حديث الجمعة الديني: الرويبضة!!
23 سبتمبر، 2016قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ” سيأتي على الناس سنوات خدّاعات: يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: يا رسول الله، ما الرويبضة؟ قال: “الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”- رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وقال في كتابه المستدرك: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي في كتابه: “التلخيص” عن الصحابي الجليل أبي هريرة –رضي الله عنه-.
معنى الرويبضة لغة واصطلاحاً
أصل لفظ الرويبضة لغة: من الفعل رَبَض. وربوض الغنم والبقر والفرس والكلب مثل بروك الجمل في المكان. والمربض : المرعى الذي ترعى فيه المواشي. وقد استعار –عليه الصلاة والسلام- المعنى المادي لهذا اللفظ، وأراد به المعنى المعنوي المجازي الاصطلاحي وهو عبارة عن وصف الشخص التافه الذي ليس بصاحب همة بسبب ربوضه وقعوده وكسله كالأنعام بأن تسند اليه المسؤولية الذي هو ليس أهلاً لها.
وقال علماء اللغة: إن زيادة حرف (الهاء) في آخر الكلمة يقصد بها المبالغة في الوصف. كما أن التصغير للفظ (الرويبضة) مبالغة في التحقير والتنقيص في القدر والاحترام. ويطلق لفظ (الرويبضة) على الفرد كما تطلق على الجمع.
المعنى العام للحديث النبوي الشريف
هذا الحديث النبوي الشريف من الأحاديث النبوية الشريفة التي تخبر عن الفتن وعن أشراط الساعة الصغرى، حيث سيأتي على الناس سنوات شديدة صعبة تختلط فيها الأمور وتنقلب فيها الموازين وتضظرب فيها الأحوال فيصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين ، ويتولى الرويبضة المسؤولية ويتكلمون في الأمور العامة، وتسند لهم الوظائف والمواقع المهمة في الدولة، في حين أنهم ليسوا أهلاً لها. هذا وقد وصف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الرويبضة بصفات متعددة، منها: التافه، والحقير، والبليد، والكاذب ، والخائن، وذلك في أحاديث نبوية شريفة أخرى.
ما يرشد اليه الحديث النبوي الشريف
1- يحرم أن يصدق الكاذب، كما يحرم أن يكذب الصادق.
2- لا يجوز شرعاً إسناد المسؤولية للشخص التافه غير الكفء وغير المؤهل.
3- يجب وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، من حيث الكفاءة والخبرة والاستقامة والإخلاص
ضياع الأمانة وخيانة المسؤولية
هناك حديث نبوي شريف آخر يشير إلى أن إسناد المسؤولية ممن هم ليسوا أهلاً لها يؤدي إلى ضياع الأمانة وخيانة المسؤولية واضطراب الموازين وفساد المجتمع وتدهوره، فقد سأل رجلٌ الرسول –صلى الله عليه وسلم- قائلاً: يا رسول الله، متى الساعة؟ فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال: وكيف إضاعتها؟ فقال له –صلى الله عليه وسلم- : “إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة”- رواه البخاري عن الصحابي الجليل أبي هريرة –رضي الله عنه-.
فهذا الحديث النبوي الشريف يؤيد حديث الرويبضة، ويشير إلى اسناد الأمر إلى غير أهله هو علامة من العلامات الصغرى ليوم القيامة، وهكذا فإن تولية الأمور يجب أن تستند إلى كفاءة وتخصص وجدارة واستقامة وإخلاص وأخلاق فلا يجوز إسناد المسؤولية إلى أُناس جهال أو ضعاف أو تافهين أو منحرفين أو ساقطين سلوكياً وأخلاقياً أو غير مبالين؛ لأنهم سيضيّعون الأمانة ويعتدون على حقوق العباد، ويفسدون في البلاد، وتعم فيها الفوضى والاضطرابات.
وعليه فإن إسناد الأمور العامة لمن ليسوا أهلاً لها… هذا الإسناد هو خزي في الدنيا ، وندامة يوم القيامة.
ضعف العرب وتفرقهم
إن من أسباب ضعف العرب والمسلمين في هذه الأيام هو ابتلاؤهم بداء “الرويبضة” حتى وصل بهم الأمر إلى ما وصلوا اليه من التشرذم والتفرق والخلاف والصراع، ومن ضياع للحقوق وخيانة للأمانة وتكالب الأمم الأخرى عليهم كما تتكالب الآكلة على قصعتها، والله سبحانه وتعالى يقول: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ “سورة الأنفال- الآية 27. ولم يسبق للعرب والمسلمين أن وصلوا إلى الضعف والتفرق والتمزق والهوان والمذلة مثل ما وصلوا اليه في هذه الأيام، رغم الامكانات المادية والبشرية والعلمية الكبيرة المتوفرة لديهم، بالاضافة إلى الثروات الغنية، فلم يلتفتوا إلى الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي أمرتهم بحفظ الأمانة وعدم خيانتها كما حذرت من الفتن والانحرافات والانعكاسات حتى لا يقعوا فيها!!
فالسعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه.
الخاتمة
إن المسلمين في العالم كله مدعوون إلى التحرر من داء “الرويبضة” وضرورة التحرر من قيود العائلية والعشيرية والحزبية والمحسوبية حتى يتمكنوا من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، حينئذ تتحقق المصلحة العامة ومصلحة المواطنين جميعاً، وتشيع في المجتمع روح العدالة والمحبة والطمأنينة والاستقرار. وفي هذا السياق أشير إلى حادثة قصيرة لها علاقة مباشرة في موضوعنا: بأن وزيراً بريطانياً قد ضبط بتهمة التجسس لصالح روسيا ، وعندما سئل هذا الوزير ماذا كان يفعل ليخدم روسيا؟ فكانت إجابته: (كان المطلوب مني أن أضع الرجل في غير موضعه المناسب، وهذا ما كنت أقوم به فقط، وذلك بناءً على توجيهات روسيا) يفهم من ذلك أن روسيا كانت تهدف إلى إيجاد الاضطراب والفوضى في بريطانيا من خلال هذا الأسلوب الخطير، وهو وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب، وعليه فإن المسؤول الذي يضع غير المؤهلين في غير موضعهم المناسب يكون مضيعاً للأمانة ومفرطاً فيها وخائناً للمسؤولية، وملحقاً الضرر والاضطراب في المجتمع.
” إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ “-سورة (ق) الآية 37.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.