حديث الجمعة الديني : الإسلام ويوم المياه العالمي
22 سبتمبر، 2016يصادف الثاني والعشرون من شهر آذار من كل عام اليوم العالمي للمياه، وذلك لبيان أهمية الماء للإنسان ولجميع المخلوقات من الحيوانات والطيور والنباتات، وأنه لا حياة على الكرة الأرضية بدون الماء، فجرى تخصيص يوم عالمي للمياه، بهدف تأمين الماء للأقطار التي يشح فيها، والتي تصاب بالعطش والجدب والقحط والتصحر، ويترتب على انعدام الماء الجوع والعطش لدى الشعوب المتخلفة.
وعليه، ينبغي الاهتمام بتوفير المياه لهذه الأقطار، وبخاصة في القارة الإفريقية، وذلك من خلال حفر الآبار الأرتوازية، ومن خلال إقامة قنوات عريضة وتركيب أنابيب ضخمة للري ترتبط بالأنهار والسدود الموجودة في البلدان الأخرى المجاورة.
وكم نتألم ونحن نشاهد عبر شاشات التلفاز، بعض المناظر لأقطار إفريقية أصيبت بالمجاعة والعطش والقحط والجدب والتصحر، مما أدى إلى وفاة المئات من الأطفال، ونفوق الآلاف من الحيوانات عطشاً وجوعاً !!
الأدلة الشرعية على عناية الإسلام بالماء
لقد أعطى ديننا الإسلامي العظيم عنايته للماء، وبيّن أهميته للإنسان ولجميع المخلوقات من الحيوانات والنباتات…وقرر أن الماء حق للجميع، فهناك مجموعة من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد هذه المعاني السامية، وأُشير هنا إلى عدد من الآيات القرآنية الكريمة (حسب ترتيبها في القرآن الكريم) ثم أشير إلى عدد من الأحاديث النبوية الشريفة.
أولاً: الآيات القرآنية الكريمة
1- قال الله -تعالى- : “وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” سورة الأنعام- الآية99.
2- قال الله -العلي القدير-: ” الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى. كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى” سورة طه – الآيتان 53 و 54، ففي هاتين الآيتين الكريمتين إشارة إلى معالجة مشكلة الجوع والمجاعة، وإشارة إلى الاهتمام بتربية المواشي والأنعام (أي ما يعرف بالثروة الحيوانية).
3- قال الله -عزّوجل-: ” وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ” سورة الأنبياء- الآية30، وهذه الآية الكريمة شاملة في مضمونها رغم قلة عدد كلماتها.
4- قال الله -تبارك وتعالى-: ” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ” سورة الحج- الآية63، وهذه الآية الكريمة تشير إلى حماية الطبيعة بأن تصبح الأرض مخضرة.
5- قال الله -سبحانه وتعالى- : ” أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ” سورة السجدة- الآية27.
6- قال الله -عزّوجل-: ” وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ ” سورة الزخرف- الآية11.
7- قال الله -العلي القدير-: “فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ “سورة القمر – الآيتان 11 و 12.
8- قال الله -سبحانه وتعالى- : ” وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ ” سورة القمر- الآية 28.
9- قال الله -تبارك وتعالى-: ” وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا .لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا” سورة النبأ (عمّ يتساءلون) – الآيتان 14 و 15.
ثانياً: الأحاديث النبوية الشريفة
1- قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ ” رواه البخاري عن الصحابي الجليل أبي هريرة – رضي الله عنه -أي أن ما يزيد عن حاجة الناس من الماء ينبغي أن يصرف لزراعة الكلأ.
2- وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ” المسلمون شركاء في ثلاث: الكلأ والماء والنار “، وفي لفظ آخر: ” المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار “، وفي رواية (الناس) بدلاً من (المسلمون) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس والصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم-.
3- قضى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بين أهل المدينة ألاّ يمنع فضل ماء ليمنع فضل الكلأ، رواه أحمد، عن الصحابي الجليل عبادة بن الصامت – رضي الله عنه-
المحافظة على الماء من التلوث
لقد حرص الإسلام على نظافة الماء، وأن يكون خاليا من التلوث، وهذا واجب على الإنسان وعلى المجتمع وعلى الدولة، وهناك مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة في هذا المجال، أشير إلى ثلاثة منها:
1- قال الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل ” رواه أبوداود وابن ماجه، عن الصحابي الجليل معاذ بن جبل -رضي الله عنه-.
