الشيخ الدكتور عكرمة صبري يروي تفاصيل حادثة إحراق المسجد الأقصى المبارك
21 أغسطس، 2019“عكرمة صبري” ولحظات إحراق الأقصى: مع أول استغاثة هرول أهل القدس يبكون ويكبرون..
تقرير: يحيى اليعقوبي
استفاق المقدسيون يوم 21 آب/ أغسطس 1969م، على وقع جريمة لم يتخيلوا أن تحصل في يوم من الأيام بحق أقدس مقدساتهم الإسلامية، في جريمة لا ينساها أولئك الذين عايشوا إحراق المسجد الأقصى على يد “المستوطن الصهيوني” مايكل دينيس الذي أشعل النار عمداً في الجناح الشرقي من المسجد.
قبل خمسين عامًا كان عمر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري لا يتجاوز30 عاماً؛ عايش تلك الحادثة الأليمة بأدق تفاصيلها، شاهد وشارك بإخماد النيران، وبينما هو يقلب الذكريات، كانت “فلسطين” تنقل ما رواه صبري في الذكرى الخمسين لإحراق الأقصى.
نداء الاستغاثة الأول
وكأنه يعيش المشهد من جديد، يقول الشيخ صبري وهو رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس: “في تلك الساعة (السابعة إلا ربع تحديداً) سمعت صوت استغاثة ونداءات بأن الأقصى يحترق، فقمت مهرولا وتوجهت بسرعة ومعي أهل حي “وادي الجوز” (شرق المسجد) مكان إقامتي حتى وصلنا الأقصى، وشاهدنا الدخان يتصاعد من المبنى الرئيس للمسجد الأقصى “المسجد القبلي” والذي فيه منبر صلاح الدين التاريخي”.
احترق المنبر بلحظات لأن المواد الحارقة كانت شديدة الاشتعال وغير متوفرة في الأسواق العامة، لتؤكد أن الحريق يقف وراءه دولة الاحتلال بمؤسساتها السياسية والعسكرية، متابعا: “نشب الحريق بعدة مواقع مما يؤكد أن الذين قاموا بالجريمة عدة أشخاص وليس شخصا واحدا لكن الذي ألقى الاحتلال القبض عليه هو مايكل دينيس وادعى أنه من أصول استرالية ينتمي لجماعة مسيحية صهيونية”.
وتابع صبري: “لكن هذا الشخص لم تظهر آثاره بعد اعتقاله ولم يقدم لمحاكمة وادعى الاحتلال أنه مختل عقليا واغلقوا الملف ولا ندري أين مصيره؟ مما يؤكد أن الاحتلال وراء الحريق”.
كيف أطفأتم الحريق؟ يجيب الشيخ صبري: “قمنا بتشكيل سلاسل بشرية طويلة لنقل المياه من بيوت المقدسيين لأن الاحتلال قطع في ذلك اليوم المياه عن المسجد، ونقلنا التراب من ساحة المسجد لإخماد الحريق بوسائل بدائية عبر الأواني، وشارك في ذلك الرجال والنساء والأطفال يناولون هذه الأواني من يد إلى أخرى حتى تصل إلى سطح المسجد لإطفاء الحريق”.
“الشيء الذي لم أنسه؛ رأيت الناس يبكون وفي ذات الوقت يكبرون ويستنكرون تلك الجريمة الكبرى”، وكان الشيخ صبري ضمن الذين شاركوا بنقل الماء والتراب واستمر هذا العمل إلى أن وصلت سيارات الإطفاء الفلسطينية من بلديات الخليل وبيت لحم وبيت ساحور وبيت جالا ورام الله الساعة الثانية عشرة ظهرا، بعد أن أعاق الاحتلال وصولها وكان الحريق قد التهم المنبر التاريخي كما التهم المحراب بجانب المنبر وجزء من القبة فوق المنبر مع البسط والسجاجيد والمصاحف، وامتدت النيران إلى سقف المسجد الخشبي فالتهمته كما هددت قبة الأقصى الأثرية المصنوعة من الفضة الخالصة.
هل تذكر أعداد الذين شاركوا بالإطفاء؟ يبتسم: “العدد كبير .. وكأن أهل القدس كلها شاركوا”.
ادعاء ومؤامرة “التدويل”
يقول الشيخ: “حاول الاحتلال التضليل بموضوع الحريق، وقال إنه بسبب حدوث تماس كهربائي، فيما شكلت الهيئة الإسلامية العليا بالقدس لجنة من المهندسين الكهربائيين واكتشفوا – بعد الفحص – أن الحريق كان متعمدا من مواد شديدة الاشتعال ولم يكن ناجما عن تماس كهربائي كما ادعى الاحتلال، ثم شكلت الهيئة لجنة للإعمار وإزالة آثار الحريق ولجنة أخرى لجمع التبرعات من الناس”.
وتابع الشيخ صبري: “كان الناس مندفعين لجمع التبرعات (..) قدمت نساء القدس ذهبهن لأجل الأقصى، وبعد الانتهاء من الإطفاء، خرجت مسيرات مقدسية يحملون آثار المنبر الذي التهمته النيران يهتفون للأقصى وضد الاحتلال”.
ورأى صبري أن هدف الاحتلال من إحراق الأقصى هو جس نبض المسلمين ومعرفة ردة فعلهم فيما إذا وضع يده على الأقصى، وأن ينادي أهل القدس ويطالبون بقوات دولية لحمايتهم وكانت المؤامرة “تدويل المدينة” لكن أهل القدس رفضوا أي حماية دولية.
وأضاف: “حينها عقدت الهيئة الإسلامية أول مؤتمر صحفي ووجهت الاتهام مباشرة للاحتلال، وأصدرت بيانا تؤكد فيه تورط الاحتلال بالجريمة لأنه لم يقدم دينيس للمحاكمة”.
وأكمل صبري: “شاءت الأقدار بعد أن كان والدي خطيب الأقصى الشيخ سعيد صبري آخر من وقف على منبر صلاح الدين التاريخي، كنت أول من وقف خطيبا بالناس على المنبر الجديد عام 2007، بعدما قامت الحكومة الأردنية بإنشاء منبر مصنوع من الخشب المركب (دون مسامير) على غرار منبر صلاح الدين واستغرق الأمر وقتا طويلا وكنا قبلها نخطب على منبر مؤقت”.
والمنبر التاريخي الذي حرقه الاحتلال أنشأه نور الدين زنكي على أمل أن يحرر الأقصى ومكث في حلب 17 سنة، إلى أن جاء صلاح الدين وحرر القدس ونقل المنبر.
انطفأ الحريق قبل خمسين عاماً لكن لا تزال الحرائق مستمرة بحق الأقصى تأخذ أشكالا مختلفة ومتعددة من اقتحامات جماعية إسرائيلية متطرفة، وحفريات أسفل الأقصى الذي يعيش أخطر من أي وقت مضى.