي على سائر أولادي؟ أو أن أوصي بعدم توريثه بعد وفاتي؟
الجواب:
1- علينا أن نطلب من الله عزّوجل الهداية لابنك ليكون مستقيماً في حياته وسلوكه.
2- لا يجوز شرعاً أيها الأب أن تحرم أي ولد من أولادك من الذكور والإناث من أموالك سواء في حياتك أو بعد مماتك.
3- يمكن لسائر الأبناء أن يقفوا مع أخيهم وأن يعينوه على تصريف أموره المالية والمعاشية.
4- أما بالنسبة للوصية فلا يُعمل بها وأنها غير نافذة لأنها مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية. والله تعالى أعلى وأعلم.
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل وارزقنا اليقين
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.