حديث الجمعة الديني: الفوقية والتمييز العنصري
2 أكتوبر، 2016للفوقية تعبيرات أخرى مثل “الدرجة الاولى” أو ” النخب الأول” أو “الصنف الأول” وهو إحساس من بعض الشعوب
المغرورة قديماً وحديثاً تجاه شعوب اخرى مستضعفة ومغلوب على أمرها. كما هو شاهد على سبيل المثال في أمريكا تجاه الهنود الحمر، وفي جنوب إفريقيا من البريطانيين المستعمرين (البيض) تجاه أهل البلاد الأصليين (السود). فتشعر الشعوب المتغطرسة أنها فوق غيرها أو أن غيرها أدنى منها في الانسانية، فإن الانسانية في نظرهم درجات أو مراتب أو طبقات أو أنخاب!! ولا يدري هؤلاء المتغطرسون الفوقيون أن الانسانية كلها قد أتت من آدم، وان آدم من تراب، وإن الله عزّوجل قد أكرم آدم وأكرم ذريته “ولقد كرمنا بني آدم” سورة الإسراء آية 70. وأن الشعور بالفوقية يقود إلى التمييز العنصري، ولا نبالغ إذا قلنا إن لهذا الشعور جذوراً ممتدة من أيام الرومان واليونان مروراً بالعرب والفرس والهنود ، ولا يزال هذا الشعور قائماً حتى يومنا هذا ، وان شعوباً ضعيفة تعاني في هذه الأيام وتقاسي الأمرين نتيجة هذا التمييز وهذه الغطرسة.
مظاهر التمييز العنصري
1- تغلب القوي على الضعيف وقهره وإذلاله.
2- انتشار الرق والعبودية في القرن العشرين وذلك بأن يشعر “السيد” بأنه من طينة تختلف عن طينة “العبد”.
3- الاستعمار بمختلف صوره وأشكاله الثقافية والعلمية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.
4- المباهاة بالأحساب والأنساب، وان الذين يباهون بذلك يريدون أن يستغلوا هذا الادعاء لابتزاز امتيازات خاصة بهم على حساب الآخرين!!
المساواة في الإسلام
لقد سبق أن حسم الاسلام موضوع التمييز العنصري والتفاوت الطبقي حسماً لا غموض فيه ولا تأويل، فأوضح بأن الناس سواسية كأسنان المشط بغض النظر عن اللون أو العرق ، والله سبحانه وتعالى يقول: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة” –سورة النساء آية 1. ويقول أيضاً: “ولقد كرمنا بني آدم”سورة الاسراء آية 70. ويقول: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” سورة الحجرات آية 12. والمراد من ذلك أن ميزان التفاضل عند الله هو التقوى. ولكن هذا لا يقود بالإنسان إلى أن يشعر بالتفوق على غيره أو يكسب امتيازات دنيوية على حساب غيره!!
وكما هو معلوم أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- هو أفضل الخلق أجمعين ومع ذلك فانه يتصف بالتواضع ويعيش عيشة البساطة والكفاف، ويقيم العدل على الجميع وقال قولته المشهورة “وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” – متفق عليه عن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها-. فالمسلمون سواسية في نظر الشريعة الاسلامية كأسنان المشط، ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
وللرسول عليه الصلاة والسلام في هذا المقام عشرات الأحاديث النبوية الشريفة نذكر منها: “لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي ولا أسود على أحمر ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى” –رواه أحمد والبيهقي عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وقد فسر الإمام علي كرم الله وجهه التقوى بقوله: “الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد للرحيل. ويقول عليه الصلاة والسلام بحديث مطول أيضاً: “… ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه”-رواه مسلم عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه. أي أن الذي يقصر بواجباته أو يقوم بأعماله مخالفة للشرع فانها تؤخره عن اللحاق بمنازل المتقين وتحرمه من دخول الجنة ولو كان من أصحاب النسب الرفيع، لان شرف النسب لم ولن يقربه إلى الله تعالى زلفى، ولم يجبر نقائص أعماله.
الخاتمة
لقد أثبت التطبيق العملي للاسلام منذ خمسة عشر قرنا، أنه لا تفاوت طبقي ولا تمييز عنصري فهذا صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي الذين كان لهم الباع الطويل في الدعوة الاسلامية وبناء المجتمع الاسلامي ، وكانت لهم المنزلة الرفيعة عند الرسول –صلى الله عليه وسلم-.
ويمكن القول إن الاسلام بعقيدته المتينة وفكره العميق قد استطاع مزج وصهر ثقافات الشعوب المتعددة والتقريب فيما بينها: فقد تعاون العربي والفارسي والرومي والسرياني والهندي والاسباني والحبشي والتركي معاً في اثراء الحضارة الاسلامية في طابعها، والعربية في لغتها، وهي تجربة فريدة من نوعها في سمتها العالمية الشاملة، وما فتئت الهيئات الثقافية العالمية الحديثة تسعى في الوقت الحاضر لمزج ثقافات الشعوب والتقريب فيما بينها لتكسب الثقافة المعاصرة الصبغة العالمية الشاملة، ولكنها لم تفلح. في حين سبق الاسلام ان حقق ذلك منذ خمسة عشر قرناً ، وهو الكفيل بازالة الفوارق العرقية والطبقية والعصبية والعنصرية لتكوين مجتمع انساني تتوفر فيه العدالة، وتهيمن عليه الطمأنينة والسعادة.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين