حديث الجمعة الديني : الزواج، واليوم العالمي للثلاسيميا
23 سبتمبر، 2016لقد اولى ديننا الاسلامي العظيم عنايته للاسرة، ورسم لها الاحكام الشرعية الكفيلة ببنائها واستمراريتها وصلاحها، فالاسرة كما هو معلوم، تمثل اللبنة الاساسية والمهمة في بنيان المجتمع الصالح السليم، وكما هو معلوم ايضا ان الاسلام قد ركز على توفر –التدين والالتزام – في بناء الاسرة: لكل من الزوج والزوجة حيث يقول رسولنا الاكرم محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-: “اذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد عريض ” – رواه الترمذي عن الصحابي الجليل ابي هريرة -رضي الله عنه-
وهو حديث حسن. فهذا الحديث النبوي الشريف صريح في اشتراط -التدين – في الشاب، وان تفضيل غيره عليه يؤدي الى فتنة وفساد في المجتمع كله، ومعنى هذا: انه لا يجوز تزويج الشاب الذي لا نطمئن الى دينه وخلقه. ويقول -عليه الصلاة والسلام – بحق الزوجة: ” تنكح المرأة لاربع: لمالها ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك “-متفق عليه عن الصحابي الجليل ابي هريرة- رضي الله عنه-، ويفهم من هذا الحديث النبوي الشريف ان الشاب مأمور بالبحث عن الفتاة ذات الدين لأن الزوجة الصالحة ذات الدين قادرة على تربية اولادها التربية السليمة وان توجههم الى الاخلاق الحميدة وهي امينة على بيت الزوجية. وقد عبّر -عليه الصلاة والسلام- بقوله ( تربت يداك ) لحث الشاب وترغيبه في اختيار الفتاة الملتزمة دينيا ليتزوجها، ولهذه العبارة تفسير آخر وهو: ان الشاب اذا لم يتقيد بما امر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم – ولم يقصد في زواجه الفتاة الملتزمة دينيا فان مصيره الفقر والهلاك.
الحث على الاغتراب في الزواج
يحثّ ديننا الاسلامي العظيم على الاغتراب في الزواج والابتعاد ما امكن عن الزواج من القريبات ليكون المواليد اقوياء جسميا واذكياء عقليا، وكان ذلك منذ خمسة عشر قرنا، وقد وردت في ذلك آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم واقوال منسوبة الى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، منها:
1- “اغتربوا ولا تضووا” – اي تزوجوا الغرائب، لان ولد الغريبة اقوى من ولد الزوجة القريبة في غالب الاحيان، ولا تتزوجوا القرائب حتى لا يكون النسل ضعيفا، ويقال: ضوت المرأة اذا ولدت ولدا ضعيفا، فمعنى لا تضووا : لا تأتوا بأولاد ضاوين اي ضعفاء، نحفاء – من كتاب النهاية لابن الاثير ج 3 ص 106 لسان العرب لابن منظور من مادة (ضوا) .
2- “لا تزوجوا النساء على قراباتهم فانه من ذلك القطيعة” – رواه الدارمي عن الصحابي الجليل طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه، اي من المحتمل ان يحصل خلاف بين الزوجين، مما يؤدي الى القطيعة بين الاقارب حيث لا تنحصر القطيعة بين الزوجين فقط بل تمتد الى الاقارب. وفي هذا الحديث الشريف ايجاز بليغ
3- “لا تنكحوا القرابة فان الولد يخلق ضاويا “. قال ابن الصلاح صاحب كتاب الباعث الحثيث: لم اجد له اصلا معتمدا، انما يعرف من قول عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- اي يخلق الولد ضعيفا.
وبالاجمال فان الحكمة من الاغتراب في الزواج هو تحسين النسل وتقويته جسميا وعقليا، وعدم نقل الامراض الوراثية بين الاقارب، ومن ذلك مرض الثلاسيميا، وكذلك لاقامة التعارف والتقارب بين شعوب الارض، والله سبحانه وتعالى يقول: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” سورة الحجرات الاية 13 .
الحث على الانجاب
من الاهداف الرئيسة للزواج هو الانجاب الذي يمثل غريرة حب النوع لدى الانسان، وكما هو معلوم ان رسولنا الاكرم محمد بن عبدالله قد حثّ على الانجاب بقوله : ” تزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الامم”- رواه ابو داود والنسائي عن الصحابي الجليل معقل بن يسار -رضي الله عنه-. وقال الألباني حول مرتبة هذا الحديث: أنه صحيح لطرقه اي لتعدد طرقه في الانسانية – انظر كتاب مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي – ج 2 ص :160 وفي ذلك مواكبة للفطرة الانسانية لأن الدين الاسلامي هو دين الفطرة ولا تستقر الحياة الزوجية الا بانجاب الاولاد سواء كانوا ذكورا او اناثا وهو دين الفطرة ايضا لأنه يقر مبدأ الزواج ويوجه الغريزة الجنسية في الانسان من خلال قواعد وضوابط تتعلق بتكوين الاسرة.
