حديث الجمعة الديني : ظاهرة العنف في المدارس
22 سبتمبر، 2016المقدمة
يدعو الإسلام أول ما يدعو إلى اللين والرفق والرحمة وحسن المعاملة ، وهذه الأمور هي الأصل، وهي التي يجب أن تسود في المجتمع السليم القوي، ولكن يطرأ على المجتمعات الإنسانية بعض الإنحرافات والسلبيات، منها: العنف والعقاب البدني..
فلنبدأ أولاً باللين والرفق والرحمة وحسن المعاملة، ثم نوضح موقف الإسلام من العنف والعقاب البدني.
اللين والرفق والرحمة وحسن المعاملة
إن الطبيعة الإنسانية السليمة تميل إلى الرفق واللين والرحمة ولا يجتذبها إلا الشيء الحسن الجميل، وأنها تنفر من كل قبيح معيب. ويرشدنا سبحانه وتعالى إلى أن نجاح الدعوة الإسلامية متوقف على الرفق والرحمة ، وأن القسوة والعنف تحولان دون إنجاحها، فيقول عزّوجل: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ”سورة آل عمران- الآية 159 ويقول سبحانه وتعالى أيضاً: ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ “سورة البقرة- الآية 256. ويقول عزّوجل في آية ثالثة: ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ” سورة النحل الآية 125. إلى غير ذلك من عشرات الآيات الكريمة التي تحضّ على اللين والرفق والرحمة وحسن التعامل وتنفر من العنف والإكراه.
وهناك المئات من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحثّ على اللين والرفق والرحمة وحسن المعاملة، وتنفر من القسوة والعنف والفحش والفظاظة. أتناول بعضاً من هذه الأحاديث الشريفة:
1. يقول رسولنا الأكرم –صلى الله عليه وسلم-: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه”- رواه مسلم عن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها-.
2. يقول عليه الصلاة والسلام: “إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه. رواه البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها. ومعنى (يعطي على الرفق) أي يثيب عليه ما لا يثيب على غيره. وفي رواية “عليك بالرفق وإياك العنف والفحش، إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه”
3. قال –صلى الله عليه وسلم-: “من يحرم الرفق يحرم الخير.”- رواه مسلم عن الصحابي الجليل جرير بن عبد الله –رضي الله عنه-.
4. قال –صلى الله عليه وسلم-:”الرفق يمن، والخُرق شؤم” ومعنى (الخُرق) بضم الخاء: الجهل والحمق والقسوة والفظاظة.-رواه الطبراني في الأوسط عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-.
موقف الإسلام من العنف والعقاب البدني
لا بد بداية من تحديد مفهوم العنف فأضع التعريفات التالية:
1. العنف يكون مبادأة أي ابتداء للعدوان والاعتداء في حين أن العقاب المشروع لا يكون ابتداء ولا مبادرة. وانما يكون نتيجة عمل خاطئ أو انحراف في السلوك أو اعتداء على الآخرين.
2. انزال العقوبة على من لا يستحق العقوبة، فمن معاني العنف معاقبة البريء. وهذا شكل من أشكال العنف، أما معاقبة المذنب فلا يعتبر عنفاً.
3. إنزال عقوبة أشد وأكثر من العقوبة المستحقة أي أن يكون الردع أقسى من حجم المخالفة.
هذه تعريفات اجتهادية حسب تصوري لمعنى “العنف” وعليه فإن مطالبة الإنسان لحقه المهضوم لا يعتبر عنفاً.
أما العقاب البدني فإن الإسلام قد أقره من حيث المبدأ ولا مناحى سواء بحق المخالف الذي يخرج عن قوانين المجتمع بشكل عام أو بحق الطالب المقصر أو المشاغب بشكل خاص. شريطة أن يكون العقاب بقدر المخالفة، أو أن يكون العلاج بعد القيام بالتربية القويمة والتوجيه السليم ، ثم لفت النظر والتنبيه، فإذا خرج الإنسان عن السلوك المألوف وعن القوانين المعتادة حينئذ لا بد من العقاب والعقاب لفظ عام لا ينحصر بالضرب فقد يبدأ بنظرة ويرتدع الطالب منها، وقد يكون بلوم وعتاب، وهكذا.. إلى أن تصل العقوبة إلى الضرب غير المبرح ، أي الضرب غير الشديد والمؤلم، كما ذكر ذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
نصوص شرعية تنهى عن العنف.
