حديث الجمعة الديني : الاسلام ويوم الكتاب العالمي
15 سبتمبر، 2016تحتفل دول العالم في الثالث والعشرين من شهر نيسان ” إبريل ” من كل عام باليوم العالمي للكتاب، حيث تنظم الفعاليات والمؤتمرات والمعارض الدولية لتشجيع القراءة لدى الجميع، وبخاصة فئة الشباب. حيث لوحظ العزوف الشديد لديهم عن القراءة في الآونة الأخيرة، والاكتفاء بـ (الإنترنت) الذي يخزن آلاف الكتب وملايين المعلومات، علماً بأن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في مؤتمرها العام الذي عقد في العاصمة الفرنسية (باريس) عام 1995لميلاد قد إعتبرت الثالث والعشرين من شهر نيسان ” إبريل ” يوماً عالمياً للكتاب.
إحصاءات وحقائق مذهلة !!
لقد أصدرت منظمة (اليونسكو) مؤخراً، تقريراً بشأن أزمة القراءة في الوطن العربي تضمَّن ثلاث إحصاءات وحقائق مذهلة لمتوسط القراءة لدى المواطن العربي مقارنة مع الشعوب الأخرى، وذلك على النحو الآتي:
أ- الإحصائية الأولى:
1. متوسط ما يقرؤه الياباني هو ثلاثة وأربعون كتاباً في السنة.
2. متوسط ما يقرؤه الأوروبي هو خمسة وثلاثون كتاباً في السنة.
3. متوسط ما يقرؤه الهندي هو عشر ساعات اسبوعياً.
4. متوسط ما يقرؤه كل ثمانين شخصاَ عربياً كتاب واحد فقط في السنة !!
ب- الإحصائية الثانية:
1. إن معدل نشر الكتاب في العالم العربي لا تتجاوز نسبته 7٪ فقط في السنة الواحدة .
2. إن نصيب كل مليون عربي من الكتب لا يتجاوز ثلاثين كتاباً مقابل 584 كتاباً لكل مليون أوروبي، ومقابل 212 كتاباً لكل مليون أمريكي.
3. إن أعداد النسخ المطبوعة من الكتاب العربي في المعدل العام بين ألف إلى ثلاثة آلاف نسخة، بينما عدد النسخ المطبوعة للكتاب في أوروبا وأمريكا بين أربعين ألفاً إلى سبعين ألف نسخة.
ج – الاحصائية الثالثة:
1. ثقافة ياباني واحد تعادل ثقافة 3900 عربي.
2. ثقافة أوروبي واحد تعادل ثقافة 2800 عربي.
إحصائية دولية أخرى
نشر عدد من المراكز الدولية المعنية بالكتاب الإحصائية الآتية:
1. إن ما تنفقه النساء العربيات على الزينة والحلي والعطور والملابس يتجاوز ما تنفقه النساء في أوروبا وأمريكا بخمسة أضعاف.
2. إن ما ينفقه الشاب العربي على التدخين ومكالمات الهاتف النقال والكماليات الأخرى يعادل شراء مائة مليون من الكتب سنوياً.
أسباب ضعف القراءة للكتاب في العالم
ويمكن إرجاع أسباب ضعف القراءة لدى الإنسان العربي إلى ما يأتي:
1. الوضع الاقتصادي المتدهور في معظم الدول العربية الذي لا يسمح بشراء الكتب.
2. البذخ والإسراف في بعض الدول العربية لشراء الكماليات، والعزوف عن شراء الكتب.
3. انتشار الأمية في بعض الدول العربية، مثل: اليمن وموريتانيا وجيبوتي.
4. تفشي الجهل بين المواطنين، وبخاصة الذين يتركون الدراسة بعد المرحلة الأساسية، ويلتحقون بسوق العمل، وهو ما يعرف بظاهرة التسرب من المدارس.
5. عدم تأسيس مكتبات منزلية، تكون مناسبة للأطفال وللفتيان داخل الأسرة، بهدف تشجيعهم على المطالعة.
