حديث الجمعة الديني : الإسلام واليوم العالمي لمناهضة العنصرية
22 سبتمبر، 2016يصادف الحادي والعشرون من شهر آذار ” مارس ” اليوم العالمي لمناهضة العنصرية، حيث تحتفل به دول العالم سنوياً لترسيخ المساواة والعدل، والقضاء على جميع أشكال التمييز والتفرقة بين بني البشر. يقول الله -تعالى- : “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “سورة الحجرات- الآية13، فهذه الآية الكريمة تعلن أن التفاضل في موضوع التقوى من شأن الله رب العالمين، ولا يحق لأي إنسان أن يعطي رأيه في موضوع من اختصاص الله -عزّوجل-، ولا يمكن لأي إنسان (أصلاً) أن يقرر قاعدة للتفاضل، كما أنه لا يمكن أن يكون عادلاً تمام العدل مهما اجتهد في ذلك، لا في الحكم على نفسه ولا في الحكم على غيره، فالعدل المطلق لله الواحد الأحد، أما العدل بالنسبة للإنسان فهو عدل نسبي وليس مطلقاً.
والسؤال: لماذا ربط موضوع التقوى بالله -تبارك وتعالى-وحده ؟
والجواب: لأن التقوى أمر قلبي داخلي، لا يعلم حقيقته ولا يطلع على أسراره إلا الله -عزّوجل-، لذا ختمت الآية الكريمة بقول الله -سبحانه وتعالى- : ” إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” سورة الحجرات- الآية13، ويقول الله -العلي القدير-: ” يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ” سورة غافر (المؤمن)- الآية19.
الفوقية
للفوقية تعبيرات مثل: ” الدرجة الأولى ” أو ” النخب الأول ” أو ” الصنف الأول “، وهو إحساس من بعض الشعوب المغرورة قديماً وحديثاً تجاه شعوب أخرى مستضعفة ومغلوبة على أمرها، كما هو مشاهد على سبيل المثال في أمريكا تجاه الهنود الحمر، وفي جنوب إفريقيا من البريطانيين المستعمرين (البيض) تجاه أهل البلاد الأصليين (السود)، فتشعر الشعوب المتغطرسة أنها فوق غيرها، أو أن غيرها أدنى منها منزلة في الإنسانية، فالإنسانية في نظرهم درجات أو مراتب أو طبقات أو أنخاب !! ولا يدري هؤلاء المتغطرسون الفوقيون أن الإنسانية كلها قد أتت من أب واحد هو آدم، وأن آدم من تراب، وإن الله -عزّوجل-قد أكرم آدم وأكرم ذريته فقال: ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ” سورة الإسراء- الآية70، وأن الشعور بالفوقية يقود إلى التمييز العنصري، ولا نبالغ إذا قلنا إن لهذا الشعور جذوراً ممتدة من أيام الرومان واليونان، مروراً بالعرب والفرس والهنود، ولا يزال هذا الشعور قائماً حتى يومنا هذا، وإن شعوباً ضعيفة تعاني في هذه الأيام وتقاسي الأمرين، نتيجة لهذا التمييز وهذه الغطرسة.
مظاهر التمييز العنصري
وإليك فيما يأتي بعض مظاهر التمييز العنصري، ومنها:
1- تغلب القوي على الضعيف وقهره وإذلاله.
2- انتشار الرق والعبودية في القرن العشرين، وذلك بأن يشعر ” السيد ” بأنه من طينة تختلف عن طينة ” العبد “.
3- الاستعمار بمختلف صوره وأشكاله الثقافية والعلمية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.
4- المباهاة بالأحساب والأنساب، والذين يباهون بذلك يريدون أن يوظفوا هذا الادعاء في ابتزاز امتيازات خاصة بهم على حساب الآخرين !!
المساواة في الإسلام
لقد سبق أن حسم الإسلام موضوع التمييز العنصري والتفاوت الطبقي حسماً لا غموض فيه ولا تأويل، فأوضح بأن الناس سواسية كأسنان المشط، بغض النظر عن اللون أو العرق، والله -سبحانه وتعالى- يقول: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ” سورة النساء- الآية1، ويقول الله – عزّوجل -: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ” سورة الإسراء- الآية70، ويقول الله -تبارك وتعالى-: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” سورة الحجرات – الآية 13، والمراد من ذلك أن ميزان التفاضل عند الله هو التقوى.
وهذا الميزان الإلهي لا يقود الإنسان إلى الشعور بالتفوق على الناس، ولا يكسبه امتيازات دنيوية على حساب غيره !!
وكما هو معلوم فإن الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- هو أفضل الناس أجمعين، ومع ذلك كان يتصف بالتواضع ويعيش عيشة البساطة والكفاف، ويقيم العدل على الجميع، وقد قال قولته المشهورة: ” وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ” متفق عليه، عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، فالمسلمون سواسية في نظر الشريعة الإسلامية كأسنان المشط، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
ولرسول الله -عليه الصلاة والسلام- في هذا المقام عشرات الأحاديث النبوية الشريفة، نذكر منها: ” لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي ولا أسود على أحمر ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى ” رواه أحمد والبيهقي، عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، وقد فسر الإمام علي – كرّم الله وجهه – التقوى بقوله: ” الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل “، ويقول رسولنا الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- من حديث مطوّل: “… ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ” رواه مسلم، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-، أي أن الذي يقصر بواجباته أو يقوم بأعمال مخالفة للشرع يؤخَّر عن اللحاق بمنازل المتقين ويُحرم من دخول الجنة، ولو كان من أصحاب النسب الرفيع، لأن شرف النسب وحده لم ولن يقربه إلى الله -تعالى- زلفى، ولن يجبر نقائص أعماله.
الخاتمة
لقد أثبت التطبيق العملي للإسلام منذ خمسة عشر قرناً، أنه لا تفاوت طبقي لديه ولا تمييز عنصري، فصهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي كان لهم الباع الطويل في الدعوة الإسلامية وبناء المجتمع الإسلامي، وكانت لهم المنزلة الرفيعة عند الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ويمكن القول إن الإسلام بعقيدته المتينة وفكره العميق، قد استطاع مزج وصهر ثقافات الشعوب المتعددة والتقريب فيما بينها: فقد تعاون العربي والفارسي والرومي والسرياني والهندي والإسباني والحبشي والتركي معاً في إثراء الحضارة الإسلامية في طابعهاوتنوعها، والعربية في لغتها، وهي تجربة فريدة من نوعها في سمتها العالمية الشاملة، وما فتئت الهيئات الثقافية العالمية الحديثة تسعى في الوقت الحاضر، لمزج ثقافات الشعوب والتقريب فيما بينها لتكسب الثقافة المعاصرة الصبغة العالمية الشاملة ولكنها لم تفلح، في حين أن الإسلام قد حقق في ذلك قصب السبق منذ خمسة عشر قرناً، وهو الكفيل بإزالة الفوارق العرقية والطبقية والعصبية والعنصرية، لتكوين مجتمع إنساني تتوفر فيه العدالة، وتهيمن عليه الطمأنينة والسعادة.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.