لمحة عن مرض الثلاسيميا
ان كلمة (الثلاسيميا ) هي كلمة يونانية الاصل، وتعني انيميا البحر الابيض المتوسط، او فقر دم البحر الابيض المتوسط. ويعد مرض الثلاسيميا من الامراض الوراثية، ولكنه غير معد، وهو يؤدي الى ضعف في الدم، وتكسّر للكرات الحمراء في الدم، لذا فإن المصاب بهذا المرض يحتاج الى وحدات من الدم بشكل مستمر، ومن مضاعفات هذا المرض انه يؤثر على نخاع العظم ويضعف من وظيفة الكبد والطحال في الجسم، وان نسبة كبيرة من الاطفال المصابين بهذا المرض في بلادنا يموتون في سن مبكرة لعدم توفر العناية الطبية المكثفة، ولعدم اخذ الاحتياطات اللازمة، وكما هو معلوم: درهم وقاية خير من قنطار علاج. لذا ينصح الاطباء الشاب والفتاة باجراء فحص كامل للدم ويعرف برمز ٢٠ B ٢٠ ، وذلك قبل اجراء عقد الزواج للتأكد من سلامة الخاطبين او سلامة احدهما: الشاب او الفتاة ؛ لان مرض الثلاسيميا لا ينتقل الى الاطفال الا اذا كان كل من الزوج والزوجة حاملين للمرض. اما اذا كان الزوج حاملاً للمرض وكانت الزوجة سليمة منه فإن المرض لا ينتقل الى المولود، وكذلك الامر اذا كانت الزوجة حاملة للمرض وحدها وكان الزوج سليماً منه فإن المرض لا ينتقل الى المولود.
وعليه فإن فحص الدم أصبح امراً ضرورياً لانجاب اطفال سليمين من الامراض، وحتى نستطيع القضاء على هذا المرض ايضاً، ليصبح المجتمع نظيفاً منه. والامل يحدونا ان يختفي هذا المرض بعد سنوات قليلة، ان شاء الله، هذا وقد اعلن يوم الثامن من شهر ايار من كل عام: اليوم العالمي للثلاسيميا لتوعية الناس بشأن الاثار السلبية لهذا المرض ولبيان كيفية علاجه والتخلص منه.
اقتراحان عمليان
لا يخفى ان معظم الناس كانوا لا يستسيغون اجراء فحوصات مخبرية للشاب والفتاة قبل اجراء عقد الزواج، ويعدون هذه الفحوصات زعزعة ثقة بين الناس!! وهذه ادعاءات غير سليمة وغير شرعية، وقد سبق ان اصدرنا فتوى شرعية بضرورة اجراء هذه الفحوصات.
وحتى نخرج من هذا الاشكال من الناحية الجماهيرية فإني اقترح ما يأتي:
1- أولاً: اقامة ندوات عامة للناس يتم من خلالها شرح السلبيات التي تترتب على هذا المرض، ولبيان الحكمة من اجراء الفحص المخبري للزوجين او لاحدهما، وان جمعية اصدقاء مرضى الثلاسيميا في فلسطين وغيرها من الجمعيات الصحية على استعداد لاقامة لقاءات بهدف التثقيف الصحي للجمهور، مع بيان الاحكام الشرعية المتعلقة بالزواج وحماية الانجاب وسلامته من الامراض.
2- ثانياً: أقترح ان يكون الفحص المخبري للشاب اولاً، فإن ثبت انه سليم من الامراض وانه لا يحمل مرض الثلاسيميا فليس من الضروري اجراء فحص مخبري للفتاة، اما ان ثبت ان الشاب يحمل مرض الثلاسيميا فلا بد حينئذ من اجراء فحص الدم للفتاة. فان كانت سليمة من هذا المرض، فيمكن اجراء عقد الزواج بين الشاب والفتاة. اما ان كانت الفتاة تحمل هذا المرض وكان الشاب مصاباً به ايضاً فلا مجال للزواج بينهما، لان المواليد منهما، اذا تم الزواج، سيكونون مصابين بهذا المرض، ومن السياسة الشرعية ان يكون الفحص للخاطبين.
هذا وقد لوحظ في الاونة الاخيرة انخفاض ملموس في عدد المصابين بهذا المرض، وذلك نتيجة الفحص المخبري للخاطبين قبل اجراء عقد الزواج بينهما، ونتيجة للوعي الذي اخذ ينتشر بين الناس ايضاً بحمد الله وشكره، واتوقع الانتهاء من هذا المرض لدى الجيل الصاعد في حالة الالتزام التام بالفحص المخبري بحيث يخلو مجتمعنا من هذا المرض، وان يكون المواليد نظيفين منه. واخيراً ادعو الله سبحانه وتعالى للزوجين حياة هانئة مستقرة، وان يرزقهما الله ذرية صالحة ومواليد سليمين عقلياً وجسمياً.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين