حديث الجمعة الديني : “المؤمن القوي”
12 سبتمبر، 2016روى الصحابي الجليل أبو هريرة –رضي الله عنه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلّ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل. فإن “لو” تفتح عمل الشيطان- أخرجه مسلم وأحمد وابن ماجه والبيهقي وغيرهم.
معاني مفردات الحديث الشريف
“القوي” لفظ عام للقوة، فليس المراد هنا قوة الجسم فحسب، بل جاء اللفظ عاماً فيشمل القوة بجميع أنواعها من قوة الإيمان وقوة الإرادة والتصميم وقوة العلم، وقوة النفس والبدن…
“في كلِّ خير” : أي في كل من المؤمن القوي والمؤمن الضعيف خير، فقد وقع هنا إيجاز باللفظ من الناحية البلاغية، وذلك من خلال التنوين في لفظ (كل) ويعرف هذا التنوين بتنوين العوض- أي أن التنوين جاء تعويضاً عن كل محذوف.
“احرص”: فعل أمر (كسر حركة حرف الراء) يفيد الحرص والعناية بالشيء والاهتمام به.
“لا تعجز” بكسر حركة حرف الجيم- على الأرجح- ويجوز تحريك حرف الجيم بالفتح- وهو فعل مضارع مجزوم بلا الناهية أي لا يجوز التفريط أو التقصير في العمل-أي اعتمد على الله ربّ العالمين وحده مع الأخذ بالأسباب.
“لو” : حرف يفيد التمني، و” تفتح عمل الشيطان” أي أن “لو” تجر وساوس الشيطان وأوهامه التي يلقيها الشيطان على الإنسان فهو السبب في خسرانه وتعطيله وهلاكه، ويعيش الانسان في حالة من الندم وتعذيب الضمير وجلد الذات.
المعنى العام للحديث الشريف
في هذا الحديث النبوي الشريف حثّ على الاتصاف بالقوة، وعلى الأخذ بأسباب العزّة والكرامة والنصر، وأن ديننا الإسلامي العظيم لا يرضى لأتباعه أن يكونوا في ضعف وكسل، وهوان وفي مذلة وتبعية واستكانة. ومن المعلوم بداهة أن صفة العزة من الصفات الحميدة المرتبطة بالايمان والملازمة له لقوله عزّوجل : ” وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ” سورة المنافقون-الآية 8. فلا يجتمع إيمان وهوان، كما لا يجتمع نور وظلام، ولا هدى وضلال. هذا وقد ورد لفظ “القوي” في الحديث النبوي الشريف بمدلوله العام الذي لا يقتصر على قوة الجسم المادية فحسب، بل يشمل هذا اللفظ القوة بجميع أشكالها بما في ذلك قوة الإيمان والأخلاق والنفس والعلم والإرادة والتصميم والكرامة والعزة، وجميع السبل التي تؤدي إلى تقوية الإنسان روحياً وجسمياً وعقلياً ونفسياً واجتماعياً، وذلك حتى يبقى المؤمن مهيب الجانب وعزيز النفس ومصون الكرامة.
القوة لبناء المجتمع
لكن هذا لا يعني أن توجه “القوة” ضد بعضنا بعضاً أو أن يهدم بعضنا بعضاً… فهذا أمر مرفوض شرعاً، وانما المفروض والواجب أن نوجه القوة لبناء المجتمع وتنميته وتطوره، وحمايته من الأعداء الذين يحاربون الله ورسوله ويتربصون بنا الدوائر ويعتدون على حرمات المسلمين وعلى أوطانهم، والله سبحانه وتعالى يقول: ” وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ” سورة الأنفال-الآية 60. والمراد في قوله عزّوجل: “ترهبون” أي تخيفون الأعداء حتى لا يعتدوا على المسلمين، فالإسلام يمنع الأخطار قبل وقوعها، فالرهبة أسلوب وقائي فلا يتجرأ العدو الاعتداء على ديار الإسلام، وهذا هو مفهوم “الارهاب” في الإسلام حيث لا يعتدي على الآخرين، أما الغرب فإنهم يفسرون “الإرهاب” بالإعتداء على الإخرين اي أنهم يحاولون معالجة الأخطار بعد وقوعها، وهم يحاولون تشويه صورة الإسلام بأن الإسلام يعتدي على الآخرين وأن المسلمين يقتلون الأبرياء!! وأن هذه المحاولات هي باطلة ويطلقون جزافاً تهماً زوراً وبهتاناً!!.
الخيرية في القوي والضعيف
يشير الحديث النبوي الشريف إلى “الخيرية” بأنها موجودة لدى كل من المؤمن القوي والمؤمن الضعيف، إلا أن المؤمن القوي يرجح على المؤمن الضعيف . كما يحث الحديث النبوي الشريف على الحرص والعناية والإهتمام بكل شيء ينفع الإنسان مع الاستعانة بالله العلي القدير ، ولا يفرط الإنسان في حمل الأمانة ولا يقصر في أدائه للعمل، إذ لا تعارض بين الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله عزّوجل… فإذا أصاب الإنسان مكروه أو أي أمر غير محمود وغير مرغوب فيه فلا يجوز له أن يتذمر أو يتحسّر أو أن يضيّع وقته بترديد “لو” في هذا المجال لأن ذلك يفتح عمل الشيطان، مع الإشارة إلى أن هذا الأسلوب يؤدي إلى محظورين اثنين ، هما:
1- الاعتراض على حكم الله وإرادته بشكل مباشر أو غير مباشر.
2- الإستسلام واليأس والقنوط والندم والإحباط وجلد الذات وعدم الحصول على أية فائدة ترجى بقولنا لفظ “لو” فلا مبرر للتكرار حيث لا طائل تحته، فالواجب على المسلم أن يؤمن بقضاء الله وقدره على اعتبار أن القضاء والقدر هو ركن من أركان الإيمان الستة، ومن مظاهر هذا الايمان أن يرضى الإنسان بما قسم الله له وقدر، وعلى المؤمن أن يدرك ثلاثة أمور لهما علاقة مباشرة بالقضاء والقدر ، وهي:
1- إن علم الله غير مجبر للإنسان ، رغم أن علم الله شامل للكون كله. ” وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ “سورة يونس الآية 63. ” لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ “سورة سبأ- الآية 3.
2- لا يستطيع الإنسان أن يكتشف علم الله إلا بعد وقوع الشيء لا قبل وقوعه.
3- لقد منح الله عزّوجل الإنسان العقل وذلك لمعرفة طريق الخير وطريق الشر. “وهديناه النجدين” سورة البلد الآية 10. بهدف أن يتحمل الإنسان مسؤولية عمله حين يكون الإنسان مختاراً أي أن يقوم بالعمل باختياره ومحض إرادته.
تجديد النشاط
لذا ينبغي على الإنسان أن يجدد النشاط بالعمل الجاد والنافع والمثمر وأن يعوض على ما فاته فلا يجوز له أن يقبع في بيته أو أن يصاب بالاحباط للأحداث أو أن يجتر الأحزان فإن “لو” لا تسعفه في شيء ولا تساعده في الخروج من الأزمة التي هو فيها بل أن “لو” تجر عليه وساوس الشيطان وأوهامه.
ومن هنا تبرز ثمرة الإيمان الصادق والعزيمة القوية والإرادة الصلبة وذلك في مواجهة الصعاب التي لا يتراجع أمامها إلا مهزوز الإيمان ضعيف الشخصية!!
فقه الحديث الشريف
1- وجوب تقوية الإيمان في القلوب والنفوس.
2- وجوب الاعتماد على الله عزّوجل وحده مع الأخذ بالأسباب.
3- عدم الإستسلام لوساوس الشيطان وأوهامه وعدم الركون للفشل أو الخسارة.
4- الرضا بقضاء الله وقدره فهو مظهر من مظاهر الإيمان وركن من أركانه الستة. وإن علم الله الأزلي غير مجبر للإنسان.
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل وارزقنا اليقين.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.