6. تتركز أوجه الإنفاق في العالم العربي على السياحة والترفيه وبناء الفنادق والمطاعم والملاهي، والاهتمام بالكماليات والمظاهر التافهة، والاستهانة بطباعة الكتب.
أول الآيات القرآنية
إن أول الآيات القرآنية نزولاً على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- هي قول الله – عزّ وجل -: ” إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، إقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” سورة العلق – الآيات 1- 5، وذلك للدلالة على أن ديننا الإسلامي العظيم قد أعطى أول ما أعطى عنايته للتعليم، ثم أخذ يحض على التوحيد والعمل بأركان الإسلام، وهذه الآيات الكريمة ترشد إلى ما يأتي:
1. وجوب تعليم القراءة، ومن المعلوم بداهة ان القراءة هي بداية المعرفة لكل إنسان.
2. وجوب معرفة الخط والكتابة، ومن المعلوم بداهة أن الكتابة هي التي تعمل على نشر المعرفة بين الناس، وأن القلم هو الأداة الفاعلة الفعالة في التوثيق وحفظ المعرفة ونقلها للآخرين، ولولا القلم لتعرضت أمور كثيرة للضياع من كل الشؤون الخاصة والعامة، ومن المعلوم ان الطباعة انبثقت من فكرة الكتابة بالقلم.
3. الحث على البحث والتقصي، وذلك للتوسع في المعرفة وللوصول إلى أفكار جديدة ومكتشفات علمية متطورة ” عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” وأن الله -سبحانه وتعالى- قد أكرم القلم، حيث توجد سورة في القرآن الكريم باسم ” القلم “، كما أكرمه -عزّوجل-بأن أقسم به في الآية الأولى من هذه السورة ” ن. وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ” وأن الله -تبارك وتعالى-قد خلق أول ما خلق القلم كما ورد في صحيح البخاري.
كل ذلك الإكرام يرمز للقلم من الأهمية في الكتابة والقراءة وتوثيق المعارف وتدوين المعلومات، وغيرها.
إلزامية التعليم وبالمجان
اعتبر ديننا الإسلامي العظيم التعليم إجبارياً، أي إلزامياَ، وبالمجان أيضاً، وذلك من خلال النصوص الآتية:
1. قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” طلب العلم فريضة على كل مسلم” رواه الترمذي، عن الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه- ولفظ (مسلم) في هذا الحديث النبوي الشريف لفظ عام يشمل الذكر والأنثى على السواء.
2. قال الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” من كتم علماً مما ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من النار ” رواه الترمذي، عن الصحابي الجليل أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- للدلالة على أن المسلم ملزم بتعليم غيره، ونشر العلم بين الناس، لأن الحديث الشريف يحذر من كتمان العلم وحبسه.
3. أصبح للرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- إثنان وأربعون ” 42 ” كاتباً كانوا يكتبون له في جميع أموره ومهام دولته، من رسائل وكتب الى الملوك والأمراء ومن عهود واتفاقات بينه وبين أهل الذمة وقريش والقبائل المختلفة، وكان بعضهم يكتب مغانم الحروب وأموال الصدقات والمداينات والمعاملات، بالإضافة إلى كتّاب الوحي، الذين كانوا يدونون القرآن الكريم.
4. ورد في الأثر أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أطلق سراح بعض الأسرى في معركة بدر الكبرى (سنة 2 هجرية الموافق 623 ميلادية) مقابل أن يعلم كل أسير من مشركي مكة عشرة أولاد من أهل المدينة المنورة، واعتبر -عليه الصلاة والسلام- التعليم بمثابة فداء للأسير حتى يطلق سراحه، وذلك حرصا منه -عليه الصلاة والسلام- على ذيوع التعليم ونشره بين الجميع، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي عن كثير بن قيس، عن الصحابي الجليل أبي الدرداء -رضي الله عنه-.
