حديث الجمعة الديني : “مفهوم الحرية في الإسلام”
22 سبتمبر، 2016قرر الإسلام أن يكون الإنسان حراً لا عبداً، وعالج الإسلام الرق نفسياً وعملياً ودعا إلى تحرير الأرقاء بطرق شتى بعد أن ردّ إليهم كرامتهم الإنسانية ، وجفف منابع الرق حتى لا تتكون طبقة من الأرقاء في المجتمع، كما كان سائداً لدى العرب في الجاهلية ولدى الأمم الأخرى كاليونان والرومان والهنود والفرس ، ولتحقيق ذلك تولى سبحانه وتعالى تكريم الإنسان بقوله : “ولقد كرمنا بني آدم”- سورة الإسراء الآية 7. فالإنسان مكرم حياً أو ميتاً، وعليه فيجب على الإنسان أن يكرم بني جنسه وأن يحافظ على كرامتهم حتى يشعر الرقيق بأنه إنسان كغيره من بني البشر الأحرار. كما اعتبر الله سبحانه وتعالى “التقوى” مقياساً للتفاضل في الكرامة بقوله: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” سورة الحجرات- الآية 13 والتكريم لفظ عام لا يحيط به نطاق الحصر كما يقول علماء التفسير. وتأكيداً لمعنى الحرية وتنفيراً من العبودية قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: “بِمَ استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحراراً” وفي رواية: “لمَ استعبدتم” فالنص عام والحكم عام والنظرة إلى الإنسانية واحدة وعامة.
إعمال العقل بالتفكير
لقد ميّز الله سبحانه وتعالى الإنسان عن سائر المخلوقات بالعقل. والعقل كما هو معلوم من أعظم وأجلّ النعم التي انعمها الله سبحانه وتعالى على الإنسان، وهذا ما حدا بعدد من علماء التفسير إلى حصر التكريم بالعقل وحده فهو رمز من رموز الحرية. وأقول: لا أنكر عظم وأهمية العقل إلا أن النص القرآني في التكريم جاء عاماً، ويبقى العام على عمومه في الدلالة ما لم يخصص بدليل آخر، ونحا القرآن الكريم باللائمة على أولئك الذين يعطلون عقولهم ولا يفكرون، وشبههم بالأنعام (أي بالحيوانات) فيقول عزّوجل ” أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ “سورة الأعراف الآية 179. ويقول: ” إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا “سورة الفرقان الآية 44. كما ندد بالأبناء الذين يقلدون آباءهم في العقيدة دون إعمال للعقل فيقول عزّوجل: ” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ “- سورة المائدة الآية 104. ويقول في آية اخرى:” قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ . أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ . قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ “سورة الشعراء الآيات 72-74. ويقول عزّوجل في آية ثالثة: “بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ . وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ” سورة الزخرف الآيتان 22و23 ومعنى “أمة” في هذه الآية: ملّة أو دين. وإن ما مرّ به العرب سبق أن مرّت به شعوب وأمم أخرى من تمسك لتقاليد وعقائد آبائهم وعدم إعمال عقولهم. وهذا ولا يفوتنا أن نشير إلى وجود عشرات الآيات الكريمة في القرآن الكريم تحثّ على إعمال العقل والتفكير ، وبخاصة في اواخر الآيات، فيقول سبحانه وتعالى “أولوا الألباب” فقد وردت ست مرات في القرآن الكريم. ويقول”يا أولي الألباب” فقد وردت أربع مرات. ويقول “لأولي الألباب” فقد وردت ثلاث مرات، فيكون المجموع ثلاث عشرة آية، ومعنى “الألباب” : العقول. كما وردت آيات كريمة تتضمن لفظ “يتفكر” ومشتقاتها وعددها ثماني عشرة آية في القرآن الكريم، فمن هذه الصيغ “لقوم يتفكرون” أو “لم يتفكروا” أو “أفلا تتفكرون” وهكذا. ووردت آيات كريمة متضمنة لفظ (يعقل) ومشتقاتها وعددها حوالي خمسين آية كريمة في القرآن الكريم، فمن هذه الصيغ: “لقوم يعقلون” أو”أفلا يعقلون” أو “لعلكم تعقلون” وهكذا، فلا مجال للارهاب الفكري في العقل الإسلامي.
حرية الكلمة وقول الحق
هناك نصوص شرعية من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة تحث الإنسان على إبداء رأيه، وتمنحه حرية الكلمة فيقول سبحانه وتعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ” سورة النساء الآية 135. ويقول عليه الصلاة والسلام: “إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه”- رواه ابن ماجه والترمذي عن الصحابي الجليل أبي بكر الصديق –رضي الله عنه-. ويقول أيضاً: “أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر” – رواه أبو داود والترمذي عن الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه-. وفي رواية (كلمة حق) وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: “من رأى منكم فيَّ اعوجاجاً فليقومه. فقال الأعرابي: واللهِ لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا. فيجيبه عمر: الحمد لله الذي جعل في أمتي من يقوم اعوجاج عمر بسيفه”.
