حديث الجمعة الديني: من أحكام الرضاعة- الحلقة الثانية والأخيرة
30 سبتمبر، 2016المحاكم الشرعية والرضاعة بالأجرة
تنص المادة (152) من قانون الأحوال الشخصية لعام 1976م على ما يأتي (لا تستحق أم الصغير حال قيام الزوجة أو في عدة الطلاق الرجعي أُجرة على إرضاع ولدها، تستحقها في عدة الطلاق البائن وبعدها.) ومعنى هذا أن الأم لا تأخذ أجرة على إرضاع ولدها، وهو رأي المالكية والحنفية ورأي لبعض الشافعية. وأن المحاكم الشرعية في بلادنا ملتزمة بهذا الرأي. أما إذا كانت المرضعة غير الأم فمن حقها أن تطالب أُجرة على الإرضاع، وهذا موضع اتفاق بين الفقهاء.
عدد الرضعات
هناك سؤال يطرح نفسه: ما عدد الرضعات التي يرضعها الطفل خلال السنتيْن الأولتين من عمره حتى تثبت بحقه حرمة الرضاعة؟
وللإجابة عن هذا السؤال أقول: لقد تفاوتت آراء الفقهاء في ذلك، وأُشير هنا إلى رأيين مشهوريْن هما:
1. رأي السادة الحنفية: تثبت حرمة الرضاعة بمجرد أن يرضع الطفل من امرأة مرضعة ليست أمة لأن الحليب ينشز العظم وينبت اللحم بغض النظر عن مقداره وكميته، حينئذ لا يحق لهذا الطفل مستقبلاً أن يتزوج من أي بنت من بنات المرضعة.
2. رأي السادة الشافعية: تثبت حرمة الرضاعة بخمس رضعات مشبعات، فإذا رضع الطفل من امرأة، ليست أمه، خمس رضعات مشبعات تثبت حينئذ حرمة الرضاعة فلا يستطيع الطفل مستقبلاً أن يتزوج أي بنت من بنات المرأة المرضعة، وبمعنى آخر: إذا رضع الطفل أقل من خمس رضعات مشبعات لا تثبت الحرمة. وما ينطبق على الطفل ينطبق أيضاً على الطفلة، وهذا هو رأي الشافعية. وأميل إلى رأي الحنفية وأفتي به الاحتياطات ودرء الشبهات وحسماً لأي شك أو تقوّل أو احتمال، وبخاصة قبل الخطبة وقبل إجراء عقد الزواج.
اكتشاف الرضاعة بعد الزواج
يحصل في بعض الأحيان أن يكتشف حالة رضاعة بعد الزواج وقد تكتشف بعد أن ينجب الزوجان الأولاد!! فلابد هنا من التحقق والتقصّي والتأكد من الإدعاء بوجود رضاعة سابقة بين الزوجين، وأقول إزاء ذلك: إن الزواج قائم بين الزوجيْن وهو أمر قطعي، وأن الإدعاء بالرضاعة هو أمر ظني لعدة أسباب، منها:
1. لوجود اختلاف بين المذاهب الفقهية حول عدد الرضعات.
2. مرور وقت طويل بين الادعاء بالرضاعة وبين وقوع الرضاعة على فرض وقوعها.
3. احتمال ضعف الذاكرة والتذكر من قبل الذي يدّعي وقوع الرضاعة.
4. لابد من شاهديْن عدليْن كانا حاضريْن حين وقوع الرضاعة.
5. احتمال وجود نكايات وخلافات عائلية بين الزوجة وحماتها مثلاً حيث تدعي الحماة بحصول الرضاعة بقصد هدم الحياة الزوجية، وأنها لم تفصح عن ذلك قبيل الزواج.
وعليه لا يرقى الأمر الظني إلى قطعي حتى يتحقق القاضي من صحة هذا الإدعاء وبعد استجواب الشهود حينئذ يتم نسخ عقد الزواج، ويقع الإثم على الذي كتم الشهادة ولم يفصح عنها في وقتها المناسب.
وإذا لم يصل الأمر الظني إلى مرتبة القطعي فإن الزواج يبقى قائماً حرصاً على استمرارية الحياة الزوجية وحفاظاً على الأسرة من الانهدام، وحماية للأولاد والذرية من التشتت والضياع. هذا أنصح النساء التحرّز عن إرضاع أطفال آخرين حتى لا تقع إشكالات في المستقبل، وبخاصة أنَّ الحليب الاصطناعي متوفر في الأسواق في حالة عدم تمكن الأم من إرضاع طفلها رضاعة طبيعية.
رخص شرعية للمرأة المرضعة
من رحمة الله سبحانه وتعالى على عبادة أن شرع لهم رخصاً في مجالات متعددة بسبب المرض أو السفر أو كبر السن أو الحمل أو الرضاعة، ويستحسن في هذه العجالة أن أذكر بعض الأحكام الفقهية التي تتعلق بالمرأة المرضعة في باب الصلاة وباب والصوم:
1. الرخصة في الصلاة للمرأة المرضعة:
أجاز السادة الحنابلة للمرأة المرضعة الجمع في الصلاة لوقتيْ الظهر والعصر، ولوقتيْ المغرب والعشاء. ويجوز شرعاً أن يكون الجمع تقديماً أو تأخيراً. وذلك رفعاً للمشقة عند الطهارة والوضوء لكل صلاة. واشترط الحنابلة أن لا يكون فاصل بين الصلاة الأولى والصلاة الأخرى حين الجمع، وهذا ما أفتي به.
2. الرخصة في الصوم للمرأة المرضعة:
أجاز الفقهاء للمرأة المرضعة الإفطار في شهر رمضان المبارك، وذلك خوفاً على صحتها فقط أو خوفاً على صحة الطفل الرضيع فقط أو خوفاً على صحة الأم والطفل معاً.
ويتعلق بهذه الحالات الثلاث أحكام فقهية على النحو الآتي:
أ) إن كان الخوف على صحة المرضعة فقط أو الخوف عليها وعلى رضيعها معاً فيجب عليها في هاتين الحالتين قضاء الصوم فقط دون الفدية وذلك خلال أشهر السنة إذا أفطرت في رمضان، وقبل حلول شهر رمضان المقبل، باتفاق المذاهب الفقهية.
ب) أما إن كان الخوف على صحة الرضيع فقط فيجب على المرأة المرضعة القضاء والكفارة (الفدية) معاً أي تقضي الأيام التي أفطرت فيها وتخرج عنها فدية أيضاً عن كل يوم أفطرت فيه، ومقدار الفدية هو إطعام مسكين واحد وجبتين عن كل يوم أفطرت فيه. وقال بوجوب القضاء مع الفدية في هذه الحالة كلٌ من السادة الشافعية والسادة الحنابلة حيث عللوا رأيهم بأن المرضعة في هذه الحالة ليست مريضة فلا ينطبق عليها حكم المريض لذا يطلب منها القضاء والفدية معاً. بينما المرضعة في الحالتين السابقتين ينطبق عليها حكم المريض فيطلب منها القضاء فقط دون الكفارة (الفدية).
أما السادة الحنفية فقالوا بالقضاء فقط دون الكفارة (الفدية).
أي أن السادة الحنفية يقولون بالقضاء يحق للمرأة المرضعة في الحالات الثلاث.
وإني إذ أميل إلى رأي السادة الشافعية والسادة الحنابلة وأفتي به لأنه معلل.
اللهم فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وارزقنا اليقين.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.