حديث الجمعة الديني: القيم التربوية من خلال حجة الوداع- الحلقة الأولى
30 سبتمبر، 2016قال الله عزّوجل: ” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ” –سورة الأحزاب الآية 21.
التمهيد
إنّ التوجيهات النبويّة الشريفة لا تمثّل مدرسة واحدة فحسب، بل تضم مدارس متعددة ومتناسقة لتكوين الشخصية الإسلامية المتميزة، ولتقيم مجتمعاً إسلامياً حضارياً متعاوناً يظلله الأمن والأمان والسكينة والوقار في جميع مناحي الحياة، كيف ورسولنا الأكرم محمد –صلى الله عليه وسلم- وحي يوحى.
ومن هذه التوجيهات ما تضمنته حجَّة الوداع التي أداها رسولنا الأكرم محمد –صلى الله عليه وسلم- في السنة العاشرة للهجرة حيث ودّع –صلى الله عليه وسلم- أصحابه الكرام –رضوان الله عليهم- فيها بقوله “لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا”- صحيح مسلم 1218، ومختصر صحيح مسلم رقم 707. فسميت هذه الحجة بحجة الوداع. وتسمى هذه الحجة أيضاً بحجة الإسلام لأن موسم الحج وقتئذ كان قد خلا من المشركين ولأول مرة ، وتسمى أيضاً بحجة البلاغ لأنه –عليه الصلاة والسلام- قد كرر في خطبة الوداع عبارة ” ألا هل قد بلغت”- صحيح مسلم 1218 ، ومختصر صحيح مسلم رقم 707. هذا ولم يحج –صلى الله عليه وسلم- سوى هذه الحجة فقط ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى.
محاور القيم التربوية
لدى استعراضي واستقصائي لحجة الوداع التي أدّاها رسولنا الأكرم محمد –صلى الله عليه وسلم- في السنة العاشرة للهجرة /631 للميلاد يمكن استخلاص قيم غزيرة وكبيرة وكثيرة من خلال توجيهاته –صلى الله عليه وسلم- القولية والفعلية. وأشير إلى عدد من هذه القيم حيث يتعذّر استيفاؤها كلها “وفوق كل ذي علم عليم” –سورة يوسف الآية 76.
وأقول بالله التوفيق.
1- المحور الأول:
التربية على إخلاص التوحيد لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له ، وهذا واضح وصريح من خلال الآتي:
أ. صيغة التلبية للحج والعمرة والتي استهلها –عليه الصلاة والسلام- حين احرامه، وكان يرددها أثناء تأدية مناسك الحج وهي: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك” كما جاء في الحديث النبوي الشريف عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- حيث قال: “تأهل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك….”- صحيح مسلم رقم 1218 ومختصر صحيح مسلم رقم 707.
ب. دعاؤه –صلى الله عليه وسلم- عند الصفا والمروة حيث قال “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير” –أخرجه مسلم عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-“- صحيح مسلم رقم 1218 ، ومختصر صحيح مسلم رقم 707.
ت. دعاؤه –عليه الصلاة والسلام- على جبل عرفات كما جاء في الحديث النبوي الشريف: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير” أخرجه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده- صحيح الترمذي رقم 3585 ومشكاة المصابيح للخطيب التبريزي رقم 2598.
2- المحور الثاني:
حث الرسول –صلى الله عليه وسلم- على الإخلاص، والتأكيد عليه، وأنه يطلب من الله العلي القدير أن يجنبه الرياء والسمعة كما ورد في الحديث النبوي الشريف : “اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة” أخرجه ابن ماجه عن الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه-. سنن ابن ماجه رقم 2890 وصححه الألباني. بالإضافة إلى أن رسولنا الأكرم محمد –صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن الرياء بشكل عام في عدة أحاديث نبوية شريفة.
3- المحور الثالث:
اهتمام الرسول –صلى الله عليه وسلم- بتعليم أهل بيته مناسك الحج، وذلك من خلال ما يأتي:
أ. عن أم المؤمنين أم سلمة –رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: ” أهلّوا يا آل محمد بعمرة في حج”. أخرجه أحمد وابن حبان- مسند أحمد رقم 26590 وصحيح ابن حبان رقم 3922.
ب. قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حين حاضت قبل أن تطوف في البيت :”افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي البيت” أخرجه مسلم- صحيح مسلم رقم 1211.
ت. قام –عليه الصلاة والسلام- بزيارة ابنة عمه ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب –رضي الله عنها- وهي عليلة فقال لها: “ما يمنعك يا عمّتاه من الحج؟ فقالت: أنا امرأة سقيمة، وأنا أخاف الحبس. قال لها: فأحرمي، واشترطي أن محلّك حيث حبست” أخرجه البخاري وابن ماجه عن أم المؤمنين عائشة الصدّيقة بنت الصدّيق –رضي الله عنهما- صحيح البخاري رقم 5089 وسنن ابن ماجه رقم 2936. ومعنى (أخاف الحبس) أخشى ألا أستطيع أن أكمل مناسك الحج بسبب مرضي، والمعلوم بداهة أن تعليم الرسول –صلى الله عليه وسلم- لأهل بيته هو تعليم للمسلمين والمسلمات كافة.
4- المحور الرابع:
حثّ الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- أهل بيته على عمل الخيرات وفعل الطاعات ويظهر ذلك من خلال ما يأتي:
أ. مرّ –عليه الصلاة والسلام- على بني عمومته وهم ينتشلون الماء من بئر زمزم ويسقون الناس فخاطبهم قائلاً: “انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فناولوه دلواً شرب منه”-أخرجه مسلم وأبو داود عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- صحيح مسلم 1318 ومختصر صحيح مسلم رقم 707 وسنن أبي داود رقم 1905. والمراد من هذا الحديث النبوي الشريف أن الناس إذا رأوا الرسول –صلى الله عليه وسلم- ينزع الماء من بئر زمزم سيقتدون به في القيام بالسقاية؛ وبالتالي فإنهم يزاحمون بني عبد المطلب على بئر زمزم، والمعلوم أن بني عبد المطلب لهم السقاية فلا يريد –عليه الصلاة والسلام- أن يحرج أو يزعج بني عمومته-. وفي رواية أنه –عليه الصلاة والسلام- قال لهم : “اعملوا، فإنكم على عمل صالح، لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه” يعني على رقبته. ومعنى (أن تغلبوا) أن يزاحمكم الناس على بئر زمزم.
ب. كلف –صلى الله عليه وسلم- زوجه أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- أن تفتل له قلائد بُدنة من صوف كان عندها بالمدينة قبل أن يُحرم” أخرجه البخاري- صحيح البخاري رقم 1696 و1704 و1705.
ت. أذن –عليه الصلاة والسلام- لعمه العباس –رضي الله عنه- أن يبيت بمكة المكرمة ليالي أيام التشريق بدلاً من المبيت بمنى، وذلك من أجل سقاية الحجيج- أخرجه البخاري- صحيح البخاري رقم 1745.
ث. روى الصحابي الجليل عبد الله بن عباس –رضي الله عنهما قائلاً: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- غداة العقبة وهو على ناقته:أُلقط لي حصى، فلقطت له سبع حصيات” أخرجه ابن ماجه- سنن ابن ماجه رقم 3039. والمراد بالعقبة هنا العقبة الكبرى حيث يرمي الحاج فيها سبع حصيات.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين