عِكرمة صبري

يقول رسولنا الاكرم محمد صلى الله عليه وسلم «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم ادناهم، وهم يد على من سواهم » اخرجه احمد وابو داود والنسائي والبيهقي والدار قطني والحاكم والهيثمي والزيلعي والمتقي الهندي عن الصحابي الجليل الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه. معاني المفردات «المؤمنون » وفي رواية: المسلمون. «تتكافأ دماؤهم » تتساوى في الدية والقصاص والارش والجراحات. «يسعى بذمتهم ادناهم » اي ان اهل الذمة لهم الامان، وان هذا الامان مصون ويحترم من قبل المسلمين جميعهم ولو كان الامان صادراً من اقلهم منزلة، وفي رواية «يجبر » بدلاً من «يسعى « » يد على من سواهم » اي ان المؤمنين مجتمعون على اعدائهم فلا يتخاذلون ولا ينقسمون. المناسبة لهذا الحديث سبق ان اعطى جماعة من المسلمين عهداً واماناً لبعض المشركين، وكان ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ويقتضي العهد والامان ان يكون المشركون آمنين على انفسهم واموالهم واعراضهم خلال مدة معينة متفق عليها. غير ان بعض المسلمين لم يكترثوا بهذا العهد وحاولوا نقضه بحجة ان الذين منحوا هذا العهد من المسلمين كانوا اقل منهم منزلة وعدداً. فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الاعتراض، واعتبر المسلمين جميعاً في درجة واحدة، فما يصدر عن بعضهم يكون ملزماً للجميع، وذكر «عليه الصلاة والسلام » هذا الحديث النبوي الشريف «…ويسعى بذمتهم ادناهم.. .» وهنا تتجلى روعة الاسالم وسموه في التأكيد على وحدة الامة وعلى احترام الناس لبعضهم بعضاً فلا مجال للاستخفاف ولا مجال للطعن من الخلف. ومن مقتضيات «الوحدة » المساواة في الحقوق والواجبات. المعنى العام للحديث الشريف هذا الحديث النبوي الشريف، رغم قلة عدد كلماته، الا ان معانيه واسعة وعميقة وعريضة، حيث يشمل ثلاثة مبادىء عامة مرتبطة ببعضها ارتباطاً وثيقاً، وهي: اولاً: التساوي في دماء المسلمين: ويكون ذلك في حالات القتل والقصاص والدية والعاقلة والارش والجروحات، على النحو الاتي: القتل اما ان يكون قتلاً عمداً او قتلاً خطأ، وقتلاً بالتسبب. واما القصاص فيكون بحق القاتل العمد اذا لم يتنازل اهل القتيل عن حقهم. واما العاقلة فهي عبارة عن الدية تفرض على اقارب القاتل الذي يكون قتله بالخطأ او بالتسبب. وأما الدية فتدفع من القاتل العمد نفسه اذا لم يقم عليه القصاص وبالاتفاق مع اهل القتيل. واما الارش فهو عبارة عن تعويض عن الجروح والكسور، فالارش هو دون الدية. ثانياً: التساوي في الذمم: فإذا اعطى مسلم عهداً واماناً لمواطنين غير مسلمين فقد اصبحوا آمنين على انفسهم وأموالهم وممتلكاتهم واعراضهم وعلى ضوء ذلك فهم في ذمته وفي ذمة المسلمين جميعهم ايضاً. فالمسلم يعبّر عن الجميع وينوب عنهم، فلا يحق لاي مسلم آخر ان ينقض هذا العهد، ولو كان المعطي للعهد ادنى منزلة من غيره. فالمسلمون يمثلون كتلة واحدة ولا مجال للطعن ولا للغدر. ثالثاً: المسلمون يد واحدة فهم يشكّلون جبهة واحدة قوية متماسكة كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضاً في وجه العدوان، فلا ينقسمون ولا يتفرقون ولا يتخاذلون فكأنهم قلب واحد ويد واحدة في السلم وفي الحرب وتجاه غيرهم في صد اي اعتداء عليهم. وهذا ادق تعبير للوحدة والتعاون بين الامة الاسلامية جمعاء، واستدل بعدد من الآيات الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة، فيقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا… » الاية ١٠٣ ويقول عزوجل في سورة الانفال «واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا، ان الله مع الصابرين ٤٦ » . ويقول رب العالمين في سورة الصف «ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ». الآية ٤، ويقول عليه الصلاة والسلام «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ثم شبّك اصابعه » اخرجه البخاري ومسلم عن الصحابي الجليل ابي موسى الاشعري رضي الله عنه. ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث نبوي شريف اخر «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ». متفق عليه عن الصحابي الجليل النعمان بن بشير رضي الله عنهما فالرسول صلى الله عليه وسلم شبه الامة الاسلامية مرة بالبنيان ومرة بالجسد الواحد .» النكبة من رحم نكبات متوالية يصادف بعد غد الاحد ) ١٥ ايار( من كل عام ذكرى نكبة عام ١٩٤٨ م هذه النكبة التي لا يزال شعب فلسطين يتجرعون مرارتها وبخاصة اولئك الذين هجروا من بلادهم وبيوتهم قصرا عنهم. ولم تكن هذه النكبة وليدة يوم واحد او عام واحد، وانما سبقتها نكبات متوالية.. واشير الى ابرزها واخطرها، مع مراعاة التسلسل الزمني، وهي:- ١- انعقاد مؤتمر بازل الصهيوني )ويقال له:مؤتمر بال حسب لغات اخرى( وذلك في العام ١٣١٥ه ١٨٩٧ م وتمخض عن هذا المؤتمر قرارات )بروتوكولات : حكماء صهيون( والتي تنص على وجوب اقامة دولة يهودية في فلسطين. ٢- نشوب الحرب العالمية الاولى والتي بدأت في ٢٨ تموز من العام ١٩١٤ م وانتهت في ١١ تشرين الثاني من العام ١٩١٨ م، وذلك بتغلب الحلفاء على دول المحور. ٤- صدور تصريح للمدعو آرثر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا وقتئذ بتاريخ ١٢ تشرين الثاني من العام ١٩١٧ م، وعرف هذا التصريح بوعد بلفور والذي يتضمن اعطاء اليهود وطنا قوميا في فلسطين، حيث صدر هذا الوعد ممن لا يملك لمن لا يستحق. ٣- اتفاقية سايكس/ بيكو والتي صدرت عام ١٩١٦ م :)سايكس( هو مندوب بريطانيا. )بيكو( هو مندوب فرنسا، وعرفت الاتفاقية باسمهما، بينما كان مندوب روسيا حاضرا وهو فازانوف وتم الاتفاق المشؤوم بتقسيم البلاد العربية الى دويلات واقعة تحت الاستعمار البريطاني او الفرنسي او الايطالي.. صدور صك الانتداب البريطاني على فلسطين في ٢٤ تموز من العام ١٩٢٢ م وهنا وقعت المأساة الكبرى على فلسطين لان بريطانيا كانت تخطط لاقامة دولة لليهود على ارض فلسطين على ضوء وعد بلفور، وكان اول مندوب بريطاني يحكم فلسطين هو يهودي الديانة بريطاني الجنسية ويدعى )هاربرت صموئيل( وكان رئيس وزراء بريطانيا هو لويد جورج والذي فتح باب هجرة اليهود الى فلسطين. ٦- اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارها القاضي بتقسيم فلسطين وعرف هذا القرار بقرار التقسيم، وكان ذلك بتاريخ ٢٩ تشرين الثاني ١٩٤٧ م ويتضمن اقامة دولتين: دولة للعرب ودولة لليهود، على ان تكون القدس تحت الاشراف الدولي. وقد تم رفض هذا القرار من قبل الشعب الفلسطيني. ٧- بتاريخ ١٥ ايار ١٩٤٨ م تم انسحاب الجيش البريطاني من فلسطين لتمكين اليهود من اقامة دولتهم. ٨- منعت اسرائيل عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، ورفضت قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم ١٩٤ بتاريخ ١١ / ١٢ / ١٩٤٨ م القاضي بعودتهم. ١٩ – في عام ١٩٤٩ تم التوقيع على اتفاقية رودس والتي بموجبها تضم اسرائيل المثلث اليها )من ام الفحم شمالا حتى جلجوليا جنوبا(. هذه ابرز المحطات المؤلمة التي المت بفلسطين خاصة وبالعالم الاسلامي عامة وذلك بسبب ضعف المسلمين وتفرقهم وعدم وحدتهم. فالوحدة هي اساس قوتنا وهي اساس استقلالنا . «ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد » سورة ق الاية ٣٧ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.