استخلاف الإنسان في الأرض
الاستخلاف وظيفة كريمة منحها الله تعالى للإنسان، حيث وضع الله سبحانه وتعالى الإنسان في مركز المسؤول عن عمارة الأرض واستثمارها والاستفادة منها ومن باطنها وجوفها. وما من شك أن إسناد المسؤولية للإنسان يعني أن الله سبحانه وتعالى قد منحه الصفات والخصائص والميزات التي تؤهله لذلك. فينبغي على الإنسان ،أي إنسان، أن يتحمل المسؤولية بجدارة كما أرادها الله له. وأن يؤدي الأمانة الملقاة على عاتقه تجاه نفسه وقومه وتجاه البشرية جمعاء. قال تعالى: “إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً”سورة البقرة- الآية 30. والخليفة في هذه الآية الكريمة هو آدم –عليه السلام- وذريته.
تسخير المخلوقات لخدمة الإنسان
إن ما في السموات والأرض من المخلوقات والقوانين والنعم هي وسائل مهيأة لراحة الإنسان. وان الله سبحانه وتعالى قد مكّن الإنسان من الإستفادة منها فهي مخلوقة له ولأجله. قال تعالى: ” أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً “سورة لقمان- الآية 20.
تعليم القراءة والكتابة
لقد كرّم الله سبحانه وتعالى الإنسان بالتعليم قراءةً وكتابةً، ولبيان مدى اهتمام الإسلام بالتعليم، كانت أول آية كريمة نزلت في القرآن الكريم هي آية ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ.خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ” سورة العلق- الآيات 1-5. وهناك عشرات الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة في الحث على طلب العلم بشكل عام وشامل، وبيان منزلة العلماء العاملين والدعاة المخلصين.
المساواة بين الذكر والانثى في الإنسانية
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الذكر والانثى على حدّ سواء، واعتبرهما في منزلة واحدة في الإنسانية وفي التكاليف الشرعية، أن كلاً منهما مخلوق: له نفس وروح وكرامة وحرية. وندد القرآن الكريم بعادة ذميمة قبيحة من العادات الجاهلية التي تقضي بوأد البنات (أي قتلهن وهنّ أحياء!!) فيقول عزّوجل مستنكراً هذه الفعلة الشنعاء: ” وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ “سورة التكوير- الآيتان 8-9 فالناس من ذكر وانثى متساوون في الإنسانية والحرية، متساوون أمام القانون، متساوون في الحقوق والواجبات، فيقول عليه الصلاة والسلام “الناس سواسية كأسنان المشط”-رواه أصحاب السنن الأربعة. وجاء الحديث النبوي الشريف عاماً في دلالته وشموليته من ذكر وانثى.
الحرية مقيدة لا مطلقة
نعم ، إن الإسلام العظيم قد دعا إلى حرية التعبير والتفكير، ولكن “الحرية” لها ضوابطها، وهي ما اتسعنا في مجالاتها إلا أنها تبقى مقيدة وليست مطلقة، كما هو الشأن في جميع أمور حياتنا، فلا يوجد شيء مطلق على علاته.
والسؤال: هل يحق للشخص أن يدخن داخل الطائرة؟ على سبيل المثال.. وعليه فإن الحرية تنتهي حينما تبدأ حرية غيرك، أو تنتهي الحرية عندما تصطدم بالصالح العام، أو تنتهي الحرية عندما تسيء إلى مشاعر غيرك… وهكذا فالحرية تبقى مقيدة ومنضبطة.
الإساءة للنبي –صلى الله عليه وسلم-!
هل يحق لأي شخص أن يسيء أو يتعرض للنبي محمد –صلى الله عليه وسلم-؟! إن الإساءة لهذا النبي العظيم هو في الحقيقة اساءة للأنبياء جميعهم فكلهم في مشكاة واحدة، وكلهم موحى اليهم، وكلهم يلتقون ب (النبوة). فمن ينكر نبوة أي نبي فهو منكر لنبوة الأنبياء جميعهم وإن الإساءة للنبي محمد –صلى الله عليه وسلم- هو استفزاز لمشاعر المسلمين، جميع المسلمين، في أرجاء المعمورة. وإن الإساءة لنبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- نزداد محبة له، وكما هو معلوم ان حب الرسول من الإيمان، كما ان الإساءة لهذا النبي قد زادت نسبة المعتنقين للإسلام في أوروبا وأمريكا، فالإسلام هو خاتمة الرسالات والنبوات، وهو دين العقل والفكر، وهو دين قوي ينتشر في العالم رغم ضعف المسلمين في هذه الأيام. فالحق سينتصر آجلاً أو عاجلاً”وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا”سورة الإسراء الآية 81.
اللهمّ فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وأرزقنا اليقين
” والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ” سورة الأحزاب- الآية4
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.