حديث الجمعة الديني : التجديد والتحديث في الاسلام – الحلقة الرابعة
2 أكتوبر، 2016من المعلوم بداهة ان مصادر التشريع الاسلامي الاساسية اربعة، هي: القرآن الكريم والسنة النبوية
المطهرة والاجماع والقياس،
وان كلا من الاجماع والقياس يمثلان الاجتهاد في التشريع وانهما يستندان
الى الكتاب والسنة. وسبق ان تعرضت للاجماع في الحلقة السابقة.
القياس
أ- تعريفه «لغة » تقدير شيء بآخر فيقال: قست الأرض بالمتر اي قدرتها به، ويطلق ايضا على
مقارنة شيء بغيره لنعرف مقدار كل منهما بالنسبة للآخر، فيقال: قاست بين هاتين الورقتين اذا
قارنت بينهما. تعريفه «اصطلاحا » الحاق حادثة لا نص فيها بحادثة فيها نص في الحكم لتساوي
الحادثتين في العلة.
ب- أركانه: يؤخذ من تعريف القياس ان اركانه اربعة:
-1 المقيس عليه: وهو الموضوع الذي ورد النص ببيان حكمه، ويسمى الأصل.
-2 المقيس: وهو الموضوع الذي لم يرد نص بحكمه، ويراد معرفة حكمه، ويسمى الفرع.
-3 الحكم: وهو الحكم الشرعي الذي ورد به النص في الأصل، ويراد الحكم به على الفرع.
-4 العلة: وهي الوصف الذي من اجله شرع الحكم في الاصل، وتحقق في الفرع ليأخذ الفرع حكم
الأصل لاشتراكهما في العلة، ويطلق على «العلة » احيانا لفظ السبب.
امثلة تطبيقية
يحسن ان نورد امثلة «نماذج » تطبيقية عملية على القياس لنؤكد على قدرة الاسلام وامكاناته
على حل المشاكل المستجدة والمستحدثة:
-1 البيع وقت صلاة الجمعة:
لقد ورد نص شرعي بترك البيع وقت صلاة الجمعة اي لا يجوز اجراء البيع وقت النداء لصلاة
الجمعة وحتى الانتهاء من الصلاة لقوله سبحانه وتعالى: «يا أيها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من
يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون، فاذا قضيت الصلاة
فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ». سورة الجمعة الايتان
9 و 10 وقد استنبط المجتهدون من هذه الاية ان «العلة .»
هي الالهاء عن حضور الصلاة، فوقتها محدد ولا يعوض.
ويقاس على البيع كل فعل او تصرف يؤدي الى الالهاء عن صلاة الجمعة كالاجارة والرهن، وزيارة
الاقارب والاصدقاء، ولعب كرة القدم وغيرها من الاعمال التي تؤدي الى الالهاء عن الجمعة، فكل هذه
الامور وامثالها لا يجوز ممارستها وقت صلاة الجمعة، رغم انها مشروعة ومباحة في الاصل، الا انه
يحرم ممارستها قياسا على البيع الذي ورد نصا في القرآن الكريم بعدم القيام به.
-2 قتل الوارث لموروثه:
ورد نص شرعي بأن القاتل لمورثه عمدا يحرم من الميراث لقول رسولنا الاكرم محمد صلى الله عليه
وسلم «القاتل لا يرث » رواه الترمذي وابن ماجه عن الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه، وفي
اسناده ضعف، ولكن من طرق اخرى، وهناك قاعدة شرعية تقول كل من استعجل الشيء قبل اوانه
عوقب بحرمانه » وفي حالة قتل الموصى له للموصي لم يرد نص شرعي يتعلق بالوصية، ولكن توجد
في هذه الواقعة العلة الموجودة في الواقعة الاولى وهي: استعجال الشيء قبل اوانه بطريق الاجرام
فتلحق واقعة قتل الموصى له للموصي بواقعة قتل الوارث لمورثه لاشتراكهما في علة واحدة، فيأخذ
الموصى له حكم الوارث، وعليه يحرم الموصى له من الوصية كما حرم الوارث من الميراث.
