حديث الجمعة الديني : الإسلام ويوم الصحة العالمي- الحلقة الثانية والأخيرة
15 سبتمبر، 2016الحجر الصحي
أقر رسولنا الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- مبدأ الحجر الصحي وقاية من الأمراض المعدية، وظهر ذلك جلياً في موضوعين هما: مرض الطاعون، ومرض الجذام، وأشير إلى حديثين نبويين شريفين بشأن هذين المرضين على النحو الآتي:
1- قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بشأن مرض الطاعون:
” الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل، وعلى فئة كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه ” أخرجه البخاري ومسلم، عن الصحابي الجليل أسامة بن زيد – رضي الله عنهما-
واستناداً إلى هذا الحديث النبوي الشريف فقد فرض أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الحجر الصحي على مناطق في بلاد الشام، وذلك حينما انتشر مرض الطاعون الذي عرف بطاعون عمواس (نسبة إلى بلدة عمواس في فلسطين والتي تبعد عن مدينة القدس حوالي ثلاثين كيلومتراً من الجهة الغربية)، وقد أُكتشف مرض الطاعون أول ما أُكتشف في عمواس، وقد أجمع الصحابة على الإجراء السليم الذي قام به أمير المؤمنين الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب- رضي الله عنه -.
2- قال الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- بشأن مرض الجذام: ” فر من المجذوم فرارك من الأسد ” رواه البخاري وأحمد، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-.
والمجذوم هو المريض المصاب بمرض الجذام، وهو من الأمراض المعدية، وهو عبارة عن تآكل في أعضاء الجسم.
واستناداً إلى هذا الحديث النبوي الشريف فقد مرّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو في طريقه إلى الشام، على قوم مجذومين (أي مصابين بمرض الجذام) من نصارى نجران فأمر بمعالجتهم وفرض لهم شيئاً من المال، وهذا يؤكد اهتمام الإسلام بمعالجة المرضى من مسلمين وغير مسلمين على حد سواء، كما ورد أن الخليفة الراشدي الخامس عمر بن عبد العزيز الأموي قد عزل المجذومين وأمر بمعالجتهم، ويقاس على الطاعون والجذام كل مرض معد، مثل: السل والإيدز وغيرهما من الأمراض المعدية.
بناء المشافي
لما توطدت أركان الدولة الإسلامية ورست قواعدها بدأ اهتمام الخلفاء منذ العصر الأموي بالعلوم الطبيعية والصحية والتطبيقية، إلى جانب اهتمامهم بالعلوم الشرعية، فكان الطب والتمريض من العلوم التي اهتم بها الخلفاء اهتماماً خاصاً، ففي عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان (تولى الخلافة 65 هجرية الموافق 685 ميلادية) تم تخصيص راتب للذي يقوم بخدمة المقعد، كما خصصت دابة لنقل المقعد إلى حيث يريد وخصص أيضاً راتب لمن يقود الكفيف.
وكان أول من بنى المستشفيات بالمفهوم الحديث، هو الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (تولى الخلافة 88 هجرية الموافق 706 ميلادية)، وكان كل مستشفى يضم عدداً من الأطباء والطبيبات والممرضين والممرضات، وكان للمرأة السبق في هذه المجالات الإنسانية المستمدة من ديننا الإسلامي العظيم دين الرحمة، والتعاطف والتعاون، وكان المستشفى يطلق عليه لفظ: ” البيمارستان ” (وهو في الغالب لفظ فارسي عبارة عن مقطعين ” بيمار ” معناه المريض و ” ستان ” معناه المكان).
هذا، وقد أقيمت مستشفيات خاصة لأمراض معينة: كالجذام، والأمراض العقلية، وهناك المستشفيات العسكرية بالإضافة إلى محطات الإسعاف، أما المستشفيات العامة فهي التي تُشيّد في المدن الكبرى، ويتعالج فيها الرجال والنساء مهما كان جنسهم أو دينهم أو مذهبهم من غير أجرة (أي مجاناً)، وينفق على هذه المستشفيات من الأموال الموقوفة لهذه الغاية الإنسانية النبيلة، وكان لكل مستشفى صيدلية خاصة تزود المرضى بما يحتاجون، ويشرف على الصيدلية صيدلاني مؤهل ومجاز قانونياً.
الإستجمام في المشافي
كان بعض الناس يتمارضون رغبة منهم في الدخول إلى المستشفى والتنعم بما فيه، وذلك لما يجدون من عناية ورعاية ونظافة ومأكولات شهية، مع أنهم غير مرضى، وكان الأطباء يغضون الطرف أحياناً عن هذا التحايل، وذكر المؤرخ خليل بن شاهين الظاهري بأنه زار أحد المشافي في دمشق عام 821 للهجرة الموافق 1424للميلاد فلم يشاهد مثله في عصره، وصادف أن شخصاً كان متمارضاً (أي غير مريض) في المشفى، فكتب له الطبيب بعد ثلاثة أيام كلاماً فيه اللياقة والأدب: ” ان الضيف لا يقيم فوق ثلاثة أيام “.
هكذا كان وضع المشافي في العصور الزاهرة للحضارة الإسلامية في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تغط في تخلف عميق.
الخاتمة
هذه لمحات بشأن الرعاية الصحية في الإسلام، مستدلين بالآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة وبأفعال الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومستأنسين بإنجازات الصحابة والخلفاء من بعدهم، بالإضافة إلى الصور المشرقة من تاريخ الحضارة الإسلامية عبر العصور الزاهرة، وذلك للتأكيد على أن الدولة ملزمة بالتأمين الصحي للمواطنين جميعهم.
هذا، ولا مانع شرعاً أن تستوفي الدولة من المواطنين رسوماً واشتراكات في مجال الصحة والدواء، وذلك إذا لم تستطع تغطية تكاليف المستشفيات والمستوصفات والعيادات الصحية كافة، كما يحق للدولة فرض رسوم أو اشتراكات على المواطنين في المجالات الأخرى، وذلك مساهمة من المواطنين في التخفيف عن الإلتزامات المالية على الدولة، وهذا ما أميل إليه وأفتي به.
اللهم فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وارزقنا اليقين.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.