حديث الجمعة الديني : “الشهور القمرية ووحدة المطالع”- الحلقة الأولى
15 سبتمبر، 2016قال الله عزوجل “هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ” سورة يونس الاية ٥. قال الله سبحانه وتعالى “وجعلنا الليل والنهار آيتين،فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب، وكل شيء فصلناه تفصيلاً “- سورة الاسراء الاية ١٢ .
قال رب العالمين “والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ” سورة يس الاية 39 .
انه لما يشغل تفكير المسلم في كل سنة، مع بداية شهر رمضان المبارك، هو ثبوت هلال شهر رمضان. فالمسلم، اي مسلم، حريص كل الحرص على التأكد من ثبوت الهلال، وذلك لارتباط ثبوت الهلال بركن من اركان الاسلام الا وهو الصوم ويجول بخواطر المسلم عدة استفسارات وتساؤلات، منها: كيف يثبت هلال رمضان؟
ولماذا لا يصوم المسلمون جميعهم في مختلف الاقاليم والاقطار في يوم واحد؟
لماذا لا يعيّدون في يوم واحد؟
واحاول الاجابة عن هذه الاستفسارات والتساؤلات من خلال النقاط الاتية:
بدايات الشهور القمرية
مما لا يخفى ان اثبات البدايات للاشهر: رمضان وشوال وذي الحجة وسائر الشهور القمرية الاخرى لا يكون بالفرضيات الحسابية-كما هو الحال في الشهور الغربية الميلادية-وانما يكون اثبات البدايات مرتبطاً برؤية الهلال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته. فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ” متفق عليه عن الصحابي الجليل ابي هريرة -رضي الله عنه-.
وان اثبات اوائل الشهور القمرية، كما هو معلوم، امر واجب شرعاً وذلك لارتباط هذه الشهور بأمور تعبدية، اذكر منها:
1- الاول من شهر رمضان المبارك: يبدأ المسلم فيه عبادة الصوم الذي هو ركن من أركان الاسلام، ويحرم الافطار في نهاره.
2- الاول من شهر شوال: يجب فيه اقامة صلاة عيد الفطر السعيد كما تجب صدقة الفطر، ويحرم فيه الصوم.
3- التاسع من شهر ذي الحجة: يقف الحاج فيه على جبل عرفة، والمعلوم ان الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لقوله عليه الصلاة والسلام (الحج عرفة ) -جزء من حديث نبوي شريف- رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي عن الصحابي الجليل عبد الرحمن بن يعمر الديلمي -رضي الله عنه-. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ويستحب الصوم في هذا اليوم لغير الحجيج.
4- العاشر من ذي الحجة: تجب فيه اقامة صلاة عيد الاضحى المبارك، كما تجب فيه الاضحية، ويحرم فيه الصوم. وما ينطبق على العاشر من ذي الحجة فإنه ينطبق على ايام التشريق الثلاثة التي تلي يوم عيد الاضحى المبارك.
كيفية ضبط البدايات
حتى نتمكن من ضبط بداية كل شهر من الشهور القمرية لابد من الاهتمام والتحري عن بداية الشهر الذي قبله، وهذا صريح في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “احصوا هلال شعبان لرمضان” -رواه الترمذي عن الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه. ولما ثبت عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها انها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية هلال رمضان، فإن غمّ عليه عد ثلاثين يوماً” – رواه ابو داود باسناد صحيح. -ثلاثين يوماً – اي من شهر شعبان. ويتضح من هذين الحديثين الشريفين ان يجب على المسلمين ان يتحروا هلال شعبان وذلك لضبط هلال رمضان، وبالتالي يمكن ضبط هلال شوال وهكذا تضبط سائر الشهور القمرية الاخرى.
احكام فقهية وملاحظات فلكية
اثبت ادناه بعض الاحكام الفقهية والملاحظات الفلكية لاثبات “الهلال ” لاي شهر من شهور السنة القمرية سواء كان ذلك، لشهر رمضان المبارك او لغيره من الشهور القمرية الآخرى، وهذه الاحكام والملاحظات هي:
1- تكون رؤية الهلال عادة في بداية الشهر ومن الجهة الغربية وذلك بعد غروب الشمس بدقائق معدودة، وعليه فإن رؤية القمر في اواخر الشهر من جهة الشرق صباحاً غير معتبرة، وانما يستأنس بها استئناساً لأن القمر قد يتولد في ليلة واحدة وقد يتولد في ليلتين، وذلك من جهة الغرب، وعليه لا بد رصده ومشاهدته من الجهة الغربية للتأكد من رؤية الهلال.
2- ان ما يشاهد من جهة الشرق يكون في اواخر الشهر وليس في اول الشهر، فما يشاهد من جهة الشرق يعرف بالهلال الثاني مجازاً ولا يُعد هلالاً حقيقة، لأن الهلال هو الذي يهل في اول الشهر، والذي يعرف بالهلال الاول.
3- تكون فتحة الهلال الاول الى أعلى، اما ما يشاهد في اواخر الشهر تكون فتحته في اسفل، وهذا فرق مهم.
4- لا يستطيع اي شخص ان يحكم خلال ساعات نهار بثبوت هلال الصوم، او هلال العيد، لأن الحكم بثبوت رؤية الهلال يكون بعد الغروب وبالمشاهدة، وليس عن طريق الحسابات الفلكية، مع الاشارة الى انه لا مانع شرعاً من الاستئناس بالحسابات الفلكية ولكن تبقى الرؤية هي الاصل في اثبات الهلال.
5- ان الرؤية تتحقق من خلال الرؤية بالعين المجردة او من خلال اجهزة الرصد “المراصد” الفلكية فالامر سيان.
6- ان تولد القمر في بداية الشهر يستغرق ليلة او ليلتين: فإن تولد في ليلة واحدة يكون الشهر السابق تسعة وعشرين يوماً، وان تولد في ليلتين يكون الشهر السابق ثلاثين يوماً، وهذا امر لا نستطيع معرفته الا بعد الغروب، وهذا هو السبب في الاختلاف احياناً بين الرؤية من جهة وبين الحسابات الفلكية من جهة اخرى، لأن الحسابات الفلكية لا تستطيع ان تضبط بداية الشهر دائماً لأن تولد القمر في بداية الشهر قد يستغرق ليلة واحدة وقد يستغرق ليلتين كما قلنا سابقاً، مما يتعذر معه اكتشاف ذلك مسبقاً.
7- حينما نصوم تسعة وعشرين يوماً في معظم السنوات لا يجوز لنا ان نحكم بأن صومنا كان ناقصاً لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “انما الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين”، متفق عليه عن الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. والمراد من هذا الحديث النبوي الشريف ان الشهر القمري يكون غالباً تسعاً وعشرين ليلة، ويمكن ان يكون ثلاثين ليلة احياناً، وذلك حالة الغمام، لذا لا يجوز ان نقيس الشهور القمرية على الشهور الغربية الميلادية التي تقوم على الحسابات الفرضية.
8- يكون اثبات هلال رمضان بشهادة رجل عدل واحد، وأما إثبات هلال شوال فيكون بشهادة رجلين عدلين اثنين، وقد أشار لفقهاء الى الحكمة من ذلك بأن مشاهدة هلال شوال يترتب عليها الخروج من العبادة، وكما هو معلوم ان الدخول في العبادة أسهل وأيسر من الخروج من العبادة. لذا يقتضي الاحتياط بشهادة رجلين عدلين اثنين لهلال شوال لأنه خروج من عبادة الصوم.
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل وارزقنا اليقين.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.