حكم الكافر للمسلم:
ورد نص شرعي يقضي بتحريم حكم الكافر للمسلم، اي لا يجوز ان يتولى الكافر ادارة الحكم في
بلاد المسلمين، وذلك في عشرات الايات الكريمة منها قوله عز وجل: «ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا ». سورة النساء الاية 140 ومعنى سبيلا: سلطانا فحينما طرحت مسألة تدويل مدينة
القدس صدر حكم شرعي من العلماء بتحريم ذلك قياسا على حكم الكافر للمسلم لأن الدول الكبرى
المتحكمة في الشؤون الدولية هي دول استعمارية كافرة، والمقصود بالتدويل ان تحكم مدينة القدس
من قبل مندوبين عن هذه الدول الكافرة، وعليه يأخذ التدويل نفس الحكم بالتحريم قياسا على
حكم الكافر للمسلم لاشتراكهما في علة واحدة هي: الحكم بالكفر.
٤- الاعداد للقوة:
ورد نص شرعي بوجوب الاعداد للقوة لقوله سبحانه وتعالى «واعدوا لهم ما استطعتم من قوة
ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم » سورة الانفال الاية ٦١ . والعلة من الاعداد هي: ارهاب
العدو. وذكرت الاية الكريمة نموذجا من الاعداد الذي كان ذائعا لدى العرب وهو رباط الخيل. ويقاس
عليه اي نوع من انواع الاسلحة التي تؤدي الى ارهاب العدو كالصواريخ والدبابات والطائرات ففي
كل عصر تتطور الاسلحة بانواع جديدة، فتأخذ الحكم الشرعي وهو انه لا بد من مجاراتها واقتنائها
لتؤدي الى ارهاب العدو، وليس بالضرورة استعمال الاسلحة الا اذا اقتضت الحاجة اليها لرد العدوان
وصد المعتدي، ومنعه من الاعتداء.
٥- الملح من الملكيات العامة
ورد نص شرعي يقضي بان الملح من الملكيات العامة فقد روى الصحابي الجليل ابيض بن جمال رضي
الله عنه انه قد وفد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح الذي بمأرب فأقطعه اياه فلما
ولى قال رجل: يا رسول الله انما اقطعت له الماء العد، قال: فرجعه منه ». رواه ابو داود والنسائي وابن
ماجة والدارمي وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان، والعلة في ذلك ان الملح من المعادن غير المنقطعة،
لان الحديث النبوي الشريف شبه الملح بالماء العد اي ان الملح ليس مركوزا ولا محصورا، بل هو غير
منقطع اي انه لا ينضب. وهناك حديث نبوي شريف اخر يصف الملح بالمعدن فقد روى الصحابي الجليل
عمرو بن قيس المأربي قائلا: استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم معدن الملح بمأرب فأقطعنيه.
فقيل: يا رسول الله انه بمنزلة الماء العد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا، اذن » اي لا يجوز
تمليك معدن الملح للافراد لانه غير منقطع. ومعنى استقطع: طلب منه ان يقطعه. هذا ويقاس على
معدن الملح جميع المعادن من فلزية ولا فلزية ، والجامدة والسائلة، والبلورية وغير البلورية فتشمل:
مناجم الذهب والفضة والنحاس والحديد والنفط والزئبق والبوتاس والفوسفات واليورانيوم والالمنيوم
وغيرها. فالعلة المشتركة مع الملح هي )المعدن غير المنقطع( وعليه فان المعادن تأخذ نفس الحكم وهو
ان المعادن من الملكيات العامة وليس من الملكيات الخاصة، وذلك عن طريق القياس.
٦- الاخوة الاشقاء مقدمون على الاخوة لاب في استحقاق الميراث لقول الرسول صلى الله عليه وسلم
«الحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لاولي رجل ذكر » متفق عليه عن الصحابي الجليل عبدالله بن
عباس رضي الله عنهما. والمراد )الفرائض اي الذين يستحقون الميراث والمذكورين في القران الكريم
بحصصهم المقررة.)رجل ذكر( اي اقرب رجل من جهة الميت بعد اصحاب الفرائض. ولفظ )ذكر( يشمل
الصغير والكبير، لان عادة العرب في الجاهلية كانوا لا يعطون الميراث الا لمن بلغ سن الرجولة!!
ويتضح من هذا الحديث النبوي الشريف ان سبب استحقاق الميراث هو )قوة القرابة( ثم جاء
العلماء وقاسوا على هذه المسألة وقالوا: ان ولاية الاخ الشقيق في النكاح مقدمة على ولاية الاخ لاب.
والعلة في ذلك هي )قوة القرابة( اوشدة القرابة. فما دام الاخ الشقيق يستحق في الميراث قبل الاخ
لقوة القرابة فكذلك )الولاية( تكون للاخ الشقيق في النكاح مقدمة على ولاية الاخ لاب وذلك
باستعمال القياس.
٧- لا يجور للقاضي ان يقضي حالة الغضب: