عِكرمة صبري

الحمد لله… الحمد لله الذي خلق الانسان ونفخ فيه من روحه وكرمه على سائر الخلائق اجمعين. ونشهد ان لا اله الا الله حرم الكبر والغرور، واوجب العدل والتواضع على كل حاكم ومحكوم، ونشهد ان سيدنا وحبيبنا وقائدنا محمد عبد الله ورسوله امام المتقين وقدوة العاملين وسيد المجاهدين وخاتم الانبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين المبجلين وصحابته الغر الميامين ومن تبعهم واقتفى اثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين . الله اجعل في قلوبنا نورا، وفي اسماعنا نورً، وبين ايدينا نورا في اعمالنا نورا وأرزاقنا نورا ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ” سورة الاحزاب الآيتين 70 و 71.
أما بعد فيقول عزّ,جل في سورة الانفطار:
” الذي خلقك فسواك فعدلك. في أي صورة ما شاء ركبك” سورة الانفطار الايات 6 – 8.
أيها المصلون- ايها المسلمون- أيها المؤمنون
لقد نزلت هذه الاية الكريمة في حق المشرك أبي بن خلف الذي اتصف بالغرور والكبر والعجرفة وعصيان الله. فهذا المغرور أبي حاول قتل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في معركة أحد، ولكن الرسول عليه السلام قد بادره بطعنة سقط إثرها عن فرسه وذهب أداج الرياح.
أيها المسلمون- أيها المصلون- أيها المؤمنون
وقبل معركة أحد وقعت معركة بدر الكبرى في السنة الثانية للهجرة، وقتل فيها من المغرورين امية بن خلف وهو أخ أبي بن خلف، كما قتل أبو جهل أيضاً .
والسؤال: من الذي قتل أمية بن خلف. والجواب: انه الصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه، مؤذن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والمعلوم ان بلالاً كان يعذب من قبل امية بن خلف، وجاء الوقت ليقتص بلال ممن كان يعذبه.
وسؤال آخر: ومن قتل ابا جهل؟ والجواب: انه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه. والمعلوم ايضاً ان ابن مسعود كان يعذب من قبل ابي جهل. فاقتص ابن مسعود من ابي جهل.

ايها المصلون- ايها المسلمون- ايها المؤمنون.
إن مقتل المغرور ابي جهل لفيه عبرة لمن يعتبر: ذلك بأن غلامين من الانصار تقصدا أبا جهل في معركة بدر فوقع ابو جهل على الارض متخماً بالجراح فجاء عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فوقف على صدر ابي جهل، فقال أبو جهل لابن مسعود: لقد ارتقيق مرتقى صعباً يا رويع الغنم، فقال ابن مسعود له: خذها يا عدو الله، ويجهز عليه. فإن أبا جهل حتى وهو في سكرات الموت ظل مغروراً ويتباها في قوته ويحقر الآخرين، فجاءت نهايته ممن كان يحتقرهم في حياته، فالله عزّ,جل أكبر من المغرورين وأكبر من المتكبرين، وأكبر من المفسدين، وأكبر من الظلمة المستبدين.
أيها المصلون- أيها المسلمون- أيها المؤمنون
إن الغرور مرض خبيث من أمراض القلوب، ولا يلتقي مع الايمان، إن الغرور بمثابة سيف يقطع رقاب المغرورين، وإنه صفة من صفات المفسدين الذين يعيثون في الأرض الفساد ولا يصلحون، فالذي يتصف بالغرور فإن الغرور يعكس آثاراً سيئة على صاحبه، ويزداد الغرور ضرراً إذا كان المغرور صاحب سلطان فالضرر لا يقتصر عليه وحده بل يجر الناس إلى المصائب والنكبات وإلى القتل والحروب، فما تقرأون وتشاهدون من الدول الاستعمارية التي استبد بها الغرور من صنع الاسلحة الفتاكة ومن اشعال الحروب وقتل الابرياء وتدمير المؤسسات المدنية إنما هو من نتاج الغرور والشعور بالهيمنة على الشعوب الممستضعفة وابتزاز ثرواتها.
أيها المصلون- أيها المسلمون- يا خير أمة أخرجت للناس.
إن سلفنا الصالح قد حكمةا البلاد حكماً عادلاً لا جبروت فيه ولا كبرياء ولا استغلال ولا غرور، وسار المسلمون على بركة الله ورعايته في بقاع العالم ينشدون العدل ويعاملون شعوب البلاد المفتوحة حسب تعاليم الاسلام العظيم لا تفريق ولا تمييز ولامصادرة لاراضيهم ولا تشتيت لعائلاتهم فدانت لهم شعوب الأرض خلال فترة وجيزة من الزمان، وتمكن ديننا الإسلامي العظيم من دمج قوميات مختلفة كالبربر والأكراد والأتراك في بوتقة واحدة، في رابطة جديدة هي رابطة العقيدة الاسلامية، وأن الانسان له كرامته في المجتمع الإسلامي ، وأن الجميع متساوون وهم جميعاً مرتبطون بالله الواحد الأحد وقد تحرروا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد
أيها المسلمون.. يا إخوة الإيمان في كل مكان
السؤال: ماذا قال الصحابي الجليل المغيرة بن زرارة رضي الله عنه لملك الفرس ويدعى يزوجرد قبل معركة القادسية سنة 15 هـ . قال له: ” إن ما قلته عن وضع العرب كان صحيحاً، وأما اليوم فقد بعث الله لنا رجلاً معرفاً في حسبه ونسبه، وأصبح هذا الرسول –صلى الله عليه وسلم- فيما بيننا وبين رب العالمين، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
ووقعت معركة القادسية بقيادة الصحابي الجليل القائد سعد بن أبي وقاس –رضي الله عنه- وسقطت عروش كسرى، وكان الملك يزوجرد آخر ملوك الفرس.
أيها المسلمون- يا خير أمة أخرجت للناس

إن الدول التي تتصف بالظلم والعدوان والغرور والغطرسة سرعان ما تنهار ويذهب سلطانها إلى حيث لا رجعة، فماذا كان مصير الرومان؟ ماذا كان مصير الفرنجة الصليبيين؟ ماذا كان مصير المغول التتار؟ لقد ارتدوا على أعقابهم خائبين بما اقترفت أيديهم من قتل وظلم وفساد وغرور وغطرسة وهذه سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً، فالغرور داء مهلك إذا مانتشر في أمة كان سبب ضعفها، بل كان سبب انهيارها فسحقاً للقوم الظالمين والعاقبة للمتقين إن شاء الله.
أيها المسلمون- يا خير أمة أخرجت للناس.
لقد حرم الإسلام الغرور والاتصاف به في كثير من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة فيقول رب العزة: “يا أيها الناس ان وعد الله الحق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور” سورة فاطر آية 5 والغرور بفتح حرف الغين هو الشيطان وقال رسولنا الأكرم محمد –صلى الله عليه وسلم- ” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” رواه مسلم عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-، وأن المتتبع لسيرة سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- يرى التواضع والحلم والعدل قد تجسدت فس شخصه الكريم وفي أقواله وأفعاله وتحركاته وسكناته فقد أتي برجل إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فأصابته رعدة، فقال له –صلى الله عليه وسلم-: “هوّن عليك، فإنما انا امرأة من قريش كانت تأكل القديد” أخرجه ابن ماجه من الصحابي الجليل أبي مسعود البدري رضي الله عنه، واسناده صحيح. والقديد: اللحم المجفف. كناية عن التواضع. هذا وقد حرص الصحابة الكرام رضي الله عنهم على ا الاتصاف بالتواضع خوفاً من أن يتسرب إليهم الغرور فحينما يسمع الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه مدح الناس له يقول : “اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم. واغفر فيما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون” أورده سيد عساكر في كتاب (تاريخ دمشق) عن الإمام الحسن البصري رحمه الله.