1. قال سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”سورة الحجرات- الآية 11. ففي هذه الآية الكريمة ينهى الله سبحانه وتعالى عن السخرية والازدراء والاحتقار، كما ينهى عن إظهار عيوب الآخرين بقصد الإساءة والتشهير، وينهى أن يطلق الشخص على الآخر ألقاباً جارحة منفّرة. هذه كلها تعتبر من أشكال العنف ؛لأن كلم اللسان أنكى وأشد من كلم السنان.
2. قال عزّوجل ” وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ” سورة آل عمران- الآية 159. فإن الفظاظة في الأخلاق والسلوك والتعامل مع الآخرين سبب في تنفير الناس، وتعتبر الفظاظة شكلاً من أشكال العنف.
3. نهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يخيف المسلم أخاه المسلم، ولو كان مازحاً فقد روى أن أحد الصحابة كان نائماً فجاء رجل فمرّر حبلاً على وجهه ففزع النائم، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ” لا يحل لمسلم ان يروع مسلماً”- رواه ابو داود في سممه عن عبد الرحمن بن ابي لايلى عن عدد من الصحابة رضوان الله عليهم.- والترويع معناها التخويف، أي أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- اعتبر تمرير الحبل على وجه النائم تخويفاً، حتى ولو كان ذلك من قبيل المزاح والمداعبة.
4. قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “من نظر إلى مسلم نظرة تخيفه فيها بغير حق أخافه الله يوم القيامة”- رواه الطبراني عن الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عمرو –رضي الله عنهما. إشارة إلى أن النظرة العدوانية شكل من أشكال العنف.
5. من باب أولى فقد نهى رسولنا الأكرم محمد –صلى الله عليه وسلم- أن يروّع المسلم أخاه المسلم بحديدة أو آله حادة بقوله: “من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي”- رواه مسلم عن الصحابي الجليل أبي هريرة –رضي الله عنه-. ولفظ الحديدة الوارد في هذا الحديث الشريف يدل على كل آلة يؤدي إلى تخويفه فيشمل السيف والسكين وقطعة السلاح وغير ذلك مما يؤدي إلى التخويف أو الترويع.
6. حذر عليه الصلاة والسلام من أن يقتل المسلم أخاه المسلم بالسلاح، فإن حصل قتال بينهما فمصيرهما النار بقوله: “إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار.. قلت: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريص على قتل صاحبه”- متفق عليه عن الصحابي أبي بكرة –رضي الله عنه-. ولهذا الحديث الشريف عدة روايات يقوي بعضها بعضاً مع اختلاف بسيط في الألفاظ. ويقاس على لفظ “السيف” الوارد في هذا الحديث النبوي الشريف كل آلة تستعمل في القتال، وانما ورد لفظ “السيف” لأنه كان ذائعاً لدى العرب في صدر الإسلام.
7. كما بين –صلى الله عليه وسلم- بأن شتم المسلم لغيره يعتبر في الإثم فسوقاً، وان قتاله يعتبر كفراً بقوله: “سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر”- متفق عليه عن الصحابي عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-.
الخاتمة
أرجو أن أكون قد وفقت في إعطاء فكرة إجمالية عن وفهوم اللين والرفق وحسن المعاملة، وعن مفهوم العنف والعقاب البدني، مدعماً بالنصوص الشرعية ما أمكنني ذلك.
وإني إ أناشد إخواني المعلمين وأخواتي المعلمات بحسن التصرف مع طلابهم وطالباتهم بالإضافة إلى العناية بالتحضير والتمكين العلمي، وأن يعملوا جاهدين على إضفاء المحبة وجو الانسجام في غرفة الصف ليحسّ الطالب أنه في أمن علمي وأنه أمام مربّ فاضل، حينئذ تتولد لدى الطلبة الرغبة الأكيدة في طلب العلم من مربٍّ يحنو عليه ويحبه.
اللهمّ فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وأرزقنا اليقين
” والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ” سورة الأحزاب- الآية4
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.