(الموارد) تجمع المياه فلا يجوز التبرز فيها، كما لا يجوز التبرز في قارعة الطريق لأن الناس ينتفعون ويمرون منها، ومثل ذلك الظلّ، حيث يستريحون تحته ويستظلون فيه.
2- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ” لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ” رواه البخاري ومسلم وأبوداود والنسائي، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه- ، وهذا الحديث الشريف يحث على طهارة الماء ونظافته وخلوه من الجراثيم.
3- قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ” رواه البخاري، عن الصحابي الجليل أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه-، فهذا الحديث الشريف حريص على نقاوة الماء من الجراثيم لأنه من المحتمل أن يكون الشخص مريضا فتنتقل العدوى إلى غيره.
الإسراف في استعمال الماء
هناك مجموعة من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة تنهى عن الإسراف في استعمال الماء، وأشير إلى اثنين منها:
1- قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” كل واشرب من غير إسراف ولامخيلة ” رواه أحمد والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (عبدالله ابن عمرو بن العاص) -رضي الله عنه-.
2- روى الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: ان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- مرّ بسعد وهو يتوضأ، فقال له: ما هذا الإسراف يا سعد ؟ فقال: وهل في الماء إسراف يا رسول الله ؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار. رواه أحمد وابن ماجه، كما روى هذا الحديث الشريف عبدالله ابن عمر -رضي الله عنهما-، والمراد ” سعد ” هنا: سعد ابن أبي وقاص -رضي الله عنه -.
شحّ الماء بسبب المعاصي
إن ارتكاب المعاصي من أسباب شحّ الماء وقلته أو عدم نزول الأمطار، فقد طلب سيدنا نوح -عليه السلام-من قومه الاستغفار والتوبة من المعاصي والذنوب، وذلك عندما أصابهم الجدب والقحط، حتى ينزل الله -عزّوجل-المطر عليهم، فيقول الله -سبحانه وتعالى- على لسان نوح: ” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ” سورة نوح – الآيات 10 – 12، ويقول الله -تعالى- : ” قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ ” سورة الملك- الآية30، ويقول رسول الله -عليه الصلاة والسلام- من حديث مطول: ” ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا.. ” أخرجه ابن ماجه والبيهقي والحاكم وأبو نعيم، وقال الهيثمي في كتابه (مجمع الزوائد): هذا حديث صالح للعمل به، وهو حسن بشواهده.
قرار اليوم العالمي للمياه
أما قرار هيئة الأمم المتحدة حول يوم المياه العالمي فكان بالإعلان عن اليوم الثاني والعشرين من شهر آذار (مارس) من كل عام يوماً عالمياً للمياه استنادا إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة والأربعين وفي جلستها رقم 47/ 193 عام 1992م بهدف توفير مياه نظيفة للشرب وزيادة الوعي العالمي لترشيد استهلاك المياه، والإفادة من مصادر المياه التي تشمل الأمطار والعيون والينابيع والآبار الأرتوازية، بالإضافة إلى الأنهار والأودية والبحيرات الداخلية، كما أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 58 / 217 بتاريخ 23 كانون الأول (ديسمبر) عام 2003م إطلاق العقد الدولي للماء من أجل الحياة مدة عشر سنوات في الفترة الواقعة من تاريخ 22 / 3/ 2005 م إلى 22 / 3/ 2015م، وذلك بهدف توفير المياه للمناطق المعرضة للقحط والجدب، وبالتالي للعطش والجوع والمجاعة وبخاصة في القارة الإفريقية.
الخاتمة
إن ديننا الإسلامي العظيم قد أعطى عنايته للماء لتستفيد منه جميع الشعوب بلا استثناء، كما حرص على توفير الحاجات الأساسية من المأكل والمشرب والمسكن ليعيش المواطنون بأمن وأمان وطمأنينة واستقرار ويتوجب على أهل العلم نشر الثقافة الإسلامية بين المسلمين بشكل خاص، وكذلك نشرها إلى شعوب العالم ليدركوا أن الإسلام دين الحياة، وهو دين البشرية جمعاء.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.