أيها المسلمون- يا اخوة الايمان في كل مكان
هذا هو قول الايمان والإخلاص من حبيبنا الصديق أبي بكر –رضي الله عنه- خليفة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وها هو أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب فقد كان حريصاً شديد الحرص على كسر نخوة نفسه ويقول: يا ابن الخطاب كنت وضيعاً فرفعك الله، وضالاً فهداك الله، وذليلاً فأعزك الله، وكان يعاتب نفسه ويبكي خشية أن يظلم وخشية أن يتسرب الغرور إلى نفسه. وهو الذي قال مقولته الشهيرة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحراراً.
فاتقول الله أيها المصلون واستلوا من نفوسكم الغرور قبل أن يحاسبكم الله واعتبروا بالأمم الماضية التي بطرت معيشتها فإذاقها الله لباس الجوع والخوف وجعل عاليها سافلها، وسنة الله في الذين قد خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
جاء في الحديث النبوي الشريف: ” إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد” رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه عن الصحابي الجليل عياض بن حماد رضي الله عنه. صدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم-
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الامي الامين وعلى آله الطاهرين أجمعين
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد كما صليت على سيدنا ابراهيم وبارك على سيدنا محمد كما باركت على سيدنا ابراهيم وعلى آل سيدنا ابراهيم في العالمين انك حميد مجيد.
ايها المصلون- يا ابناء هذه الارض ارض الاسراء والمعراج.
أتناول في هذه الخطبة مسألتين اثنين لهما علاقة مباشرة بمدينة القدس.
أولاً: موضوع تبادل الأراضي:
لقد اطلعت على مقاولة في أحد الصحف المحلية يوم الجمعة الماضي 13/1/2012 بعنوان قبول مبدأ تبادل الأراضي كان خطأً باهظ الثمن. هكذا كان العنوان. وأقول: نعم إن تبادل الأراضي كان خطأ جسيماً باهظ الثمن. والسؤال : لماذا؟ والجواب: لأن تبادل الأراضي غير شرعي، وقد سبق أن أصدرت فتوى شرعية قبل ثلاثة أعوام (أي في عام 2009) أعلنت فيها عدم شرعية موضوع تبادل الأراضي، وأن التبادل هو مرفوض وحرام شرعاً، فإن التبادل في حقيقته هو تكريس للاحتلال وتفريط بمدينة القدس والناس في غفلة عن هذا الموضوع،وغير مدركين لخطورته. ومن على منبر المسجد الأقصى المبارك نعلنها بوضوح: إن تبادل الأراضي باطل شرعاً ، وما يبنى على الباطل فهو باطل، وأن القدس أمانة في أعناقنا جميعاً لا تفريط فيها ولا مساومة عليها ولا تنازل عنها وليبلغ الحاضر منكم الغائب، اللهم هل بلغت… اللهم فاشهد.

أيها المسلمون – يا أبناء أرض الاسراء والمعراج
ثانياً: المسألة الثانية بشأن المنطقة الصناعية في حي واد الجوز بالقدس… لقد أصدرت سلطات الاحتلال قبل أيام أمراً بمصادرة ثلاثة عشر دونماً في منطقة واد الجوز بالقدس، وهذه الدونمات المصادرة عبارة عن المنطقة الصناعية. وخلال هذا الاسبوع تلقى أصحاب المحلات والمتاجر في هذه المنطقة إخطارات من بلدية الاحتلال الاسؤائيلية بوجوب اخلاء محلاتهم مقابل أخذ التعويض عنها، ويهدف هذا المشروع ربط المستوطنات السرطانية ببعضها بعضاً والتي تشمل حي الشيخ جراح وحي فندق شبرد والعيسوية والتلة الفرنسية والطور، فهذاالمشروع الخطير يشكل حزاماً داخلياً في مدينة القدس ويعزل الأحياء العربية عن بعضها البعض، ويحاصر المسجد الأقصى من جميع الجهات، وأن أصحاب المحلات قد أدركوا خطورة الوضع ورفضوا الإخلاء من محلاتهم كما رفضوا أخذ التعويض، هذا وقد سبق أن أصدرنا فتوى شرعية في عام ألفين ميلادية بأن أخذ التعويض غير جائز شرعاً وهو بمثابة البيع، وكما هو معلوم أن البيع حرام شرعاً ويشمل ذلك المستأجر والمالك- ونؤكد بأن مدينة القدس هي مدينة وقفية لا يسري عليها بيع ولا شراء. “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون” سورة يوسف آية 21

أيها المصلون
الساعة الساعة استجابة فأمنوا من بعدي:
اللهم آمنا في أوطاننا، وفرج الكرب عنا.
اللهم احم المسجد الأقصى من كل سوء.
اللهم هيئ من يوحد المسلمين ويحذو حذو صلاح الدين
اللهم ارحم شهداءنا وشاف جرحانا واطرق سراح معتقلينا وعليك بمن آذانا.
اللهم استرنا بسترك الجميل الذي سترت به نفسك من خلقك فلا عين تراك ولا اذن تسمعك فيا جميل الستر استرنا.
اللهم انا نعوذ بك من شرور أنفسنا، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها.
اللهم اكفنا بما شئت وكيف شئت ولا حول ولا قوة إلا بك
اللهم انصر المسلمين واعمل بفضلك كلمة الحق المبين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات
“وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون”

د. الشيخ عكرمة صبري