5. ورد في الأثر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كلف عدداً من أعوانه بفحص الناس، فمن لم يجدوه يعرف القراءة والكتابة ألزموه بذلك، رواه مسلم، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-، وذلك للدلالة على أن التعليم إلزامي، وأن الدولة حريصة على مكافحة الأمية في المجتمع، وعلى تشجيع الناس على المطالعة والقراءة
انتشار المكتبات العامة
لم يكن في صدر الإسلام كتب مدونة سوى القرآن الكريم، حيث ازدادت نسخه زيادة كبيرة في مدة وجيزة، ويعد القرآن الكريم أول كتاب دون باللغة العربية، ويضاف إلى ذلك ما دون من الأحاديث النبوية الشريفة في عهد الخلفاء الراشدين والعهد الأموي، كما دُوّن شيء يسير في التاريخ ومبادىء النحو، وما ترجم من الكيمياء. وروي أن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز أنشأ أول مكتبة في الإسلام، وفي خلافة العباسيين اعتنى العرب بتدوين الأدب العربي، والعلوم الدينية، وترجمة العلوم من اللغات الأخرى، فأنشأوا ما يأتي:
أولاً: أنشأوا دوراً عامة للكتب (المكتبات) وأطلقوا عليها لفظ دار أو بيت أو خزانة، مثل: دار الحكمة التي أنشأها الخليفة العباسي هارون الرشيد في مدينة بغداد، وبلغت عمرها الذهبي في خلافة ابنه المأمون، وكانت تحتوي على كتب متنوعة بلغات متعددة، وكذلك أقيمت (دار العلم) ببغداد، وقد اشتملت على (10400)كتاب في مختلف العلوم، وكان لبعض نساء الأندلس مجموعات خاصة من الكتب وكان في مكتبة العزيز الفاطمي المتوفى (سنة 386 هجرية الموافق 996ميلادية) كما يقول المقريزي: مليون و 600 ألف مجلد.
ثانياً: أنشأوا دوراً عامة للكتب في المساجد والمدارس والجامعات، وانتشرت المكتبات وازدهرت في العصور المتلاحقة، وظهرت الأبحاث الفقهية، وألفت موسوعات في موضوعات التوحيد، والفقه وأصوله، والتفسير، والحديث الشريف، وقد لمع فقهاء ومجتهدون في هذه الموضوعات كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل، والأوزاعي، والطبري، والبخاري، وابن تيمية، وابن حزم، وأبي يوسف، وغيرهم كثير، كما ظهرت الأبحاث العلمية في مجال الرياضيات، والكيمياء، والطب، والصيدلة، والفلك، والجغرافيا، وبرز الأعلام المشهورون كابن سينا، والرازي، والفارابي، والكندي، والإدريسي، والبيروني، وابن الهيثم، والخوارزمي، وابن خلدون، وغيرهم كثير.
مكتبة المدرسة المستنصرية
لعل أعظم المكتبات في العصور العباسية الأخيرة مكتبة المدرسة المستنصرية، فإن الخليفة المستنصر وقف فيها كتباً نفيسة، يقول المؤرخ ابن كثير: ليس في الدنيا لها نظير، ويروى أن عدد الكتب التي أودعها المستنصر بلغ ثمانين ألفاً، وكان المستنصر والمستعصم من أكثر الناس عناية بها، وكان من أشهر المشرفين عليها: ابن الساعي وابن الفوطي المؤرخان العراقيان الشهيران، وكانت الكتب تجلّد بجلود ثمينة وعليها زخارف هندسية.
الخاتمة
هذه لمحات عن تاريخ الحضارة الإسلامية فيما يتعلق بالمكتبات، حينما كانت الأمة الإسلامية ملتزمة بكتاب الله -سبحانه وتعالى- وسنة رسوله الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-، وإن ما اعترى العالم العربي في هذه الأيام من ضعف وتفكك وتخلف، إنما كان لتخليه عن دينه وجذوره وتراثه، وإن الاهتمام العالمي بالكتاب يعد نقلة نوعية في ميدان الفكر والثقافة، وحري بالمسلمين أن يكونوا السباقين في هذا المجال.
اللهم فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وارزقنا اليقين.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.